يقلم: مجدى سرحان
الخير والنماء.. هما أمل الشعوب.. وأساس بناء الدول.. أهم بنود «عقود الحكم الشرعية» التي تحكم علاقة أي حاكم بمحكوميه.. الشعب دائما يريد الإصلاح والتغيير الى الحياة الأفضل.. والحاكم لديه الوعود بتلبية مطالب الشعب.. لكن الأهم من أن يعد الحاكم بالتغيير والإصلاح.. هو أن تكون لديه تصورات ورؤى حقيقية وبرامج وخطط واستراتيجيات مبنية على أسس علمية وموضوعية.. وأن يكون قادرا على قيادة المؤسسات القادرة على التنفيذ.. وفق خرائط زمنية محددة تتم متابعتها مرحليا وتقييمها.. وتتوفر لهذه المؤسسات أسباب وعوامل نجاحها.. وعلى رأسها مصادر التمويل.. في الوقت الذي يقوم فيه هذا الحاكم بتسيير أمور الدولة والحفاظ على أمنها وحمايتها مما قد تواجهه من تهديدات داخلية وخارجية.
في هذه السطور.. نقف ونتأمل: كيف سارت الدولة المصرية «مصر الثورة» في طريق الإصلاح الاقتصادي والتقدم نحو هدف «الخير والنماء»؟.. ماذا تحقق؟.. وكيف؟.. والى أين سيصل المسار بمصر التي نريد لها الخير والرخاء والنماء؟
- • ندرك بداية
أن جميع الثورات والحروب في دول العالم أجمع أعقبتها سنوات انهيار.. وسنوات للإصلاح تحملت معاناتها شعوب هذه الدول بالصبر والرضا والتضحية والمشاركة.
الثورة الفرنسية.. أم الثورات في التاريخ الحديث.. استمرت لنحو 10 سنوات كاملة.. شهد خلالها المجتمع الفرنسي اضطرابات اجتماعية وسياسية واقتصادية عنيفة.. واستمرت تداعياتها ربما لأكثر من 20 عاما أخرى.. وامتدت الى القارة الأوروبية بأكملها.
ألمانيا التي خرجت من الحرب العالمية الثانية شبه مدمرة بالكامل.. لم تستطع البدء في استعادة قوتها وبناء دولتها من جديد الا بعد نحو 5 سنوات.. ولم تتحقق لها معجزتها الاقتصادية التي أبهرت العالم الا بعد أضعاف هذا العدد من السنوات.. وعانى شعبها في هذه المعركة ما لم تعانه غيره من شعوب الأرض.
اليابان أيضا احتاجت الى عشرات السنين لتحقق معجزتها الاقتصادية ولتخرج من ركام الهزيمة في الحرب العالمية الثانية الى أن تكون ثالث أكبر قوة اقتصادية في العالم.
- • ولتكن نقطة البداية
في سعينا للإجابة على تلك الأسئلة هي: كيف كان اقتصاد مصر قبل تاريخ 3 نوفمبر.. وهو تاريخ بداية تطبيق الإجراءات الإصلاحية وعلى رأسها قرار تعويم الجنيه.. بمعنى: كيف كان حال الاقتصاد قبل هذا التاريخ وما هي الأسباب التي دفعت الدولة لاتخاذ ما تم إقراره من إجراءات.. في ضوء «مواضع القوة» والفرص المتوفرة.. و»التهديدات» القائمة وعلى رأسها الحرب ضد الإرهاب.
يمكننا تلخيص الصورة في العشرة نقاط التالية:
1ـ موازنة عامة تتزايد فيها نسب العجز عاما بعد عام.. بمعنى تزايد نفقات لموازنة على الإيرادات العامة.. وهو ما يعنى وجود فجوة تمويلة للموازنة لا سبيل لسدها الا بالاقتراض.
2ـ إنفاق ضخم وعشوائي على برامج الدعم يستنزف كل قدرات الدولة.. أضف الى ذلك حجم انفاق حكومي ضخم.. وخاصة على أجور ومصروفات الجهاز الإداري.. يلتهم قدرا غير قليل من الإيرادات.. دون أن يقابله عمل أو انتاج حقيقيان.
3ـ استفحال ظاهرة الاستيراد العشوائي للسلع غير الأساسية والذي يلتهم حصيلة النقد الأجنبي.
4ـ تضاؤل هذه حصيلة النقد الأجنبي نتيجة تدهور الصادرات وشلل السياحة وانخفاض تحويلات المصريين في الخارج وانحسار مشروعات الاستثمار الأجنبي.
5ـ وجود فجوة خطيرة في استيراد السلع الأساسية والاستراتيجية وعجز الدولة عن سد هذه الفجوة نتيجة عدم وفرة النقد الأجنبي.
6ـ يرتبط بذلك ارتفاع معدلات التضخم الى مستويات غير مسبوقة والعجز عن السيطرة على أسعار هذه السلع.
7ـ استحكام ظاهرة المضاربة على الدولار كنتيجة لتداوله بسعره غير الحقيقي.. واتساع الفارق بين السعر الرسمي والسوق السوداء الى ما يقارب الضعف.
8ـ توقف مشروعات الخدمات بشكل شبه كامل بسبب نقص الموارد الحاد.. وأكبر تعبير عن ذلك كان النقص في انتاج الكهرباء.. ما أدى لانقطاع التيار بشكل غير مسبوق في المنازل والمنشآت الخدمية ومواقع الانتاج.
9ـ تدهور البورصة نتيجة لخروج جزء كبير من السيولة وتوجيهه للمضاربة على الدولار.. وهو ما يعرض رأسمالها السوقي البالغ في ذلك الوقت نحو 600 مليار جنيه للخطر.
10ـ أضف الى ذلك افتقاد مصر الى ثقة مؤسسات التمويل الدولية ـ باعتبارها وسيلة الانقاذ الأهم لمواجهة كل ما سبق ذكره من سلبيات ـ نتيجة لعدم اقتناع هذه المؤسسات بقدرة الاقتصاد المصري على استرداد عافيته وبجدية برامج الاصلاح القائمة.
- • ماذا يعني ذلك؟
يعني ان الاقتصاد المصرى قبل قرارات 3 نوفمبر كان على حافة الهاوية.. وكان الشعب غارقا في أزمات معيشية مستحكمة.. وكان ترك الأمور بهذه الصورة يؤدي الى نتيجة واحدة.. هي انهيار الدولة بالكامل.. وإفلاسها.. وهذا ما يجب أن نتذكره جيدا ونحن نتحدث اليوم عما نعانيه من مصاعب مترتبة على إجراءات الإصلاح.
ومنذ أيام سُئل رئيس الوزراء المهندس شريف اسماعيل عن تقييمه لما حققه برنامج الإصلاح الاقتصادي منذ اطلاقه في بداية نوفمبر 2016.. فأجاب قائلا:»إن الاقتصاد المصري يسير في الاتجاه الصحيح وإن مصر استطاعت الخروج باقتصادها من عنق الزجاجة».
وقد يسأل سائل: أي طريق صحيح؟!.. وأي عنق زجاجة خرجنا منه ونحن مازلنا نعاني من ذلك الغلاء وتلك المتاعب المعيشية..؟
من حق المواطن أن يسأل هذا السؤال.. لأنه هو الذي يدفع الفاتورة المباشرة لهذه الإجراءات.. وإن كان ذلك بنسب متفاوتة قد تشوبها مبالغات.. وأيضا قد تكون الحكومة محقة فيما تراه إنجازا وتغييرا قد تحقق بالفعل.. لكن بمعايير مختلفة.. معايير اقتصادية علمية قد لا يدرك حقيقتها رجل الشارع «غير المتخصص».
- • هل حدث تغيير حقيقي؟
سؤال نطرحه بدورنا.. ونبحث عن الإجابة في عدة تقارير دولية تواترت مؤخرا.. أهمها تقرير لصندوق النقد الدولي.. ونجد أن جميع هذه التقارير تؤكد أن «المؤشرات الكلية» للاقتصاد المصري في 2018 تشير إلى فاعلية برنامج الإصلاح الاقتصادي في إيقاف النزيف الحاد الذي كان يعاني منه الاقتصاد منذ 25 يناير2011 .. وأن هناك تقدما قد تحقق بالفعل .. إلا أن التأثير الكامل لهذا التقدم لم يشعر به المواطن بشكل مباشر حتى الآن.
وأهم هذه المؤشرات ـ التي تمثل الأداة الحقيقية لقياس أداء الاقتصاد والتنبؤ بمستقبله ـ هو تحقيق ما يلي:
خفض عجز الموازنة ـ ترشيد الدعم والإنفاق الحكومى ـ وقف الاستيراد العشوائى ـ زيادة الصادرات وتشجيع الاستثمار ـ القضاء على السوق السوداء للعملات الأجنبية ـ توفير السلع الأساسية والاستراتيجية وانتهاء أزماتها ـ السيطرة على معدلات التضخم بعد استقرار سعر الدولار ـ إنقاذ البورصة وارتفاع مؤشراتها بشكل كبير ـ إنجاز العديد من المشاريع التنموية في جميع القطاعات الاقتصادية وعلى رأسها الكهرباء والاسكان والزراعة.. وأخيرا نجاح الدولة في كسب ثقة مؤسسات التمويل الدولية.. والحصول على قروض ساهمت بشكل كبير في دعم الاحتياطي الأجنبي بما ينعكس مباشرة على قوة الاقتصاد والعملة الوطنية.
- • المحصلة الكلية لذلك
هي أن شكل الاقتصاد المصري الآن قد تغير بالفعل.. لكن مازال كثيرون لا يشعرون بهذا التغيير.. وهذه مسألة تتعلق مباشرة بقضية العدالة الاجتماعية.. والبرامج الحمائية التي تقدمها الدولة للمواطنين الأكثر تعرضا للخطر بسبب الاصلاحات الاقتصادية.. حتى يمكنهم التأقلم مع تأثيرات برامج الاصلاح.. وعلى رأس هذه البرامج وفقا لما يحدده صندوق النقد.. إجراء إصلاحات ضريبية تقوم على إعادة توزيع الضرائب بشكل تصاعدي.. بحيث لا يتم تركيزها على الموظفين وصغار المرتبات فقط.. كما تقوم على أن يساهم كل شخص قادر في الضرائب التي تقررها الدولة لخدمة المجتمع.. أضف الى ذلك أهمية تعظيم دور القطاع الخاص في الاستثمار وتوفير فرص العمل.. ولن يتحقق ذلك إلا باضطلاع الدولة بمسئوليتها عن توفير المناخ الاستثماري الصحيح.. والحفاظ على الأمن والاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي.. بما يمنح المستثمر الأمان والجرأة في اتخاذ قرار الاستثمار.