بقلم – د. ماهر عشم – رئيس شركة مصر لنشر المعلومات
في مصر حوالي 45% من ودائع البنوك موظفة في الدين الحكومي من سندات وأذون خزانة 1.540 تريليون جنيه من أصل 3.446 تريليون جنيه في فبراير الماضي، في الوقت نفسه زاد الدين المحلي خلال عام 2017 بنسبة 11% من 3.052 إلى 3.414 تريليون جنيه.
هذه الأرقام تبين لنا حقيقتين:
الأولى أهمية أدوات الدين المحلي في تمويل الحكومة وموازنتها والثانية اعتماد البنوك التي تعمل في مصر بدرجة كبيرة جدًّا على تشغيل ودائع عملائها في الدين الحكومي المضمون والسهل جدًّا وتحقيق جزء كبير من أرباحها بسهولة ودون مخاطر ائتمانية تذكر.
في العموم يمكن شراء الأوراق المالية من سندات وأسهم وغيرها للمرة الأولى عن طريق السوق الأولية والاكتتابات والطروحات العامة وبعد ذلك يمكن لحامل تلك الأوراق إعادة بيعها في السوق الثانوية (البورصة) إذا رغب في الحصول على سيولة قبل تاريخ استحقاق تلك السندات أو الأذون على حسب سعر تلك الأوراق في السوق وقت البيع.
السوق الثانوية في غاية الأهمية لأن أي مستثمر يفكر في كيفية الخروج من استثماره جنبًا إلى جنب مع ربحية العملية قبل الشراء ووجود السوق الثانوية يضمن كيفية الخروج كما يضمن آلية التسعير؛ لذلك فوجود السوق الثانوية ينشط ويدعم السوق الأولية كما يوسع قاعدة المتعاملين في الأوراق المالية.
الأهمية الكبرى لسوق السندات الثانوية هو إمكانية تسجيل ورسم العلاقة بين أسعار السندات في السوق مقابل قيمتها الاسمية والفائدة الخاصة بها والذي يسمى بالعائد ( Yield ) في منحنى خاص به، فمثلًا إذا اشتريت سندًا من السوق الأولية بألف جنية وكانت الفائدة الخاصة به 20% ثم قررت بيعه بعد شهور، وعند البيع انخفضت الفائدة في السوق إلى 18% غالبًا ما يكون سعر البيع أكثر من ألف جنيه لتميز عائد هذا السند عن عائد السوق؛ لذلك فان العائد طبقًا للأرقام الجديدة في السوق الثانوية سيختلف عن الفائدة عند الإصدار. يتم رسم بياني للعائد في منحنى يعتبر عماد تسعير الإقراض للبنوك كما أن له فائدة وأهمية كبرى في كافة القرارات الاستثمارية والتحليلات الاقتصادية.
قبل عام 2002 كان يتم تداول السندات الحكومية والتجارية في البورصة المصرية، وفي عام 2002 استحدث أستاذي الدكتور مدحت حسنين – وزير المالية وقتها– نظام المتعاملين الرئيسيين بموجب قرار رقم 408 والذي يقصر التعامل في السندات على عدد محدود من البنوك التجارية والاستثمارية والذي أطلق عليها «المتعاملون الرئيسيون»، منذ إصدار هذا القرار توقف تداول السندات الحكومية في البورصة وتقلص جدًّا دور السندات التجارية وانتقل التعامل في السندات إلى البنوك، كانت الميزة الكبرى آنذاك هي ضمان المتعاملين الرئيسيين لتغطية الطروحات من السندات الحكومية لضعف السيولة في السوق وقتها، أما الآن فقد تم مؤخرًا إلغاء مزادين لأذون الخزانة بسبب مغالاة المزايدين في سعر الفائدة على الدين الحكومي مما يفقد الحكومة الميزة الرئيسية من وجود المتعاملين الرئيسيين ويتركنا لانعدام وجود سوق ثانوية بسلبياتها دون ميزة.
من الناحية التقنية لا يزال نظام التداول الموجود بالبورصة المصرية قادرًا على استيعاب السندات وتداولها ضمن الأوراق المالية التي يمكن تشغيلها، من الناحية الاستثمارية لا غنى عن وجود سوق ثانوية لأدوات الدين الحكومي، من الناحية المعلوماتية فإن فوائد منحنى العائد لا تُحصى، من ناحية البنوك لا ترغب البنوك أن تفقد ميزة كبرى مكتسبة من 2002 في وجود نظام آخر أو سوق ثانوية للتداول في السندات.
بناء على ما سبق أقترح إنشاء شركة خاصة مملوكة للمتعاملين الرئيسيين والبورصة المصرية تكون حصة كل منها مرتبطة بحجم تعاملاته في السوق للاحتفاظ بهذه الميزة وتقوم هذه الشركة بتفعيل السوق الثانوية لأدوات الدين لتوسيع قاعدة المتعاملين وإتاحة التداول في أدوات الدين لجميع المستثمرين وعدم حرمان الاقتصاد المصري من كل الفوائد السالفة الذكر.