الحوار الكامل لرئيس البنك الدولي مع تليفزيون بلومبرج
توصيات لمواجهه تداعيات الحرب التجارية.. وقوة الاقتصاد العالمي تعيق التكهن بالتطورات
– تأثير الاجراءات الحمائية للتجارة متوسط نسبيا ..ولم نصل لنقطة لتعديل توقعات النمو العالمي
– جورجيفا: على الدول التأكد من قدرتها على تحمل تكاليف المشاريع ..بما في ذلك البنية التحتية
إعداد ـ حابي
حذرت كريستينا جورجيفا الرئيس التنفيذى للبنك الدولي اليوم الاثنين ، من أن الديون العالمية أصبحت مصدر قلق أكبر، ما سينعكس علي تشديد السياسات المالية العالمية.
وقالت جورجيفا ، في مقابلة من سنغافورة يوم الاثنين مع تلفزيون بلومبرج: أنه بعد عقد من انخفاض أسعار الفائدة ، تضخم الدين العام والخاص في العديد من الأماكن إلى 164 تريليون دولار ، مع ارتفاع أسعار الفائدة ، ويجب أن يكون التركيز أقوى على قدرة تحمل الديون.
وتتعرض البنوك المركزية في جميع أنحاء العالم لضغوط نتيجة لرفع البنك الفيدرالي الأمريكي أسعار الفائدة بشكل أسرع مما كان متوقعًا ، مما يضع ضغوطًا خاصة على الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية.
وأكدت جورجيفا إن الحاجة إلى أجراء تغييرات في السياسات الهيكلية ، بما في ذلك الاستجابة لموجات مناهضة للعولمة ، تظل كبيرة ، خاصة أن صناع السياسات في معظم الاقتصادات لم يستفيدوا من فترة قوة الاقتصاد وزمن الفائدة المنخفضة.
وقالت ” لا نرى العديد من البلدان تستفيد من هذه الفترة التي تشهد نمو اقتصادي قوي لتنفيذ الإصلاحات الهيكلية .. ونصيحتنا للبلدان ، لا تنتظر، فقد لا تدوم الأوقات الجيدة – فهي عادة لا تدوم إلى الأبد”
وتقول بلومبرج أن ديون العالم تضاعفت ، بما فيها ديون الأسر ، إلى نحو 237 تريليون دولار في الربع الأخير من عام 2017 بزيادة تفوق 70 تريليون دولار عما كان عليه رصيد الديون بالعقد الماضي ، وفقاً لتقديرات معهد التمويل الدولي في واشنطن.
وتنشر جريدة حابي ترجمة لحوار تليفزيون بلومبرج مع مسئولة البنك الدولي:
بلومبرج: بالنسبة للتوترات التجارية الحالية، هل من وجهه نظرك يمكن تسميتها بالحرب التجارة؟
جورجيفا: ما ننظر إليه الأن هو وضع خلق حالة من عدم الوضوح، و الأسواق و المستثمرين لا يحبون عدم الوضوح، لكن حتي الأن، وفى ظل قوة اللإقتصاد العالمي، من المبكر التوقع إلى أين ستتطور الأمور.
لكن ما نعلمه على وجه اليقين أن التجارة مهمة للنمو، و لخلق وظائف وتقليل مستويات الفقر ، لذا نأمل أن نبقي مستقرين على نفس الطريق الذى بالفعل إجتزناه بنجاح.
بلومبرج: كثيرين يوافقون ومن بينهم اليابانيين على أن كثير مما نتحدث عنه حاليا يتعلق بمشاكل هيكيلة وعدم توازن تجاري إستمر لعقود، ما يتطلب التحرك لإيجاد حلول، والجدل الحالي يتعلق بمخاوف من الإسلوب المتبع لحل هذه المشاكل.. ما هي روشتة البنك الدولي التي يراها مناسبة لحل هذه المشكلات؟
جورجيفا: ما نتطلع إليه دائما هو التقييم العقلاني، ما هو الأنسب لاقتصاد كل دولة على حدى، وما هو الأنسب للعالم.
وما يجب علينا إدراكه أن هناك بعض التأثير السلبي للعولمة ،انعكس على بعض الاقتصادات ، خاصة بدول العالم المتقدم، وهذا خلق حالة من القلق التي تحولت إلي شكوك عن مدي قوة التجارة العالمية.
ما نوصي به هو التأسيس لماهية العوائد من التبادل التجاري ، من أين تأتي الإنعكاسات السلبية، والتركيز بشكل خاص على المحرك الثاني لهذا التأثير السلبي والمتمثل فى التحول التكنولوجى السريع.
والقدرة على فصل العنصر الثاني، والانتباه للخاسرين من العولمة فى العنصر الأول أمر مهم للغاية.
ونري بالفعل بعض الدول نجحت فى القيام بهذا الأمر بالضبط، فعلي سبيل المثال أتت الدنيمارك بنظام مرن للحماية بهدف توفير مصدات فى مواجهه الصدمات، سواء التى تأتي نتيجة للعولمة أوالتحول التكنولوجي السريع.
وبالتالي فإن توصياتنا هي التركيز على فهم من أين تأتي مواطن القلق والعمل على حل المشكلات التي تسببه وتتحول الي زحم سياسي ضد التجارة.
بلومبرج: مجهودات الصين ونجحاتها فى مواجهه الفقر على مدار العقد الماضي أو العشرون عاما الأخيرة كلها موثقة، وقالت الرئاسة أنها تستهدف إنتشال 70 مليون أخرين من الفقر بحلول عام 2020 .. هل يحتمل أن تؤثر الحرب التجارية والتراجع الاقتصادى على هذه المستهدفات، وما هو الضرر الذي سيقع على الدول الأخري خاصة الدول النامية بأسيا التي تسعي لتنفيذ نفس الاهداف؟
جورجيفا: حتى الان ، نرى أن تأثير الإجراءات الحمائية على الاقتصاد العالمي متوسطة نسبيا، فالتجارة نمت بنسبة 4.7% العام الماضي وتطور مرحب به، و يجب أن نعي جيدا أنه بالنسبة للصين كان من المهم إعادة التوازن أكثر بإقتصادها لتلبية الاستهلاك المحلي، وإعادة التوازن يظل على رأس الأولويات.
وبقدر ما يمكننا ان نرى حاليا ، فأن نجاح الصين فى التحرك بهذا الاتجاه مثير للإعجاب إلى حد ما، لكن دعونا نرى كيف سيستكمل هذا الاتجاه.
لكن بالتأكيد يجب أن نشعر بالقلق إزاء تصور ما سيحدث جراء تنفيذ سياسات عكسية للاقتصاد المفتوح الذي إنتهجته لعقود.
وفى البنك نقلق من الانعكاسات على الثقة فى الاستثمار، ومؤسساتنا ستبدأ فى إبطاء ضخ الاستثمارات، فقط لاتخاذ وضعية الترقب لحين وضوح الأمر “wait & see attitude “، وهذا شئ مهم للغاية ،لبناء الثقة من خلال معايير تتضمن رفع حقيقي للاستهلاك المحلي بالصين.
بلومبرج: السؤال الان ، بما أن حالة عدم الوضوح تتعلق بحالة الشد والجذب المتبادلة بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية ، الكثير من المؤسسات الكبيرة بالتأكيد يعيدون التفكير فى المكان الانسب لتوجيه وارداتهم، ومن المحتمل أن يلتزم البعض بالترقب .. ماذا سيدفع البنك الدولي لتعديل توقعاته بالنسبة للعام الجاري.. هل أصبحنا قريبين من نقطة مراجعة توقعات النمو للتباطؤ ؟
جورجيفا: لم نصل بعد إلى هذه النقطة، لكن دعني أرصد مسألتين آخرتين سنركز عليهما بشكل أكبر عن ذي قبل، الأولى هي مسألة الديون المتكدسة، فما نراه أنه بعد عقود من معدلات الفائدة المنخفضة، أرصدة الديون الخاصة و العامة تضخمت فى بعض المناطق بشكل كبير لنحو 164 تريليون دولار، وفى ظل إرتفاع معدلات الفائدة ، يجب الانتباه للديون، والقدرة على تحملها يجب أن تكون أقوى.
أما المسألة الثانية، فخلال الأوقات الجيدة يكون لدى الدول فرصة لتنفيذ اصلاحات هيكيلة للتمركز فى وضع أفضل للمستقبل، لكننا لا نرى دول كثيرة تستفيد من فترة الاقتصاد القوى فى إجراءات اصلاحات هيكلية، والآن توصيتنا لهذه الدول ألا تنتظر، فالأوقات الجيدة قد لا تستمر .
بلومبرج: على أرض الواقع وخاصة بالصين، تم ضخ استثمارات كبيرة بمشروعات البنية التحتية وإنشاء الطرق ، فماذا سيقدم البنك الدولي فى المرحلة المقبلة ، وهل هناك طلبات عاجلة أمام مؤسسة التمويل الدولية، وماذا يندرج بخطة العمل المستقبلية فيما يتعلق بالشراكات مع بعض دول آسيآ دراسة مسائل البنية التحتية؟
جورجيفا: الصين أسست قوة اقتصادية، وكلما زادت الثروة زادت المسئولية، ليس فقط أمام الاستثمارات المحلية، بل أيضا عليها مسئولية التأكد من أن القدرة المالية متوافرة لدى باقي الدول للنمو، ويجب أن يتم ذلك مع الحرص الشديد على قدرات البلدان علي التنفيذ الفعلي للاستثمارات ذات النطاق الكبير، وهنا يلعب البنك الدولي دور كبير لمساعدتهم على تقييم ما إذا كان الاستثمار جيد أم يحمل من المخاطر ما قد يؤثر على الاقتصاد، وهذا يعيدنا للمشكلة التي تحدثت عنها والمتعلقة بالقدرة على تحمل الديون، فمن المهم جدا التحقق من الاستثمارات بعناية فائقة لمساعدة الدول ماليا.
وما كنا نقدمه ، نستطيع حاليا أن نقدم أكثر منه، بسبب زيادة رأس المال التى أمنها مستثمرينا، بهدف إستخدام التمويلات التي نقدمها كمنصة لدعم استثمارات القطاع الخاص وفقا لمقاييس.
المساعدات الإنمائية الرسمية، حتى وأن نمت فإنها تشكل جزءا صغيرا من الاستثمارات اللازمة للدول النامية، فنحن نتحدث عن مليارات أمام تريليونات مطلوبة.
ولكى نتأكد من أننا قادرين على منح إهتمام اكبر للدول النامية نعمل على تحسن مناخ الاستثمار بهذه الدول، للتأكد من أنهم أقل مخاطرة لجذب المستثمرين،علاوة على إستخدام مشروعاتنا لبناء الثقة أمام الاستثمارات الخاصة لتدفق.
لقد أجرينا تحولات كبيرة فى برامجنا بهدف زيادة التمويل الموجه عبر مصادر خاصة، ويمكنك أن ترى مشروعات متعددة كثيرة من مجموعة البنك الدولي ومؤسسة التمويل الدولية ، التي صممت خصيصا بهدف تمويل المشروعات الناشئة، أو لخلق مسارات مالية “financial vehicles” لجذب استثمارات ضخمة للدول النامية.
بلومبرج: يلاحظ ارتفاع معدلات الهجرة لسنغافورة، وبالنظر إلى ارتفاع معدلات الفقر فى العديد من المدن الكبري على مستوى آسيا، إلي جانب مشكلة تراكم الديون، لذا نسأل هل تم إنفاق أموال كافية لمواجهه مشكلة الفقر ؟
جورجيفا: أنت وضعت يدك على واحدة من أهم المشكلات بالتأكيد، لدينا حاليا نحو 55% من تعداد السكان عالميا يعيشون فى المدن، وما نواجهه فى كثير من المدن هو أن عدد السكان هناك ينمو بمعدلات أسرع من قدرات البنية التحتية، ومن معدلات الوظائف، ومن قدرة المدينة نفسها على أستيعاب هذا العدد المتزايد.
فواحد من كل أربعة مواطنين بهذه الدول يعيش فى أحياء فقيرة، فنحو 250 مليون من سكان شرق آسيا من سكان الاحياء الفقيرة، وهى الاقاليم الاكثر ديناميكية بالقارة.
لذلك بوضوح علينا تركيز إنتباهنا بصورة أكبر لجعل المدن مكان مناسب للعيش، وقادرة على توفير فرص عمل للمواطنين هناك، والبنك الدولي يركز حاليا على ثلاث مسائل أساسية، الأول توجيه مزيد من الاستثمارات للتنمية الحضارية، من خلال دعم قطاعات متنوعة لتنعكس على المدينة بشكل متكامل ، وثانيا تطوير العشوائيات والأحياء الفقيرة ، وأخيرا إستخدام التكنولوجيا الحديثة لخلق قدرة مالية أعلي لتوفير حياه أفضل للمواطنين ، وتوجيه الاهتمام لخلق فرص عمل، لتوفير الحماية الاجتماعية للطبقات الاكثر فقرا بالحضر.