دعا إلى إنشاء صندوق عالمي لتطوير لقاحات تكافح فيروس إيبولا في إفريقيا «حتى لا ندع المال عائقًا في طريق حل الأزمات الصحية العالمية القاتلة»
2017 شهد توزيع أكثر من 500 مليون جرعة على مستوى العالم من 4 لقاحات طورتها «ميرك» تحت رئاسة محمود
خاض معارك معقدة للإنفاق على لقاحات أمراض قضت على آلاف الأطفال بالدول النامية
حابي
ليست هذه قصة عالم عربي فَذٍّ نجح في مجاله وبزغ نجمه عالميًّا فحسب، فسيرته الذاتية لا توحي بأنه عالم مختبر عبقري فقط، بل كان إنسانًا نبيلًا وقائدًا صلبًا ومناضلًا يرنو لعالم أفضل وأكثر عدالة للجميع.
البروفيسور عادل محمود خبير الأمراض المعدية، خريج كلية الطب بجامعة القاهرة عام 1963، وافته المنية عن 76 عامًا بنزيف في المخ بإحدى المستشفيات الأمريكية في 11 يونيو الجاري، بعد أن خاض مشوارًا طويلًا من الكفاح لنيل العلم وخدمة الإنسانية، ورغم أثره الواضح في مجاله إلا أن الكثيرين في بلاده لم يسمعوا عنه سوى بعد وفاته بعد أن نعاه العالم وذكر أثره العظيم على حياة ملايين البشر.
«برينستون» الجامعة الأمريكية التي درّس بها، نشرت مقالًا مطولًا على موقعها الإلكتروني عن إسهاماته العلمية، وكذلك فعلت «نيويورك تايمز» إحدى أشهر الصحف الأمريكية، كما نعاه بيل جيتس مؤسس شركة «مايكروسوفت» واصفًا إياه بأنه أحد أعظم مخترعي اللقاحات في العصر الحالي وكان سببًا في إنقاذ حياة عدد لا يحصى من الأطفال.
في صباه مر محمود بتجربة مؤلمة عندما كان في العاشرة من عمره، بعد أن أرسلته الأسرة لجلب البنسلين لعلاج والده المصاب بالتهاب رئوي، ركض الصبي إلى الصيدلية ولدى عودته إلى المنزل بالدواء وجد والده قد توفي، وبوصفه الابن الأكبر، أصبح مسؤولًا عن الأسرة.
وفي شبابه، لدى دراسته للطب بالقاهرة، كان عادل محمود قائدًا في أحد التنظيمات الشبابية الداعمة للرئيس الاشتراكي الراحل جمال عبد الناصر، ومع اضطراب المناخ السياسي سافر إلى بريطانيا عام 1968 وحصل على الدكتوراه من كلية لندن للصحة والطب المداري (المناطق الاستوائية الحارة) في عام 1971، عاد إلى مصر مجددًا، لكنه فضَّل لاحقًا الهجرة إلى الولايات المتحدة عام 1973 مخلفًا وراءه مناخًا سياسيًّا معاديًا لأفكاره.
المفارقات الدرامية في صباه وشبابه ربما كانت سببًا في تشكيل طباعه ووعيه اللذين انعكسا على طريقة إدارته لشركة «ميرك فاكينز» الأمريكية المتخصصة في اللقاحات والتي تولى رئاستها خلال الفترة منذ 1998 حتى 2006، وهي واحدة من أثرى الفترات في حياته، حيث خاض فيها معارك عديدة لتوفير لقاحات ضرورية للأطفال، وواجه مخاوف المستثمرين من ضخامة الإنفاق على البحث العلمي لتلك اللقاحات.
أشرف البروفيسور محمود خلال تلك الفترة على اختراع وتسويق عدد من اللقاحات التي أحدثت تطورًا كبيرًا في الصحة العامة، أحدهم لمنع عدوى فيروس روتا «فيروس عجلي» المتسبب في حالات الإسهال الحادة لدى الأطفال والذي أدى لوفاة مئات الآلاف من الأطفال سنويًّا في الدول النامية، فضلًا عن لقاح آخر يحمي من فيروس الورم الحليمي البشري (HPV) والذي يسبب سرطان عنق الرحم، والشرج، والأعضاء التناسلية ومنتصف الحلق، وهو فيروس يقتل مئات الآلاف من النساء والأطفال كل عام على مستوى العالم.
«لولا الدكتور محمود ربما حُرم العالم من هذه اللقاحات»، قالت الدكتورة جولي جربردينج نائب الرئيس التنفيذي في شركة «ميرك»، والرئيسة السابقة للمراكز الفيدرالية لمكافحة الأمراض والوقاية منها، مشيرة إلى أن إنتاج تلك اللقاحات كان معقدًا ومحل جدل.
وانضمت الدكتورة جربردينج إلى «ميرك» بعد تقاعد الدكتور محمود لكنها وصفته بأنه «ناصحها الأبدي في الحياة».
وأوضحت أن البروفيسور المصري دافع عن إنتاج تلك اللقاحات وناضل من أجل ذلك، لإدراكه مدى قدرتها على إنقاذ الأرواح، على حد قولها.
وتابعت :«كانت المشكلة في لقاح «فيروس روتا» أن شركة أخرى طورت بالفعل واحدًا لكنها اضطرت لاحقًا لسحبه من السوق بعد اكتشاف تسببه في تزايد خطر انسداد الأمعاء عند الرضع».
واجه محمود مُعارضة كبيرة لدى اعتزامه العمل على إنتاج لقاح آخر، وطالب المعارضون بتجنب اللقاح الذي سيثقل كاهل الشركة بدراسات كبيرة واستثمارات ضخمة من المال فضلًا عن الوقت الذي سيستغرقه، والجهد الذي سيتطلبه الأمر لإقناع المستهلكين والتغلب على مخاوف الرأي العام تجاه اللقاح، كما تقول الدكتورة جربردينج.
«أراد الجميع قتل هذا اللقاح.. لكن عادل قال: لن ننتج هذه اللقاحات فقط.. بل سنجري دراسات أكبر حتى نثبت أنها تعمل وأنها آمنة»، تابعت جربردينج.
اتبع الدكتور محمود نهجًا مماثلًا لدى عمله على إنتاج لقاح فيروس الورم الحليمي البشري، الذي واجه انتقادات أيضًا، فالبعض شكك في نجاحه، بينما اعتقد آخرون أن الآباء سيرفضون ذلك خشية أن يشجع هذا التطعيم الفتيات الصغيرات على ممارسة الجنس، واستندت هذه المخاوف إلى أن الفيروس ينتقل عن طريق الاتصال الجنسي و الرأي القائل بأن اللقاح أكثر فعالية إذا ما أُعطي قبل أن تصبح الفتيات نشطات جنسيًّا.
في النهاية، انتصر محمود، وكان لقاح «جارداسيل» الذي أنتجته شركة «ميرك» للوقاية من فيروس الورم الحليمي البشري HPV، أول اللقاحات التي تطرح في الأسواق بعد أن حصل على الموافقة عام 2006.
وفي الشهر الماضي، وصف رئيس منظمة الصحة العالمية لقاحات فيروس الورم الحليمي البشري بأنها «اختراعات رائعة» ودعا إلى منحها لجميع الفتيات.
كذلك، وخلال رئاسته لـ«ميرك» ساعد العالم المصري في ابتكار عدد من اللقات المضادة للحصبة والنكاف والحصبة الألمانية وجدري الماء، وأخرى للوقاية من «الهربس النطاقي» المرض المؤلم والموهن المعروف باسم «الحزام الناري»، وأخرى لمكافحة التهاب المعدة والأمعاء الحاد.
واعتبارًا من عام 2017، تم توزيع أكثر من 500 مليون جرعة على مستوى العالم من 4 لقاحات طورتها «ميرك» تحت رئاسة محمود، وفقًا للشركة.
«كان من الواضح أن لدى محمود موهبة في إدارك الصورة الكبيرة»، قال الدكتور أنتوني فوسي، مدير المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية، وتابع:«كان مُلمًا بمجالات العلوم والبحوث والسياسات العامة والطب السريري فضلًا عن تعمقه في مجال تخصصه»، مشيرًا إلى أنه دعا الدكتور محمود عدة مرات لتقديم المشورة لمعهده لأن «حِكمه لا تشوبها شائبة».
وقالت زوجته الدكتورة سالي هودر وهي أيضًا أخصائية أمراض معدية: «كنت أتساءل دائمًا عما إذا كانت قوّته كزعيم ورؤيته الواضحة نشأت من إرغامه على القيام بهذه الأدوار في سن مبكرة»، مشيرة إلى دور الحادثة التي مر بها محمود في صباه وتحمله لمسؤولية أسرته.
إبّان تقاعده من شركة ميرك، شغل محمود في عام 2007 منصبًا كبيرًا محلليًّا السياسات العامة في كلية «وودرو ويلسون للشؤون العامة والدولية» بجامعة برينستون، قبل أن ينتقل للعمل محاضرًا برتبة أستاذ في قسم البيولوجيا الجزيئية بنفس الجامعة عام 2011، وكان عنصرًا هامًّا في برنامج الصحة العالمي، وشارك في مناقشات السياسات العامة وعمل على إلهام الجيل القادم بحب التعلم والالتزام بالصحة العامة.
وكان محمود عضوًا في مجلس إدارة GAVI وهي منظمة دولية أسستها «مؤسسة بيل ومليندا جيتس» عام 2000 كتحالف عالمي يجمع بين الكيانات المنتجة للقاحات في القطاعين العام والخاص بهدف إتاحة فرص وصول اللقاحات الجديدة والنادرة للأطفال الذين يعيشون في أفقر بلدان العالم.
وفي أعقاب تفشي فيروس إيبولا في غرب إفريقيا في عام 2014، دعا البروفيسور إلى إنشاء صندوق عالمي لتطوير اللقاحات، قائلًا: «إنه لا يمكن للعالم أن يدع الأعباء المالية تقف في طريق حل الأزمات الصحية القاتلة».
قالوا عنه:
بيل جيتس مؤسس شركة «مايكروسوفت»:
«عادل محمود أحد أعظم مخترعي اللقاحات في العصر الحالي وكان سببًا في إنقاذ حياة عدد لا يحصى من الأطفال».
كين فرايزر رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة ميرك:
« ما كان لدى محمود من تأثير عالمي على الصحة العامة لم يتوفر سوى لعدد قليل من الأطباء والعلماء».
الدكتورة بوني باسلر
«كان معلمًّا محبوبًا ومستشارًا مخلصًا.. أقبل طلابنا عليه لأنه جعل العلوم وثيقة الصلة بإنقاذ الأرواح».
الدكتورة باميلا ديفيس عميد كلية الطب في جامعة كيس ويسترن ريزيرف:
« عادل متقد الذكاء خفيف الظل وعبقريته في حل المشاكل أسطورية.. العالم أقل سطوعًا دون نوره».
الدكتور أنتوني فوسي مدير المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية:
«كان جادًّا جدًّا عند النصح لكنه يتمتع بشخصية مفعمة بالحيوية والمرح. شخصية محبوبة بشكل مثير للدهشة».
الدكتورة جولي جيربيردنج نائبة رئيس شركة ميرك والمدير السابق لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها:
«لم يكن فقط معلمي الدائم، بل كان قوة حقيقية لدعم صحة الناس في كل مكان».
سيسيليا روس عميد كلية وودرو ويلسون بجامعة برينستون:
«لقد فهم بالأساس أن الأبحاث تتقدم من خلال سياسات صحية سليمة لتحسين حياة الناس».
جانيت كوري أستاذة الاقتصاد والشؤون العامة بكلية وودرو ويلسون:
«كان عادل لاعبًا في تطوير برنامج الصحة العالمية في برينستون.. لقد أحبه الطلاب لأنه ساعدهم على التعلم».
المشوار
• ولد في 24 أغسطس عام 1941 في القاهرة، وكان أكبر إخوته، والده عبد الفتاح محمود مهندس زراعي، ولم تكن والدته فتحية عثمان تعمل رغم أنها كانت تأمل في دراسة الطب بعد أن قُبلت بالفعل في كلية الطب بجامعة القاهرة، لكن شقيقها منعها – رغم انه أيضًا كان طالبًا في نفس الكلية- لأنه لا يعتقد أن النساء يجب أن يكنّ أطباء.
• درس الطب في جامعة القاهرة وحصل على درجة الماجستير عام 1963.
• حصل على الدكتوراه من كلية الصحة والطب المداري بجامعة لندن عام 1971.
• هاجر إلى الولايات المتحدة عام 1973 والتحق بجامعة كيس ويسترن ريزيرف في كليفلاند كزميل ما بعد الدكتوراه، امتدت خدماته الأكاديمية وفي المستشفيات الجامعية بكليفلاند لمدة 25 عامًا، وترقى تدريجيًّا ليصبح رئيس قسم الطب الجغرافي بالجامعة، واختتم مشوار في الجامعة رئيسًا لقسم الطب خلال الفترة من 1987 إلى 1998.
• رئيس شركة “ميرك” للقاحات في الفترة من 1998 حتى 2006.
• كبير محللي السياسات العامة في كلية وودرو ويلسون للشؤون العامة والدولية بجامعة برينستون منذ 2007 إلى 2011.
• محاضر برتبة أستاذ في قسم البيولوجيا الجزيئية بجامعة برينستون منذ 2011 حتى وفاته.
• تم انتخابه عضوًا في الجمعية الأمريكية للتحقيقات السريرية عام 1978.
• تم انتخابه عضوًا في رابطة الأطباء الأمريكيين عام 1980.
• تم انتخابه عضوًا في معهد الطب التابع للأكاديمية الوطنية للعلوم في عام 1987.
• حصل على جائزة بيلي أشفورد من الجمعية الأمريكية للطب الاستوائي والصحة العامة عام 1983.
• حصل على جائزة Squibb من جمعية الأمراض المعدية في أمريكا عام 1984.
• زميل في الكلية الأمريكية للأطباء وعضو في الفريق الاستشاري الخبير المعني بالأمراض الطفيلية التابعة لمنظمة الصحة العالمية.
• عمل في المجلس الاستشاري الوطني للحساسية والأمراض المعدية.
• رئيس سابق للجمعية المركزية للبحوث السريرية والجمعية الدولية للأمراض المعدية.
• في المجلس الاستشاري العلمي الوطني للأمن الحيوي ولجنة الاتصالات العلمية والأمن القومي (CSCANS) التابع للأكاديمية الوطنية للعلوم.
• قدم المشورة العلمية إلى منظمة الصحة العالمية والمعاهد الوطنية للصحة ومراكز السيطرة على الأمراض والأكاديميات الوطنية ومؤسسة «روكفلر» والجامعات ومؤسسات الأبحاث في جميع أنحاء العالم.
• شغل منصب رئيس الجمعية الدولية للأمراض المعدية في الفترة من 1990 إلى 1992، وشغل مناصب في مجالس إدارة GAVI ومبادرة اللقاحات الدولية لمكافحة الإيدز، والمعهد الدولي للقاحات والعديد من شركات القطاع الخاص.
• التقى زوجته الدكتورة سالي هودر في أمريكا عام 1976 وتزوجا في عام 1993.