بقلم مجدي سرحان ـ رئيس مجلس إدارة جريدة حابي
تمضى الحكومة قدمًا في الاستعداد لبدء تنفيذ برنامج طرح أسهم 23 شركة حكومية في البورصة.. بحصيلة مرتقبة 80 مليار جنيه.. باعتباره «خطوة تساهم في وضع الاقتصاد على الطريق الصحيح وللقضاء على الاختلالات الهيكلية التي عانت منها البلاد لفترات طويلة».. وفقا لوزير المالية عمرو الجارحي.
•• ومع ذلك
مازال هناك جدل حول سياسة طرح هذه الشركات.. إذ تعتزم الحكومة طرح نسب من حصص رأس المال.. مع احتفاظها بحصص حاكمة لتضمن الاحتفاظ بحقها في الإدارة.. بينما يرى المستثمرون أن الاستثمار بهذا الشكل لن يكون مجديًا أو مضمونًا بالنسبة لهم.. لأن المشكلة أصلا في الإدارة .. ولا فائدة من وضع استثماراتهم في هذه الشركات بينما لايستطيعون تطوير الإدارة بالشكل الذي يحقق عوائد مجزية.. والآن يصرح الرئيس عبد الفتاح السيسي في حديثه أمام إحدى جلسات مؤتمر الشباب برؤية ثالثة في هذا الملف المهم.. حيث ينصح الحكومة بأن يكون الطرح في هذه الشركات في شكل زيادات رؤوس الأموال مع احتفاظ الحكومة بحصصها وبإدارتها للمشروعات.
وبين هذه الرؤى الثلاث..
تبرز مخاوف حول مدى نجاح برنامج الطروحات الحكومية ومصير شركاته.. خاصة وأن الحكومة كشفت أنها ستطرح شركات ناجحة ماليا وإداريا.. واكثر ربحية.. وهو ما يتحفظ عليه الكثيرون من الخبراء والمتخصصين.. الذين يرون أنه كان من الأجدى اختيار محفظة متنوعة تضم شركات خاسرة أو متعثرة بعد إعادة هيكلتها.. لأن هذه الشركات هي أحد اسباب الاختلالات الهيكلية التي تسعى الحكومة الى التخلص منها.
•• في مؤتمر «حابي» للاستثمار
سألنا رجل الأعمال البارز نجيب ساويرس عما إذا كان مهتمًا باقتناص أي حصص من شركات المرحلة الأولى لبرنامج الطروحات الحكومية.. فجاء رده حاسمًا وملفتًا لنظر جميع الحاضرين.. وهو»بالطبع لا».
وكان تبريره لهذا الرفض القاطع هو أنه يرى الاستثمار في هذه المشروعات «عديم الجدوى» بسبب احتفاظ الحكومة بالإدارة.. وهذا يعني أنه كمستثمر لن يستطيع المشاركة في الإدارة بما يسمح بتحقيق عائد جيد.. وحتى إذا كانت هذه الشركات رابحة وناجحة إداريًا فإنها ستظل مكبلة بقيود القطاع العام التي تعوق مواكبتها للقطاع الخاص في مستويات التطور والنمو.
ولذلك فهو يرى أنه لا سبيل لانجاح برنامج الطروحات الحكومية سوى بيع الشركات كاملة للشعب.. ويصبح هو الرقيب من خلال الجمعيات العمومية ومن حقه عزل الإدارة في حال فشلها.
هذه الرؤية تعد مؤشرا مهما لمدى استعداد أسواق الاستثمار لتقبل برنامج الطروحات والإقبال عليه.. لأن مستثمرًا بحجم ساويرس يعد أحد البوصلات التي تقود حركة هذا السوق.. ولا يجب مطلقا إهمال رؤيته ودلالاتها لدى متخذ القرار.
•• لكن أيضا
ليس سهلا أن تستجيب الحكومة لأصحاب هذه الرؤية.. لأن لديها إرث تاريخي من «السمعة السيئة» لبرنامج الخصخصة الذي جرى تطبيقه إبان حكم الرئيس الأسبق مبارك.. وما شاب بعض عملياته من فساد كشفته أحكام قضائية.. لذلك يرفض الكثيرون عودة الخصخصة.. وتتنصل منها الحكومة كذلك.. وتجزم بعدم عودتها.
ويظل السؤال: ماذا لو أحجم كبار المستثمرين عن شراء حصص هذه الشركات؟.. وهل سيؤدي ذلك الى تفريغ البرنامج من مضمونه وأهدافه التي يأتي على رأسها توسيع قواعد الملكية في الشركات وجذب المزيد من التدفقات الرأسمالية داخل البلاد وتعظيم أصول الدولة وتوفير تمويل إضافي للتوسع في مشروعات هذه الشركات.. لينحصر الأمر فقط في طرح الأسهم في البورصة لصغار المستثمرين وتنشيط تعاملاتها.. بينما تغيب باقي الأهداف الأعظم والأهم؟
•• على أي حال
نرى أنه مازال هناك متسع للوقت.. ومن الصواب أن تتأنى الحكومة في إطلاق عملية الطرح.. لحين الاستقرار على السياسة الأنسب له.. والتي تحقق كل أهدافه.. وكذلك ضرورة النظر بجدية الى محاولة إيجاد صيغة لإزالة مخاوف المستثمرين من استمرار الإدارة الحكومية.. وتوفير الشكل القانوني الذي يسمح بدخول المستثمرين في إدارة هذه الشركات.. أو البحث عن صيغ مشاركة أخرى تناسب احتفاظ الحكومة بملكية حصصها.. مثل التأجير، أو الامتيازات الطويلة، أو الإدارة مع المشاركة في الأرباح.