رحلة بحث شاقة عن نماذج التسعير التلقائي للوقود

حابي

خاضت جريدة «حابي» رحلة بحث شاقة عن نماذج التسعير التلقائي لمشتقات البترول في عدد من الدول، سعيًا وراء تحقيق 3 أهداف رئيسية، أولها تقديم صورة وشرح وافٍ للقارئ عن أسلوب التسعير التلقائي للوقود خاصة مع إعلان الحكومة اعتماد هذا الأسلوب التسعيري اعتبارًا من منتصف العام المقبل.

E-Bank

الهدف الثاني هو وضع سيناريوهات مختلفة أمام الحكومة والرأي العام للمفاضلة فيما بينها، فرحلة البحث عن نماذج التسعير كشف الكثير والكثير من المعادلات التى يتم على أساسها تحديد سعر لتر البنزين والسولار وجميع المشتقات الأخرى، وبالتالي وجب إجراء مقارنة بين معايير الدول التي انتهجت سياسة التحرير الكامل لأسعار الوقود.

أما الهدف الثالث فهو توثيق هذه المرحلة التي تسبق اختيار النموذج المصري في تسعير الوقود، حتى يمكن للقارئ المقارنة بين ما اختارته الحكومة وما هو متاح وتم اختباره في دول أخرى.. وستواصل «حابي» من خلال عددها الأسبوعي وبوابتها الإلكترونية متابعة ونشر غالبية النماذج والمعادلات المتعارف عليها عالميًّا في تسعير الوقود.. وإلى الملف.

اقتراحات صندوق النقد الدولي

تابعنا على | Linkedin | instagram

في دراسة له عام 2013 عن إصلاح نظم دعم الطاقة في الدول النامية، قال ديفيد ليبتون النائب لمدير عام صندوق النقد الدولي، إن آلية التسعير التلقائية للوقود والتي يفترض تطبيقها بعد التخلص من الدعم، يجب أن تتضمن قواعد تعمل على تخفيف أثر تقلبات الأسعار عالميًّا بحيث يمكن تجنب الزيادات الحادة في الأسعار المحلية، واقترح أن يتم تكليف جهاز مستقل بمسؤولية تطبيق هذه الآلية بعد إعدادها.

كما اشترط ليبتون –الذي أعلن منذ أيام توصل الحكومة المصرية لآلية تسعير- ألا تكون الآلية مُسيسة وألا تخضع سوى لقواعد اقتصادية، بحيث لا يمكن الرجوع عنها كخطوة مهمة في الإصلاح.

ووفقًا لدراسة أعدها صندوق النقد الدولي عام 2012 حول آليات تحديد أسعار الوقود تلقائيًّا، قال الصندوق إن الآلية لا بدَّ أن تعكس بشكل كامل التغيرات في أسعار الوقود عالميًّا على أسعار التجزئة محليًّا، وأن تتضمن عائدات ضريبية.

لكن الدراسة لفتت أيضًا إلى التمرير الكامل لأثر الحركة السعرية العالمية على أسعار التجزئة قد يكون أمرًا غير مرغوب فيه حال حدوث ارتفاعات كبيرة قد تضر باستقرار السوق المحلية، ولذلك يمكن التحوط ببعض التعديلات التي يمكن تنفيذها عبر الآلية ولكن على المدى القصير (خاصة وأن الزيادات قد تكون مؤقتة) دون أن يؤثر ذلك على الأهداف المالية للدولة على المدى المتوسط.

وأوضحت :”عند تحديد معادلة التسعير يجب تأسيس علاقة واضحة بين أسعار التجزئة وأسعار الواردات بناءً على تكاليف الاستيراد وهوامش ربح الموزعين ومستويات الضرائب، ولا بدَّ أن تعكس أسعار الواردات كلًّا من أسعار الوقود العالمية وسعر الصرف وتكاليف الاستيراد والتوزيع بما في ذلك أرباح تاجر الجملة وتاجر التجزئة”.

ووفقًا للدراسة، يجب تحديث مكونات هيكل السعر وفقًا لقواعد واضحة ومتفق عليها، فعلى سبيل المثال، يمكن تحديث تكلفة الاستيراد على أساس شهري، وتحديث تكاليف التوزيع بشكل نصف سنوي بناء على قاعدة بسيطة تضم التغييرات في تكاليف مثل الأجور والنقل والتمويل.

وتابعت :”كما يمكن إدخال تعديلات أكثر جذرية على دورات تتراوح مدتها بين 3 إلى 5 سنوات استنادًا إلى دراسات مفصلة للسوق”.

وقالت الدراسة إنه بمجرد أن تحدد الحكومة نسبة الضريبة التي تأمل في تحصيلها عن الوقود، فإن الآلية تقوم بتحديدها وتحديثها تلقائيًّا.

واقترحت أن تتواءم نسبة الضريبة المفروضة مع الأهداف العامة للحكومة من إيراداتها الضريبية، بحيث تكون مساوية للضريبة المفروضة على بقية السلع والخدمات، كما يجب أن تعكس أهداف الكفاءة والإنصاف، بمعنى التفريق بين مستويات الضريبة المفروضة على منتجات الوقود كل بحسب ضرره على البيئة أو توافره، مقترحًا فرض أدنى مستوى من الضرائب على الكيروسين (الجاز) وأعلى ضريبة على البنزين.

وقال ليبتون في دراسته، إن عدم فرض ضرائب على الوقود أو فرض ضرائب منخفضة يعني أن المنتج “مدعوم ضريبيًّا” وهو أيضًا نوع من أنواع الدعم الضار بالاقتصاد.

يشار إلى أن كريستين لاجارد مديرة صندوق النقد، نصحت في كلمة لها ألقتها في يوليو 2014، صناع السياسات بتصميم نظام مسؤول لتسعير منتجات الطاقة يستخدام أدوات المالية العامة لمراعاة الضرر البيئي بحيث يمكن فرض الضريبة الملائمة لكل نوع من أنواع الوقود كل بحسب ضرره للبيئة.

في الولايات المتحدة .. كل العناصر تخضع للتغيير

في الولايات المتحدة تبدو عملية تسعير الوقود أكثر وضوحا رغم أن كل العناصر متغيرة، فبحسب وزارة الطاقة الأمريكية، هناك 4 عناصر رئيسية يتم على أساسها تحديد سعر البنزين والسولار شهريا، والمميز أن الوزارة تنشر كل الأرقام المتعلقة بهذه العناصر وتغيراتها بشكل يومي وشهري وسنوي، والتوقعات القادمة بخصوصها.

تقول وزارة الطاقة الأمريكية على موقعها إن تحديد سعر الوقود خاضع لعناصر رئيسية يتم احتساب نسبة كل منها بالسنت لكل جالون ثم يتم تحويلها إلى نسبة مئوية، والعناصر هي النفط الخام وتكلفة التكرير وأرباح المصافي وتكاليف التوزيع والتسويق والأرباح والضرائب.

أما تكلفة النفط فيتم احتسابها عن طريق المتوسط الشهري لتكلفة حصول المصافي (معامل التكرير) على النفط الخام.

في حين تحتسب تكلفة التكرير عن طريق الفرق بين المتوسط الشهري للسعر الفوري للبنزين أو الديزل، ومتوسط سعر شراء النفط الخام، وأوضحت الوزارة، أنه في 2017 كان متوسط إنتاج المصافي الأمريكية من برميل البترول الوحد سعة 42 جالون، نحو 20 جالون من البنزين و11 جالون من زيت الوقود ذا المستوى المنخفض جدا من الكبريت المقطر (يباع كسولار أو زيت تدفئة)، فضلا عن منتجات بترولية أخرى .

وتختلف عائدات المصافي من المنتجات من شهر إلى شهر حيث تركز شركات التكرير عملياتها لتلبية الطلب على المنتجات المختلفة لأنها تعمل على تعظيم الأرباح.

ثم تضاف تكاليف التوزيع والتسويق والأرباح عبر احتساب الفارق بين متوسط سعر التجزئة للبنزين أو السولار كما احتسبتها وزارة الطاقة في مسحها الأسبوعي، وبين مجموع تكاليف العناصر الثلاثة الأخرى.

أما الضرائب فتتكون من المعدل الشهري للضرائب الفيدرالية وهي مثبتة عند 18.40 سنت لجالون البنزين، و24.40 سنت لجالون السولار، إضافة إلى الضرائب التي تفرضها كل ولاية على حدة وهي متغيرة حسب الولاية وحسب الشهر أيضا، وقد سجل متوسطها في يناير الماضي 28.1 سنت لجالون البنزين و29.33 سنت لجالون السولار.

وأوضحت الوزارة أن العاملان الثاني والثالث يمكن أن يتغيرا بشكل كبير وبالتالي فإن أثر تلك التغيرات يستغرق زمنا قبل أن ينعكس على أسعار التجزئة.

وفقا للطاقة الأمريكية، فإن سعر النفط الخام استحوذ على 56% من سعر جالون البنزين العادي في مايو 2018، بينما شكلت تكلفة التكرير 18% من السعر والنقل والتوزيع والتسويق 10% والضرائب بنوعيها 16%.

أما سعر جالون السولار فقد استحوذ النفط الخام على 50% منه و17% تكلفة التكرير و16% للتوزيع والتسويق و17% للضرائب.

الهند .. معادلة معقدة تتحكم فيها أكثر من 4 عوامل

أسعار الوقود في الهند مثار جدل طوال الوقت فهي بين الأعلى في العالم – حتى في أوقات انخفاض الأسعار عالميا – منذ أن حررت الحكومة الهندية أسعار البنزين في يونيو 2010 وحررت أسعار السولار (الوقود الأكثر استخداما بنسبة 40%) في أكتوبر 2014، وقامت بتثبيت معادلة يمكن من خلالها التسعير اليومي وسمحت لشركات تسويق النفط بتحديد سعر التجزئة للوقود على أساس سعر صرف العملة والتقلبات في أسعار النفط الدولية، لكنها أيضا سمحت لهم بسعر أعلى حتى إذا هبطت أسعار النفط العالمية.

تقرير لبلومبرج في ابريل 2018، قال إن معادلة تسعير النفط في الهند معقدة وليست مفهومة بالكامل وهي مبنية على ما تسميه الحكومة «سعر التعادل التجاري» أو السعر المقدر للوقود إذا كان سيتم استيراده وتصديره بنسبة 80:20.

والهند دولة منتجة للنفط لكنها مستورد صاف له في ظل زيادة الطلب، وانخفض إنتاجها من النفط للسنة السادسة على التوالي في عام 2017-2018 إلى 35.68 مليون طن ، مما دفعها للاعتماد على الواردات من النفط الخام بنسبة 82.8%، وفقا لموقع energy.economictimes.indiatimes.com .

ووفقا لموقع bankbazaar الهندي هناك 4 عناصر أساسية تحدد سعر الوقود، هي سعر النفط عالميا، والضرائب الحكومية، وقدرات التكرير لدى المصافي، وهوامش أرباح شركات التوزيع، وأشار إلى أسعار البترول على أرصفة الموانئ تختلف بحسب التغيرات الموسمية والأحوال الجوية والزيادة في الطلب والاحتياطيات العالمية وظروف الإنتاج.

وبحسب موقع شركة «شل» الهند فإن سعر الوقود في البلاد يتغير من مدينة إلى أخرى، بل ومن محطة إلى أخرى في بعض المدن، موضحا أن السعر في محطة التجزئة يعتمد على تكلفة المنتج والرسوم والضرائب الحكومية المركزية (ضريبة الاستهلاك المركزي وضريبة القيمة المضافة) فضلا عن ضرائب حكومة الولاية وتكاليف التشغيل وهامش الربح.

وقالت شركة شل إنها تتخذ قرار التسعير بناء على تأثير عدة عناصر بينها تكلفة نقل المنتج لمنفذ التجزئة وتكلفة تشغيل خدمات المحطة (الرواتب وقيمة الإيجار وفواتير الكهرباء والمياه والمرافق).

وأضافت أن تكلفة النفط الخام وتكرير المنتجات تتأثر بعدة عوامل مثل زيادة الطلب والقدرات القصوى لطاقة التكرير والطلب الموسمي على المنتجات والتغيرات الجوية القاسية التي تؤثر على المصافي أو إمدادات الوقود، كما لفتت أيضا إلى أن السعر يتأثر بتقلبات العملة، ويتأثر برفع أسعار الفائدة الأمريكية، موضحة أن سوق النفط الخام الرئيسية في العالم يتم تداولها بشكل عام بالدولار ولذلك فإن أي تباين بين سعر صرف البلد والدولار سوف يؤثر على تكلفة شراء النفط الخام في تلك البلد.

وفي مايو الماضي قال رافاي شانكار براساد وزير القانون في مؤتمر صحفى عقب اجتماع مجلس الوزراء، إن الحكومة تعمل على إيجاد حل طويل الأجل لمشكلة الأسعار العالية والمتقلبة للبنزين والسولار، لكنه أوضح أن خفض الضرائب والرسوم لن يكون بين الخيارات.

وفي يونيو من نفس العام، قال دهاريندرا برادان وزير النفط تصريحات مماثلة عن «الحل طويل الأمد» لكنه استبعد مراجعة معادلة التسعير اليومي للوقود.
وتستحوذ شركات تسويق النفط المملوكة للدولة على 90٪ على الأقل من محطات الوقود بالتجزئة في البلاد، ومن العلامات التجارية الشهيرة للنفط شركات مثل هندوستان بتروليوم (HPCL) ، وبهارات بتروليوم (BPCL) وإنديان أويل.

ووفقا لبلومبرج، استغلت الحكومة الهندية انخفاض الأسعار عالميا منذ نوفمبر 2014 وقامت بإضافة ضريبة على النفط بدلاً من تمرير التخفيض الكامل للمستهلكين، وبالتالي شعر الهنود بارتفاع كبير في أسعار الطاقة عندما ارتفعت أسعار النفط عالميا بينما بقيت الضريبة كما هي، وأوضحت أن الضرائب الفيدرالية على السولار تم زيادتها 5 مرات منذ سبتمبر 2014 لتصل إلى 17.33 روبية للتر ، قبل أن يتم تخفيضها بمقدار 2 روبية في أكتوبر 2017.

وبحسب bankbazaar فإن كل روبية تخفض في ضريبة استهلاك البنزين والديزل تؤدي إلى خفض إيرادات الحكومة بنحو 13 الف كرور روبية.
وتتوقع الحكومة الحصول على ضرائب بقيمة 2.5 تريليون روبية في السنة المالية المنتهية في مارس 2019، وفقا لوثيقة الميزانية الفيدرالية، وهو رقم أعلى بنسبة 77 % مما جمعته قبل 5 سنوات، وكان حجم الدعم الذي تقدمه الدولة للسولار فقط في السنة المنتهية في 31 مارس 2014 قد وصل إلى 9.6 مليار دولار.

الرابط المختصر