أيامٌ صعبةٌ على الأسواقِ الناشئةِ

أحمد رضوان

تمرُّ عملات الكثير من الأسواق الناشئة بتحديات بالغة إثر عددٍ من العوامل في مقدمتها الحرب التجارية التي اشتعلت في الأسابيع الأخيرة بين الولايات المتحدة الامريكية من جانب، والصين وأوربا وكندا والمكسيك من جانب آخر، واتجاه بنك الاحتياط الفيدرالي الأمريكي إلى رفع الفائدة على الدولار تدريجيًّا بصورة ستؤدي لا محالة من اتساع فجوة الفوائد مع عملات الدول الناشئة.

E-Bank

بعض الدول ومن بينها تركيا ما زالت تتبع سياسة حذرة وبطيئة تجاه التعامل مع زيادة أسعار الفائدة خوفًا من تصاعد تكلفة الدين وتراجع تنافسية الصادرات، أما الأرجنتين فقررت ارتفاعات قياسية للسيطرة على التضخم واستقطاب النقد الأجنبي لأدوات الدين الحكومية.

من زاوية أخرى، بدأت الكثير من الدول والشركات الكبرى التجاوب مع قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الخاص بإلغاءِ الاتفاق النوويّ مع إيران، وقررت مقاطعات مالية وتجارية مع طهران ما أدى إلى ارتباكٍ في أسواق النفط، سرعان ما سعت دول أخرى في مقدمتها روسيا للسيطرة عليها ولو بشكل مؤقت.

أما على مستوى أسواق المال، فحدِّثْ ولا حرج، هناك حركة ساخنة في أسواق الأسهم والسندات دفعت الكثير من البورصات الناشئة لتراجعات قياسية، مؤشر «إم إس سي آي» للأسواق الناشئة بأكثر من 10% منذ بداية العام، في مقابل انتعاش الأسواق الأوربية والأمريكية وتجاوبها سريعًا مع أي متغيرات مثلما حدث مع صعود النفط وإلغاء الاتفاق النووي.

باختصار.. تواجه الأسواق الناشئة متغيرات بعضها جديدة. ارتفاع غير معتاد للدولار مع سياسة صارمة من المركزي الأمريكي، يضاف إلى ذلك سياسات حماية تجارية بقيادة أمريكية أيضًا، ارتفاع شبه مؤكد في المدى الطويل لأسعار النفط، وتدفقٍ للأموال باتجاه الفوائد الأعلى أينما وجدت، ولن تجنو أرباح قياسية من الفوائد إلا من الأسواق مرتفعة المخاطر التي تخرج من أزمة لأزمة.

تحليلات وتوقعات على مدار الساعة عن مصير الأسواق الناشئة في الشهور المقبلة، غالبيتها يتوقع أزمات كبيرة لا تقل عن الأزمة المالية التي هددت النمو العالمي عام 2008، ولكن هناك عدد محدودٌ من التقاريرِ التي تحدثت عن الحلول، وخصوصية بعض الأسواق ننشر جزءًا منها في هذا العدد من جريدة حابي، والجزء الآخر على البوابة الإلكترونية hapijournal.com، وسريعًا سألخص ما يمكن أن يمثل إفادة، من بين عشرات التقارير التي ستنشر تدريجيًّا على بوابة «حابي».

ــ العلاقةُ ما بين ضعف عملات الأسواق الناشئة وقدرتها على رفع صادراتها لم تعد صحيحة بالصورة التي تتردد دائمًا كلما اضطرت البنوك المركزية لإجراء خفضٍ في قيمة عملاتها، أتحدث عن مسوحات تتبعت حركة أكثر من مائة سوق ناشئة قد انتهجت سياسة لخفض قيمة عملاتها دون أن يؤدي ذلك لنمو غير المعتاد على مستوى صادراتها، الميزة الوحيدة المؤكدة هي تراجعُ حجم الوارداتِ وربما يكون ذلك لأسباب انكماشية.

طالما أن الحرب التجارية على أشُدَّها، والتوقعات تسير في اتجاه مرور صادرات الأسواق الناشئة بموجة تباطؤ وتغيرات هيكيلية، فإن الرهانَ على قيمة العملة لإنعاش الصادرات بكل ما تشمله من دعمٍ لموارد النقد الأجنبي، لن يكون بالرهان السليم، والأجدى والأنفع في هذا الوقت هو العمل على استقرار أسواق الصرف بالصورة التي تضمن نظرةً استثماريةً إيجابيةً لا تخشى اهتزازات أسواق الصرف، والعمل أيضًا على مزايا تنافسية أخرى للصادرات بعيدًا عن سعر العملة.

ــ الاختلافُ الكبيرُ في أساليب التعامل مع سعر الفائدة يؤكد أن النظريات النقدية تقف عند خصوصية اقتصادات الدول، وفي سوقٍ تسعى للرواج وتنشيط الاستثمار ودعم رواد الأعمال وتستثمر حكومتها بنفسها في أكثر من قطاع، يجب تحديد الأولويات بوضوحٍ شديدٍ، هل الهدف هو الإبقاء على استثمارات الأجانب في أوراق الدين؟ أم دعم المستثمرين الاستراتيجيين طالما كانت البيئة مهيأةً لذلك؟

النقطة السابقة لا تتعلق فقط بحركة الاستثمارين المحلي والأجنبي، بل بوضع السيولة داخل المؤسسات المصرفية التي سيصعُب عليها الاستمرار في دفع تكلفة كبيرة على أموال لا يتم توظيفها، أضِفْ إلى ذلك تفاعل أسواق الأسهم الذي أصبح شديد الحساسية تجاه أسعار الفائدة على العملات.

ــ ما هي القطاعات التي تحمل ميزة تنافسية يصعب أن تتأثر بانتقال الأموال من الأسواق الناشئة إلى المتقدمة؟ بكل تأكيد هناك دولٌ تتمتع بخصوصية كبيرة في مواردها النفطية ستكون أكثر استفادة من الوضع الراهن، وأخرى لها مزايا أكبر في جذب السياحة وثالثة تستفيد من كونها منفذًا لمرور حركة التجارة، ورابعة تُراهن على مرونة تشريعاتها في تقديم مزايا سريعةٍ للمستثمرين في صورة إعفاءات أو إسناد أعمال جديدة، أو ضخّ حزمٍ مالية لتحفيز اقتصادها ليس فقط لمنع التأثر بالاختلالات التي تمر بها دول أخرى، أو لمقاومة أساليب حمائية دولية، وإنما أيضًا لتقوية مناعتها في التصدي للأزمات وتحويلها إلى فرص.

ــ دعم العمل بشفافية وواقعية بلا تهويل أو تهوين هو أولُ وأهم طريقٍ يجب أن تسلكه الدول، فالمستثمر الذي لا يرى ماذا وكيف ومتى ستتصدى للمخاطر الخارجية، لن يأتي ولو بعد حين، اللهم إلا إذا جاء باحثًا عن مكسبٍ سريعٍ بكل ما يحمله هذا الهدف من مخاطرَ خاصة في مثل هذا الوقت.

للحديثِ بقيةٌ…

الرابط المختصر