ارتبطت مصر عبر التاريخ بنهر النيل، بشكل عبر عنه المؤرخون والكتاب بأنها “هبة له”، رغم مروره بعدة دول أخرى، نظرا لخصوصية العلاقة وارتباط حياة المصريين به.
ومع ارتباط الخير والنماء بنهر النيل، وظهور الحضارة المصرية القديمة على ضفتيه، قدسه المصريون القدماء وصوروه على شكل الإله “حابي”، إله النيل والخير والنماء.
“حابي” حاورت عالم الآثار الكبير الدكتور زاهي حواس، حول إله النيل عند المصريين القدماء وأهميته الاقتصادية وما يعنيه من رمز ديني في الحضارة الفرعونية القديمة.
حابي: بداية، ماذا يعني الإله “حابي” عند المصريين القدماء؟ وإلامَ يرمز؟
ـ حواس: “حابي” كان إله النيل عند المصريين القدماء، والنيل رمز من رموز مصر ويربط بين مصر العليا والسفلى، ولذلك صورت الجدارية الموجودة فى معبد الأقصر، “حابي” ممسكا بالحبل الرابط بين الوجهين القبلي والبحري، فالإله “حابي” كان رمزًا لوحدة الدولة عند المصريين القدماء.
حابي: وماذا عن قيمته الاقتصادية للمصريين القدماء؟
ـ حواس: “حابي” كان إله النيل، والذي يعني قديما الوسيلة الرئيسية للمواصلات والنقل بين الوجهين القبلي والبحري، وعمليات التجارة ونقل المنتجات والبضائع للصعيد والدلتا، وكذلك نقل الجرانيت والأحجار المستخدمة في بناء الأهرامات التي جاءت من أسوان عبر نهر النيل.
كما تصور بردية “وادي الجرف” أقدم بردية فرعونية عثر عليها حتى الآن، رئيس العمال “مرر” وهو يقطع أحجار الجرانيت من طرة استعدادا لنقلها بمراكب عبر النيل لاستخدامها في كساء الأهرامات.
حابي: هل كان “حابي” إلها رمزيا أو إقليميا؟ أم كان معبودا بين المصريين القدماء؟
ـ حواس: هناك نوعان من الآلهة عند المصريين القدماء، الأول إقليمي خاص ببعض المناطق، والآخر عام يقدسه جميع المصريين. وينتمي “حابي” للنوع الثاني، نظرا لارتباطه بالنيل الذي يربط أقطار مصر المختلفة، كما كان المصريون القدماء جميعا يعبدونه مثل “رع” و”آمون”.
حابي: أين توجد أشهر تماثيل “حابي”؟
ـ حواس: تماثيل الإله “حابى” منتشرة فى أماكن عديدة، ويعد أشهرها التمثال الموجود في بريطانيا، إضافة إلى تمثال استخرجته بنفسي من معبد رمسيس الثاني فى “أخميم” فى صورة رائعة يجمع فيها بين وجهي مصر القبلي والبحرى.
وهناك تمثال آخر في معبد أبو سمبل، وتنتشر جداريات وأشكال “حابي” بشكل عام في جميع المعابد المصرية نظرا لقدسيته عند جميع المصريين، وارتباطه بالنهر المقدس الذي قالت الروايات الفرعونية إنه نتاج دموع الإلهة “إيزيس”.
حابي: جميعنا يعرف أن هناك أزمات واجهتها الحضارة المصرية قديما، مثل تلك التي واجهها سيدنا “يوسف” عن طريق تخزين الغلال وخلافه، برأيك هل يعيد التاريخ الفرعوني نفسه فيما يخص الناحية الاقتصادية؟
ـ حواس: تلك الروايات معروفة من الكتب السماوية وليس علم الآثار، أما من الناحية الأثرية فلم تثبت أيٍ من تلك الروايات، بل كان معروفا أن تخزين الغلال فى كل مكان من أهم أولويات ملوك الفراعنة خوفا من المجاعات فى مصر القديمة.
والرواية التاريخية الوحيدة حول ذلك كانت فى لوحة من العصر الروماني في جزيرة سهيل، عن حدوث مجاعة وتقديم قرابين للإله الخاص بمنابع النيل للتخلص من الأزمة.
جدارية الشمال و الجنوب وراء «اللوجو»
خلال مرحلة التفكير فى شعار “حابى” كجريدة اقتصادية، بدأنا البحث عن صور تمثال أو “أيقونة” فرعونية ترمز لإله الرخاء عند المصريين القدماء، لتسهيل مهمة شركة JWT ، التى تولت توثيق الفكرة فى لوجو “حابى”.
التمثال وفقا لوصف المواقع المهتمة بالآثار والتاريخ المصرى القديم، يتمثل في صورة إنسان يحمل فوق رأسه نباتات مائية ويظهر جسده معالم الجنس الذكري والأنثوي في نفس الوقت، ملامح الذكورة ممثلة في عضلات أرجله وذراعيه، والأنوثة في الصدر والبطن، وهي ترمز إلى الأرض التي تم إخصابها بمياه الفيضان.
كما صور “حابى” على جدران معابد كثيرة، ولكن من أشهر الجداريات التى ترمز إليه كإله للخير ووحدة مصر، جدارية معبد الأقصر التى تضمنت شكلين متشابهين لـ “حابى”، أحدهما يميز بنبات البردى الذى عبر عن “مصر السفلى”، والآخر بزهرة اللوتس التى تعبر عن “مصر العليا”.
وفى الجدارية يقوم الشكلان بعقد أو ربط زهرة اللوتس ونبات البردي معاً حول العلامة الهيروغليفية التى كانت ترمز لمعنى “الوحدة” بين شطرى البلاد، فى إشارة الى دوره في توحيد الشمال والجنوب، وهو ما استغلته “JWT” فى تكوين اللوجو.
وفيما يتعلق بأشهر تماثيل حابى، اكتشف الغواص الفرنسي فرانك غوديو ضمن بعثة من علماء الآثار بالمعهد الأوروبى للآثار الغارقة، ومقره فرنسا، منذ عدة سنوات ،أثار كبيرة ومتنوعة فى منطقة خليج أبو قير بالقرب من الاسكندرية، يرجح كونها كشف جديد عن أسرار مدينة مصرية غرقت منذ نحو 1200 عام تسمى “هرقليون”، من بينها تمثال ضخم طوله 5.4 مترمن الجرانيت الأحمر لإله النيل “حابي”، و الذى يعد أطول تمثال بين الآلهه المصرية القديمة.
ومنذ عامين تناقلت الصحف البريطانية أخبار عرض المتحف البريطاني لتمثال حابى والعديد من التماثيل والآثار المكتشفة فى مياه البحر المتوسط وترجع الى مدينتين مصريتين غارقتين، فى معرض مخصوص عنوانه «مدن غارقة.. عوالم مصر الضائعة».
ويعتقد كثيرون من علماء الآثار أن مدينة “هرقليون” كانت الميناء الرئيسي لمصر وللعلم والتجارة والدين، بل وتعد الميناء التجاري للمنطقة لعدة قرون بالإضافة الى كونها مركزاً للتجارة الدولية، وعلى الرغم من ذكر “هرقليون” من قبل العديد من المؤرخين الكبار في العصور القديمة مثل هيرودوت، كان يًخشى أن تكون التفاصيل التي تتحدث عن وجودها قد تم فقدها.
حابي .. رمز الرخاء والسعادة
“حابى”.. إله فرعونى يرمز لنهر النيل و الرخاء والسعادة عند المصريين القدماء.. وفقا لهذه المعلومات البسيطة بدأت فكرة إختياره كاسم لجريدة وبوابة الكترونية متخصصة فى الشأن الاقتصادى.
يجمع اسم “حابى” بين هويتنا المصرية، والرمزية الاقتصادية التى تعبر عن المحتوى المستهدف تقديمه بكل منتجاتنا، والذى نستهدف أن يلعب دورا مؤثرا فى تحقيق الرخاء الاقتصادى والرواج الاستثمارى، كما يبتعد عن النمطية فى اختيار الأسماء المرتبطة بشكل مباشر بمناحى الاقتصاد.
وشهدت رحلة البحث عن معلومات دقيقة عن “حابى” صعوبات كبيرة، كشفت عن عدم توافر مصادر موثوق فيها تقدم محتوى وافيا عن تاريخ مصر القديم، وتفاصيل الحضارة التى مازالت أعظم انجازات هذه الأرض.
بكثير من البحث باللغتين العربية والانجليزية، وعلى مواقع الآثار والمتاحف العالمية التى تحدثت عن “حابى”، خاصة خلال فترة انتقاله لمتحف بريطانيا، تعمق اختيارنا للاسم، وبدأنا نتخيل شعار اصدارات “حابى” مزينة بالحروف الفرعونية.
ثم بدأنا رحلة بحث جديدة عن كيفية كتابة الاسم باللغة الهيروغليفية، وفى هذه المحطة، فشلنا تماما فى الاعتماد على الانترنت، بعد أن وجدنا عددا ليس بالقليل من الأشكال المختلفة التى تطرح جميعا على كونها الترجمة الهيروغليفية الصحيحة لاسم “حابى”.
ومن هنا كان الحل الأمثل لحسم الأمر هو اللجوء لعالم الآثار المصرية الدكتور زاهى حواس، الذى اهتم بالفكرة ورحب بالمساعدة، خاصة بعد علمه أن الاسم سيطلق على جريدة اقتصادية غير متخصصة فى الآثار أو السياحة كما اعتاد، وحرصا منه على التوثيق الصحيح للاسم الفرعونى لأحد أهم الآلهه الفرعونية القديمة.
كما استدعى غياب المعلومات الدقيقة عن “حابى” الممكن ذكرها على صفحات هذه الجريدة، لتعريف القارئ بقصة حابى ورمزيته عند الفراعنة، مقابلة الدكتور زاهى حواس للحديث عن تاريخ هذا الاله، على هامش مؤتمر صحفى بالمتحف المصرى.