تضخم مرتفع .. ديون مفزعة .. اضطراب سياسي .. وشكوك في استقلالية المركزي
الفائدة ترتفع إلى 40% و»البيزو» يفقد 20% من قيمته في منتصف «خطة إصلاح قاسية»
الإيكونوميست– الجارديان – الفاينانشيال تايمز
في صباح الرابع من مايو الجاري قرر البنك المركزي الأرجنتيني رفع سعر الفائدة 6.75 نقطة مئوية للمرة الثالثة خلال أسبوع، لتصل أسعار الفائدة إلى 40 % حاليًا مقارنة بـ 27.25 % في 27 إبريل الماضي.. موجها رسالة هي الأكثر وضوحًا بالنسبة للأسواق.
وقبل عامين ونصف كان ماوريسيو ماكري قد وصل إلى رأس السلطة في الأرجنتين وفي جعبته أجندة إصلاحية يسعى من خلالها إلى تحويل بلاده إلى «دولة طبيعية» وهو حلم رحب به المستثمرون ومعظم الأرجنتينيين.
الخطة التي وصفت بأنها تسعى إلى إزالة التشوهات الاقتصادية التي خلفها أكثر من عقد من الحكم اليساري والسياسات الاقتصادية غير التقليدية في عهد الرئيسين نيستور وكريستينا كيرشنر، تمخضت عن برنامج إصلاح اقتصادي قاسٍ لم يلبث أن تعثر في أول اختبار حقيقي من السوق.
بدأت الأزمة في يناير الماضي، في أعقاب قرار البنك المركزي يوم 28 ديسمبر الماضي بالتخلي عن هدفه بخفض التضخم إلى 12 % ليصبح الهدف الجديد هو 15 % فقط.
اتُخذ هذا القرار بناء على طلب من الحكومة، التي كانت تشعر بالقلق إزاء تأثير ارتفاع أسعار الفائدة على النمو الاقتصادي، وبعدها خفض البنك أسعار الفائدة بمقدار 0.75 نقطة مئوية، مما تسبب في توقعات بارتفاع التضخم، فضلًا عن تنامي شكوك المستثمرين في استقلالية المركزي الأرجنتيني ومدى التزامه بهدف خفض التضخم.
مخاوف المستثمرين تزايدت بعد أن ارتفعت عوائد سندات الخزانة الأمريكية لأجل 10 سنوات فوق 3 % في أواخر إبريل، وهي خطوة عادة ما تدفع المستثمرين إلى سحب أموالهم من الأسواق الناشئة وغيرها من الأصول الخطرة.. وبالطبع كانت الأرجنتين في المقدمة.
في الأرجنتين كان التضخم قد ارتفع إلى 25 % على مدى الاثني عشر شهرًا الماضية ليصبح بين الأعلى في دول العالم، وشعر المستثمرون بالفزع من حجم الديون الخارجية الكبيرة في البلاد وعجز الحساب الجاري البالغ 5 % من الناتج المحلي الإجمالي.
القرارات السياسية داخل الأرجنتين أدت أيضًا إلى تفاقم الأزمة، إذ طبقت الحكومة ضريبة جديدة على المكاسب الرأسمالية في مسعى لاسترضاء خصومها، وهو ما جعل المستثمرين الأجانب أكثر حرصًا على بيع السندات الأرجنتينية وشراء الدولارات، كما أثارت التوترات السياسية داخل الائتلاف الحاكم «كامبيموس» حول الجدول الزمني لخفض دعم الطاقة والمرافق إلى التشكك في التزام الحكومة بخفض الإنفاق.
في الأسبوع الأخير من إبريل، وتحت تأثير الانخفاض السريع المتتالي لقيمة البيزو أمام الدولار، والمخاوف من تأثير تراجع العملة على التضخم، باع البنك المركزي الأرجنتيني 4.3 مليار دولار من احتياطياته من الدولار على مدى 5 أيام، وبين 27 أبريل و 3 مايو رفع أسعار الفائدة بمقدار 6 نقاط مئوية، لكن هذه التحركات لم تأتِ بأي تأثير يذكر.
خسر البيزو 7.8 ٪ من قيمته خلال التداول يوم 3 مايو، وقرر المركزي العمل بقوة أكبر عبر رفع سعر الفائدة إلى 40 ٪، وأكد أنه سيواصل استخدام جميع الأدوات المتوافرة لديه لتحقيق هدف خفض التضخم.
نيكولاس ديجوفني وزير الخزانة صرح للصحفيين بأن بلاده تعتزم خفض عجز الموازنة الذي سجل 3.9 % في 2017 إلى 2.7 % بدلًا من نسبة 3.2 % التي استهدفتها الحكومة سابقًا، وعقب هذه التصريحات ارتفعت قيمة العملة المحلية «البيزو» بنسبة 5 % أمام الدولار، بعد أن كان قد خسر خُمس قيمته مقابل الدولار منذ بداية العام ليصبح العملة ذات الأداء الأسوأ بين عملات الأسواق الناشئة.
وكان البيزو قد فقد يوم الخميس الماضي 7.83 % من قيمته ليصل إلى 23 بيزو للدولار الواحد، قبل أن يستعيد عافيته بشكل طفيف يوم الجمعة مسجلًا 21.7 بيزو للدولار.
وقال لويسكابوتو وزير المالية، إن هدف خفض العجز يعني أن الحكومة ستخفض من احتياجتها للاقتراض بنحو 3 مليارات دولار، ما يعني أن نحو 80 إلى 85 % من احتياجات التمويل في الأرجنتين لعام 2018 قد تمت تغطيتها بالفعل، مقارنة بنسبة 75 % في السابق.
«كانت المخاطر التي يتعرض لها البيزو تختمر منذ فترة طويلة متأثرة بموازنة ضخمة مزدوجة الأرقام وعجز في الحساب الجاري، وعبء ديون دولاري ثقيل، وتضخم كبير والمبالغة في تقييم العملة»، يقول إدوارد جلوسوب المحلل لدى شركة «كابيتال إيكونوميكس» للاستشارات، مضيفًا :»المفاجأة الحقيقية هي كيف حدثت الأمور فجأة وتصاعدت فجأة».
الإجراءات التي اتخذتها الحكومة كبحت ما بدا أنه أزمة متصاعدة، لكنها أضرت بالاقتصاد .. وبالرئيس ماوريسيو ماكري.
«يبدو أن هذا الإجراء جنب البلاد أزمة كاملة.. على الأقل في الوقت الراهن»، يقول ألبرتو راموس المحلل لدى بنك الاستثمار جولدمان ساكس، وتابع: «إنها خطوة في الاتجاه الصحيح.. يبدو أن الهلع قد انحسر لكن الأرجنتين لم تخرج بعد من دائرة الخطر، على البنك أن يستعد لموجة هبوط جديدة للبيزو خاصة إذا استمرت أرقام التضخم في إحباط المستثمرين».
ويعني هذا أن معدلات الفائدة من المحتمل أن تظل مرتفعة لبعض الوقت، وفقا لجلوسوب، «إذا قام البنك المركزي بخفض أسعار الفائدة مبكرًا ، فإنه سيخاطر بعودة الأزمة مجددًا».
وكانت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني قد خفضت نظرتها المستقبلية للأرجنتين من إيجابية إلى مستقرة في الرابع من مايو الجاري، مشيرة إلى أن ارتفاع معدل التضخم والتقلبات الاقتصادية وراء القرار.
ولا يزال لدى الرئيس الأرجنتيني فرصة لتثبيت أوضاعه، في ظل بُعد توقيت إجراء الانتخابات الرئاسية المقررة في أكتوبر 2019، وقد أعرب ماكري عن أمله في أن يبدأ الوضع الاقتصادي في الانتعاش خلال النصف الثاني من العام الجاري عندما كان من المتوقع أن ينخفض التضخم وأن ترتفع القيمة الحقيقية للأجور، لكن الأزمة الحالية تعني أن احتمالات النجاح بدأت تنحسر بالفعل.
ويحاول ماكري والبنك المركزي جاهدين التأكد من أن الأرجنتين ستتجنب تكرار تجربة البرازيل، التي اكتفت بالسيطرة على التضخم بعد أطول ركود في تاريخها.
«هل سيتطلب الأمر ضربة كبيرة للاقتصاد للتخلص من حمل التضخم؟.. لا أعتقد أن الأرجنتينيين يأملون في هذا»، تابع راموس.