قطاع الأعمال العام .. قضية أمن قومي

مجدي سرحان رئيس مجلس الإدارة

قبل أيام من التغيير الوزاري الأخير.. كانت هناك شائعات قوية حول الاتجاه الى إلغاء وزارة قطاع الأعمال العام وتحويل الشركات القابضة الثمانية بشركاتها الـ ١٢١ التابعة للوزارة مضافا إليها الشركة القابضة للصناعات الغذائية التابعة لوزارة التموين بشركاتها الـ٢٣.. لتقع تحت إدارة «صندوق مصر السيادي» الذي وافق مجلس الوزراء على إنشائه بهدف استغلال أصول الدولة بشكل أمثل.

E-Bank

لكن تشكلت الحكومة الجديدة برئاسة الدكتور مصطفى مدبولي.. ولم تصدق الشائعات.. إلا أنها تركت الباب مفتوحا للتفكير: هل بقاء وزارة قطاع الأعمال هو الأنسب.. أم ضم الشركات للصندوق السيادي؟.. ولماذا؟.. وأيضا: هل نحتاج بالفعل الى إنشاء هذا الصندوق؟.. وهل سيكون ذلك مجديا في ظل ظروفنا الاقتصادية؟

•• صندوق «أملاك»..

أول صندوق سيادي مصري.. كان مقررا اطلاقه في ابريل من عام 2016.. أي منذ أكثر من عامين.. برأسمال مصدر قدره 5 مليارات جنيه..

تابعنا على | Linkedin | instagram

إلا أن هذا الإطلاق تأخر كثيرا بسبب تأني الحكومة في البحث عن الموارد المناسبة للصندوق.. وهذا في حد ذاته يمثل حالة غريبة وشاذة.. إذ من المعلوم نظريا أن جميع موارد الصناديق السيادية تأتي من الفائض المالي للدولة.. ويتم استثماره في الخارج.. لتحقيق أفضل عائد من الربح.. فماذا إذا لم تكن هذه الدولة تمتلك فوائض مالية أصلا؟.. الصحيح هو أن تكون الفوائض متوفرة ويتم توظيفها في الصندوق السيادي.. لا أن يتم تأسيس الصندوق ـ كهدف في حد ذاته ـ ثم يجري البحث عن موارد له.. مثلما يجري في الحالة المصرية.

ووفقا لما أعلنته الحكومة السابقة ـ قبل التغيير الوزاري ـ فقد استقر الرأي على أن تكون موارد الصندوق من حصيلة إعادة بيع أراضي الدولة المستولى عليها بعد استردادها.. والتي لا يعلم أحد كم بلغت قيمتها حتى الآن.. وأيضا من عائد طرح شركات قطاع الأعمال العام فى البورصة.. بعد أن يتم نقل تبعية هذه الشركات الى الصندوق.. وهذا يتطلب تعديلا تشريعيا.

•• مسألة الموارد..

لم تكن وحدها ما يستحق كل هذا البحث والتأني من جانب الدولة.. قبل الإقدام على إطلاق الصندوق السيادي.. كمصدر تمويل بديل لمعالجة العجز في الموازنة العامة.. عوضاَ عن «استسهال» إلغاء الدعم عن السلع والخدمات الأساسية.. أو إثقال كاهل البشر بفرض المزيد من الضرائب والرسوم عليهم.. أو الاعتماد على القروض..

إنما أيضا كان ينبغي التمهل في التفكير فيما إذا كان هذا الصندوق سيأتي من ورائه خير حقيقي.. إذ يرى اقتصاديون أن تكاليف ومخاطر الصناديق تتفوق علي العوائد التي يمكن تحقيقها منها.. ويرى هؤلاء أيضاً.. أن مثل هذه النوعية من الصناديق لا تمثل مصدر دخل آمن للأجيال القادمة.. فأصولها واستثماراتها ستكون معرضة للتآكل.. أو حتى الضياع بالكامل.. أو البيع بالخسارة عند الحاجة لذلك.. وحدث ذلك فعلاً مع دول سبقتنا في التجربة.

أضف الى ذلك وجود مخاطر وسلبيات أخرى.. أهمها ضياع فرصة استثمار أصول هذه الصناديق في مشروعات انتاجية حقيقية داخل البلاد توفر فرص عمل للمواطنين.. بدلاً من استثمارها في الخارج.. ومن أهم المخاطر أيضاً أن رؤوس أموال هذه الصناديق قد تكون معرضة للضياع إذا انهارت المؤسسات التي يتم الاستثمار فيها ـ لا قدر الله .. وهذا بخلاف المخاطر السياسية التي قد تهدد استثمارات هذه الصناديق.. تأثراً بالعلاقات السياسية بين الدولة المؤسسة للصندوق وتلك الدول المضيفة لاستثماراته.

•• من هنا..

نعود الى السؤال الذي طرحناه: هل انشاء هذا الصندوق السيادي يمثل أولوية حقيقية للاقتصاد المصرى؟.. وهل سيحقق.. في حالة إنشائه استخداماً أمثل للأصول المملوكة للدولة يدر عائداً مؤثراً في التنمية الاقتصادية.. وفي تعظيم الاحتياطات النقدية؟

هناك آراء كثيرة لاقتصاديين يرفضون فكرة الصناديق السيادية من أساسها.. لأنها ـ من وجهة نظرهم ـ تعرض المدخرات الوطنية للمخاطر غير المنظورة.. ومنها مخاطر ضعف أو سوء الإدارة.. أو مخاطر الأزمات المالية العالمية وتقلبات أسواق المال.. كما يروون فيها تضييعا لجزء من الناتج المحلي الإجمالي الذي يمكن توليده لو تم استثمار أصول هذه الصناديق محلياً في مشروعات إنتاجية حقيقية.

أما عن العائد نفسه الذي يمكن أن تحققه الصناديق السيادية.. فيراه اقتصاديون متدنيا مقارنة بالعوائد الضخمة التي يمكن أن تتحقق في حال استثمار نفس الأصول بكفاءة عالية محلياً.

•• ونتفق مع هؤلاء..

في أن اقتصاد مصر يحتاج أكثر الى استثمار ما تملكه الدولة من أصول.. محليا.. بما يحقق بناء أصول إنتاجية محلية لتنويع مصادر الدخل.. فمصر دولة يعاني اقتصادها ويلات الاعتماد على الخارج.. مما ترتب عليه حجم مديونية خطير يستهلك جزءا ضخما من الناتج المحلي الاجمالي لخدمة هذه الديون.. وانعكس ذلك على تزايد عجز الموازنة وعجز ميزان المدفوعات وتدهور قيمة العملة الوطنية.

لذلك..

فإن ما نحتاجه فعلا الآن.. وما يحقق التنمية الحقيقية.. هو الاستثمار المباشر على أرض الوطن.. ولا شك أن الدولة ممثلة في شركات قطاع الأعمال العام يقع عليها العبء الأكبر في تحقيق هذا الهدف.. الى جانب شركات القطاع الخاص الجادة والوطنية.. ومن هنا نرى أهمية إبقاء حكومة الدكتور مدبولي على وزارة قطاع الأعمال العام.. باعتبار ذلك يمثل «قضية أمن قومي».

•• أما إنشاء «الصندوق السيادي» الذي يجري التعامل معه باعتباره إنجازا.. فنرى أنه قرار يجب أن يخضع لمزيد من الدراسات.. لأن الأمر هنا يخص المخاطرة بأملاك الدولة.. التي هي أموال الشعب ومدخراته التي يقع على الحكومة عبء إدارتها وحمايتها.

الرابط المختصر