لله والوطن “الكويز” العربية

مجدي سرحان

منذ توقيع مصر في نهاية عام 2004 على اتفاقية المناطق الصناعية المؤهلة.. أو كويز (QIZ) اختصارا لجملة Qualified Industrial Zone .. مع كل من الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل.. أي قبل نحو 14 عاما.. والجدل لا يكاد ينقطع حول مدى استفادة مصر من هذه الاتفاقية.. صناعيا وتجاريا.. بالنظر الى الجانب السياسي لها كأحد أوجه التطبيع بين القاهرة وتل أبيب اللذين تجمعهما اتفاقية للسلام أنهت عشرات السنوات من العداء والصراع والحروب بينهما.

E-Bank

•• هذا الجدل
لم يخل من رصد سلبيات وإيجابيات عديدة للاتفاقية.. بيد أنه على المستوى الرسمي تَعْتَبِر الدولة المصرية مُمَثَّلة في وزارة التجارة والصناعة هذه الاتفاقية واحدة من أكثر الاتفاقيات التجارية التي نجحت في تنمية مؤشرات الصادرات المصرية على مدار الأعوام الماضية.. حيث بلغ إجمالي حجم الصادرات منذ إبرام الإتفاقية حتى نهاية العام الماضي 2017 نحو 9 مليارات دولار.. بحسب أرقام “وحدة الكويز” التابعة للوزارة.. وهذا الرقم يجسد ما تعتبره وزارة التجارة والصناعة نجاحا للاتفاقية في تحقيق الغرض الأساسي لها.. وهو تنمية الصادرات.. خاصة في مجال صناعة الملابس الجاهزة.. حيث تمثل الإتفاقية نحو 85 % من صادرات مصر من الملابس الجاهزة بشكل عام.. إضافة الى أنها تتيح إمكانية تصدير كافة نوعيات السلع لأمريكا.. وليست الملابس فقط.. بشرط “تحقيق الجودة”.

•• فلسفة “الكويز”
تقوم على السماح للمنتجات المصرية بالدخول إلى الأسواق الأمريكية دون جمارك أو حصص محددة.. بشرط وجود “مكون إسرائيلى” في هذه المنتجات الى جانب المكون المصري.. بنسبة بدأت بـ 11.7% ثم جرى تعديلها فيما بعد إلى 10.5% .. وبموجب الاتفاق تم التوافق على إقامة سبع مناطق صناعية مؤهلة في مصر.

من الإيجابيات التي يرى البعض أن الاتفاقية حققتها للاقتصاد المصري.. أن هذه المناطق الصناعية توفر فرص عمالة كبيرة وتساهم في زيادة معدل النمو الاقتصادي.. بزيادة الصادرات وخفض معدلات البطالة.

تابعنا على | Linkedin | instagram

إلا أن هذه الاتفاقية تظل موصومة بـ “عار التطبيع” لدى البعض ممن يعارضونها.. وأن جانبا من عوائدها يعود بالنفع على “العدو الاسرائيلي”.. كما أنها ـ من وجهة نظرهم ـ ترسخ للهيمنة الاقتصادية.. وبالتالي السياسية.. من الجانبين الاسرائيلي والأمريكي على مقدرات البلاد.

وهم يرون أن هناك مخاطر سياسية لتطبيق هذا النموذج بين أمريكا واسرائيل ودول عربية أخرى.. لأن ذلك سوف يترتب عليه أن دولا عربية عديدة ستقيم علاقات كاملة مع “العدو” مقابل مكاسب اقتصادية “غير مضمونة” من الجانب الأمريكي.. خاصة في عهد “ترامب” ذي الشخصية المتذبذبة والمخادعة والمنحازة للاسرائيليين.

لكن تظل “الكويز” ـ من وجهة نظرنا ـ نموذجا جيدا للتعاون الصناعي والتجاري إذا ما جرى تفريغه من مثالبه السياسية.. عبر محاكاته مع أطراف “صديقة” و”مأمونة”.

•• من هنا
فإننا نثمن المبادرة التي طرحها رجل الأعمال السعودي البارز حسين شبكشي رئيس مجلس إدارة شركة “النعيم” القابضة خلال مؤتمر “حابي” للاستثمار.. بتحويل العلاقات الاقتصادية بين مصر والمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة إلى “كويز عربي”.

وذلك في ظل ما استطاعت مصر تحقيقه في مجال البنية التحتية للاستثمار.. بما يُمَكِّن المستثمرين الأجانب.. وبخاصة السعوديين والإماراتيين بوصف بلديهما أكبر شريكين استثماريين لمصر.. من تحقيق عوائد لاستثماراتهم في السوق المصرية لا تتحقق لهم في أسواق أخرى.. ولا حتى في بلدانهم نفسها.. بشهادة الشبكشي.. ويأتي ذلك في ظل وجود حراك سعودي وإماراتي أيضا لجذب الاستثمارات العملاقة لمشروعات كبرى يجري تنفيذها.. مشروع “نيوم” السعودي على سبيل المثال.

•• هذه الإشكالية
ربما تفرض ـ من وجهة نظرنا أيضا ـ على هذه الدول الثلاث نموذجا خاصا للاستثمار والتعاون.. نرى أنه من المناسب جدا أن يحاكي “نموذج الكويز”.. بحيث تتحول العلاقات الاستثمارية بينهم الى اتفاقية “كويز عربية”.. تحقق علاقات اقتصادية صلبة لا تتأثر بمتغيرات سياسية لا تخلو منها العلاقات بين الدول الآن.

•• ولذلك

ننتظر من حكومات الدول الثلاث البدء بتفعيل هذه المبادرة.. وتحويلها الى واقع ملموس.. كخطوة واقعية في طريق التكامل الاقتصادي العربي المنشود.. والذي طال انتظاره.

الرابط المختصر