غزة.. تهدئة قابلة للانفجار

aiBANK

بقلم – مجدي سرحان رئيس مجلس إدارة جريدة حابي

ليس خافيًا.. انه كانت هناك مخاوف لدى مصر من التصعيد المتسارع للأحداث في غزة.. والذي وصل الى ذروته باستعداد اسرائيل لحرب شاملة ضد القطاع ردا على «مسيرات العودة» ومحاولات «الغزيين» اختراق الحصار الأمني المفروض على حدودهم من الجانب الاسرائيلي.. وأيضا ردا على «حرب الطائرات الورقية المشتعلة» التي ابتكرتها المقاومة الفلسطينية واستطاعت بها اشعال الحرائق في الأراضي الزراعية داخل العمق الاسرائيلي.. وتسببت في خسائر لم يخل حجمها من التهويل والتضخيم من الاسرائيليين.

E-Bank

ومن أجل هذه المخاوف جاء التحرك المصري الدبلوماسي و»المخابراتي» النشط والفعال لمحاولة احتواء الوضع ونزع فتيل الحرب الوشيكة.. والذي نجح بالفعل في التوصل الى اتفاق للتهدئة وفق ورقة مقترحات قدمتها القاهرة ووافق عليها طرفا التصعيد.. حماس واسرائيل.. بعد جهد جهيد.. وقبل زمن قليل جدا من «ساعة الصفر» التي حددها جيش الاحتلال لدك غزة أمس الأول الجمعة.

•• لماذا المخاوف؟

لاشك أن كل فصائل الفلسطينيين تعلم جيدا أن هذا التصعيد من جانب «حماس» لم يكن أكثر من رسالة سياسية.. لم يقصد بها فعليا الدخول في حرب واسعة مع الاسرائيليين.. أو التوغل في اقتحام الحدود الشرقية للقطاع.. وإنما كانت لهذه المواجهات مقدمات تمثلت في الضغوط والتحركات التي مارستها إدارة الرئيس الأمريكي ترامب لمحاولة فرض سيناريو «صفقة القرن» المجنونة.. تلك التي بدأت بقرار واشنطن نقل سفارتها الى القدس المحتلة.. ثم إيفاد ترامب مبعوثيه الى دول المنطقة لإبلاغ قياداتها بـ «ترتيبات» صفقته التي فشلت وتحطمت فوق ضخور الرفض المصري والأردني.. وأيضا تحت ضغط التصعيد الفلسطيني في غزة.

الفلسطينيون.. وتحديدا قيادات حماس.. كانوا يعلمون جيدا أقصى حدود هذا التصعيد.. وكانوا فقط يريدون «اعتصار الفرصة حتى آخر قطرة» وفقا لتعبير أحد المواقع الالكترونية وثيقة الصلة بالمخابرات الاسرائيلية.. أي يريدون تحقيق أقصى مكاسب من الموقف.. لهم أولا.. ولسكان القطاع ثانيا.. والاسرائيليون أيضا كانوا يعلمون حدود هذا التصعيد بالنسبة لهم.. ولا يريدون أن يصل هذا التصعيد الآن الى الحرب.. لكنهم يمارسون مع حماس «لعبة حافة الهاوية».. وفقا لتعبير الكاتب الغزاوي والمحلل السياسي «المخضرم» أكرم عطا الله.. أي الضغط والتهديد الى ما قبل درجة الانفجار.. ثم العودة للتهدئة.. لكن «نتنياهو» تعرض لضغوط شديدة من المعارضة الاسرائيلية التي وضعته في مأزق و»اختبار قوة» كان يمكن أن يؤدي الى اتخاذه قرار الحرب بالفعل.

•• لذلك خافت مصر على «الغزيين»

هذا طبيعي جدا.. انطلاقا من المسئولية الأخلاقية والسياسية تجاه القضية الفلسطينية.. وكذلك كانت لدى مصر مخاوف أمنية على حدودها.. وهذا طبيعي أيضا.. لأن اسرائيل إذا اجتاحت غزة بطائراتها وصواريخها.. وربما دباباتها ومدرعاتها.. فأين سيذهب سكان القطاع الا أن يتجهوا غربا عبر الحدود المصرية؟.
بالمناسبة.. حدث ذلك من قبل.. عام 2008 عندما اقتحم الآلاف من الفلسطينيين الخط الحدودي مع سيناء تحت ضغط الحصار الاسرائيلي ونقص المواد الغذائية والاحتياجات المعيشية.. ولا ترغب مصر بالطبع أن يتكرر ذلك.. وهو ما كان وراء حرصها خلال الفترة الماضية على تخفيف الحصار على القطاع.. ووراء قرار فتح معبر رفح أمام الفلسطينيين بشكل دائم منذ شهر رمضان الماضي وحتى الآن.

ومن أجل ذلك نقول: إن نجاح الجهود المصرية وجهود أطراف دولية أخرى.. إضافة الى استجابة قيادات الفصائل الفلسطينية.. في تهدئة الأوضاع في غزة قد جنب الفلسطينيين خطورة استدراجهم الى خطة حرب جهنمية كانت قد أوشكت على الانفجار.. وأن تجنب هذه الحرب هو في حد ذاته مكسب كبير ليس للفلسطينيين فقط.. ولكن لمصر أيضا ولأطراف عديدة أخرى.

•• لكن.. يبقى السؤال:

وماذا بعد التهدئة؟.. هل ستلتزم اسرائيل؟.. وهل سيسلم الفلسطينيون من مخاطر الاعتداءات الاسرائيلية؟.
في تقديرنا أن اسرائيل لن تلتزم كثيرا.. وأن ما حدث من قبل سيظل قابلا للتكرار طالما مضت الإدارة الأمريكية في محاولة فرض صفقتها الغبية.. وطالما بقيت غزة تحت الحصار.. سواء من جانب اسرائيل أو من جانب السلطة الفلسطينية نفسها.. وأيضا طالما لا تستجيب الفصائل الفلسطينية لجهود ومبادرات المصالحة بينها.. خاصة تلك التي تبذلها القيادة المصرية.. وهذه الأطراف عندما تظل مشغولة ومستنزفة في صراعاتها الداخلية وخلافاتها السياسية الضيقة فإن جميع قضايا الشعب الفلسطيني الحقيقية والأساسية ستبقى دون حل.. وستبقى اسرائيل وحدها تجني كل الأرباح.. من وراء التصعيد.. ومن وراء التهدئة أيضا..!!

الرابط المختصر