بقلم محسن عادل نائب رئيس البورصة المصرية
قامت الحكومه المصرية بتنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي الشامل بالتعاون مع صندوق النقد الدولي في النصف الثاني من عام 2016، والذي تضمن قرار تحرير سعر صرف الجنيه المصري مقابل الدولار الأمريكي إضافة إلى العمل على تحسين بيئة الاستثمار من خلال إصدار قانون الاستثمار الجديد، والعمل على تطوير قانون سوق رأس المال رقم 95 لسنة 1992، ويأتي تباعًا دور البورصة المصرية في المساهمة في تنفيذ برنامج الطروحات الحكومية والذي من شأنه خلق بوابة تمويلية للنمو والتوسع عبر شريحة واسعة ومتنوعة لمصادر التمويل من المستثمرين سواء الأفراد أو المؤسسات المالية وصناديق الاستثمار المختلفة.
ويتم اختيار الشركات المستهدفه بالطرح بالإضافة إلى الجدول الزمني للطروحات ونسب الطرح بالإضافة إلى اعتماد القيم العادله للأسهم المطروحه من خلال اللجنة الوزارية المختصة بالإشراف على برنامج الطرح للشركات المملوكة للدولة بالبورصة.
وترى البورصة المصرية أن برنامج الطروحات الحكومية القادم له امتيازات عدة منها تحسين أداء المحفظة الحكومية مع تحسين القدرة على جذب استثمارات أجنبية حيث إن طرح الأسهم في البورصة يمكن الشركات من طرح شهادات إيداع أجنبية في الخارج وبالتالي إدخال مستثمرين أجانب بعملة أجنبية وهو أمر مهم للاقتصاد بشكل كبير ويساهم في تعزيز النظرة الإيجابية للاقتصاد المصري دون أن يكون عبء على موازنة الدولة أو الدين العام.
وكذلك تخفيف عجز الموازنة مع توزيع المخاطر فطرح الشركات الحكومية في السوق يساعد على عدم تركز المخاطر الاستثمارية في الجهات الحكومية فقط ولكن يظهر تشارك للربح وتشارك للمخاطر أيضًا لكل المجتمع.
ويضاف لأهمية البرنامج تحسين معدلات الشفافية حيث تشير الدراسات إلى أن طرح الشركات في سوق المال يساعد على زيادة معدلات الشفافية والنزاهة، حيث ستخضع الشركات لمجموعة من قواعد الحوكمة والشفافية نظرًا لوجود التزامات تجاه إدارة السوق بالإضافة إلى “الرقابة الشعبية” التي ستفرض من المستثمرين الأفراد والمؤسسات على أداء تلك الشركات، مما يحد من وجود فرص الفساد أو تقليل إهدار الموارد وهو ما يختلف جذريًّا عن برنامج الخصخصة الذي يقوم ببيع الشركة لمستثمر استراتيجي، مع زيادة معدلات الادخار حيث تسهم الطروحات في حال نجاحها في جذب جزء من مدخرات الأفراد العاديين التي يتم اكتنازها في أصول غير منتجة مثل الذهب والعقارات وخلافه، حيث إن تجربة مثل المصرية للاتصالات نجحت في جذب فئات عريضة من المستثمرين إلى السوق واستبدال أدوات مالية غير منتجة باستثمار حقيقي في الشركات الحكومية بشرط طرح شركات قوية وناجحة، وهذا أمر مهم لتحقيق معدلات أعلى للادخار والذي يعد عاملًا أساسيًّا لمعدل النمو، فما زلنا ندور حول 16% معدل ادخار ونحتاج للوصول إلى 24% على الأقل للحفاظ على معدلات نمو من 6-7% سنويًّا.
وسيسهم البرنامج أيضًا في تحقيق العدالة الاجتماعية وإحياء شعار الاقتصاد الوطني حيث تعتبر الطروحات الحكومية خطوة هامة لتحقيق العدالة الاجتماعية، فإذا كان المواطن العادي لا يتفهم أن عائد ثروات المجتمع يعود له بطريقة غير مباشرة من خلال الإنفاق الحكومي، لكن إذا تمكن الفرد العادي بمبلغ محدود من شراء سهم في شركة بترول مثلًا فسيشعر أنه كل عام يحصل على جزء من أرباح تلك الشركات ويشعر أنه يمتلك جزءًا من ثمار الإصلاح والنمو الاقتصادي بالفعل. كما تصنع تلك الطروحات ارتباطًا كبيرًا للفرد العادي باقتصاد وطنه حيث يشعر أنه بمدخراته القليلة يساهم بشكل مباشر في بناء اقتصاد وطنه كما نهض الاقتصاد الوطني في أوائل القرن العشرين بمساهمات بسيطة لتمويل الشركات إلى جانب تحقيق نهضة للبورصة وتحقيق عمق للسوق مع زيادة عدد المستثمرين.
كما أن الطروحات الجديدة من شأنها أن تبعث برسالة إلى المستثمرين العرب والأجانب عن البورصة المصرية ومضمونها أن السوق المصرية لا تزال تحتفظ بحيويتها وديناميكيتها وكذلك رسالة حول الاستقرار الذي تتمتع به سوق المال، وأن أي عوامل خارجية أخرى لا تؤثر كثيرًا في مسار السوق وتوجهاته المستقبلية نحو مزيد من النضج وكبر الحجم والتأثير على بنية الاقتصاد الكلي، ومن ثم فإن الطرح الجديد في البورصة سوف يؤدي إلى دخول مستثمرين جدد إلى السوق خاصة من شريحة المستثمرين الأفراد بما يضفي بمزيد من الحيوية على السوق تستمر معها لفترة ليست قصيرة فهذه العمليات الجديدة تبعث شعورًا بالاطمئنان على مستقبل السوق لأن ذلك يعني أن الاقتصاد الكلي لا يزال لديه شركات قادرة على دخول البورصة، وأن هناك بضاعة جيدة تدخل للسوق وأن هناك ثقة في البورصة كآلية للتمويل والاستثمار في الوقت نفسه.