بقلم أحمد رضوان ـ رئيس تحرير جريدة حابي
بعد 8 أيام من تلقيها ملاحظات هيئة الرقابة المالية على دراسة القيمة العادلة، أفصحتْ شركة القلعة للاستشارات المالية عن أنَّ السعر العادل لسهمها بلغ 6.34 جنيه وفقًا للمستشار المالي المستقل المتمثل في شركة “أر إس إم مصر” للاستشارات المالية، في أول ظهورٍ لها على مستوى دراسة قيمة عادلة لسهم شركة كبيرة لها وزنها بالسوق المصرية.
لم يتم الإفصاح عن السعر قبل التعديل، ولكن ما تمَّ تداولُه في السوق يشير إلى أنه كان أعلى بنسبة بسيطة عن السعر المُعلن، وشمل ملخص دراسة القيمة العادلة، ملاحظات الهيئة قبل التعديل ــولم تصل حابي للدراسة الكاملة حتى مثولها للطبع-.
شركة أر إس إم مصر www.rsm.global/egypt، أكدت في مقدمةِ ملخص الدراسة أن القيمةَ العادلة للقلعة ستنخفِض بواقع 3.13 جنيه في حالة عدم تقييم الشركة المصرية للتكرير وإدراجها بالقيمة الدفترية، وأشارت الشركة بوضوح إلى أنَّ فترة إعداد الدراسة لم تكن كافية لتقييم المصرية للتكرير بأسلوب القيمة الدفترية المعدلة وفقًا لتوصية هيئة الرقابة المالية؛ لأن هذه الطريقة تتطلب الاستعانة بمتخصصين وتحتاج إلى وقت كبير يتعدى الممنوحَ لإعداد التقرير.
لذا، فقد قامت “أر إس إم مصر” بتقييم المصرية للتكرير بطريقة خصمِ التدفقات النقدية المستقبلية، واعتمدت شركة التقييم على خطة العمل التي قدَّمتها إدارة القلعة والمبنية على افتراضات المؤسسات المالية الدولية المقرضة للمشروع، دون أن يقدم المستشار المستقل تصورًا واضحًا عن خطة العمل المقدمة له.
هذا ملخص بسيط لجولة بدأت في إبريل الماضي وقت أن استفسرت الرقابةُ الماليةُ من القلعة عن وجود أسباب جوهرية وراء الصعود الملفت لسعر سهمها المتداول بالبورصة، وكان أغلب الظن أن الجولة ستنتهي برد القلعة على الاستفسارات، ولكن امتدت بعد نفي الشركة وجود أحداث جوهرية من شأنها التأثير على السهم باستثناء تفاصيل مرتبطة بمشروع المصرية للتكرير أضخم استثماراتها.
وتجدر الإشارة أنه خلال الأسابيع الماضية، أعلنت القلعة عن مجموعة من الأحداث، منها تأسيس شركة لإنتاج الزيوت بين طاقة عربية التابعة للقلعة وكاسترول التابعة لبي بي البريطانية، وبدء خطةٍ لطرحِ حصص من شركات تابعة خلال النصف الثاني من العام المقبل، وسعيها لرفع حصتها في الشركة المصرية للتكرير.
في أعقاب نفي القلعة وجود أحداث جوهرية، طلبت الهيئة من الشركة تقرير دراسة قيمة عادلة لسهمها في ظل وضعها الراهن. طلبت القلعة مهلتين لتقديم الدراسة نظرًا لضخامة وتشعُّب استثماراتها في أكثر من مجال ومكان، إلى أن تقدمت بها بالفعل في 11 يوليو الجاري، وبعد مناقشات مع الهيئة، تم إعلان التقرير النهائي الخميس الماضي، لكنه لم يكن حاسمًا بقدر ما فتح بابًا جديدًا لجدل كبير.
الهيئة سلطت الضوء في بيانها الخميس الماضي على ما ذكره المستشار المالي المستقل من أن القيمة العادلة تقل 3.13 جنيه عند عدم الاعتداد بتقييم المصرية للتكرير بأسلوب التدفقات النقدية المستقبلية، فظهر انقسامٌ واسعٌ بين طرفين، أولهما يرى أن الهيئة تدخلت في وضع القيمة العادلة على خلفية عدم اعتدادها بالأسلوب الذي اختاره المستشار المستقل، ويؤكد هذا الطرف أنَّ تقييم سهم القلعة في ظل قرب إنتاج مشروع المصرية للتكرير يجب أن يزيد عن 6.34 جنيه التي تم الإعلان عنها.
والطرف الثاني بارك ما وصفه بكفاءة الرقيب في توضيح الصورة كاملة أمام المتعاملين، عبر سماحه بإعلان التقييم وفقًا لأسلوب التدفُّقات المستقبلية رغم عدم اعتداده بهذا الأسلوب في حالة المصرية للتكرير التي لم تبدأ نشاطها بعد، ووصفوا ذلك بأنه دليل على عدم التدخل في التقييم. وفي الوقت نفسه تم الإفصاح عن السعر العادل حال إدراج المصرية للتكرير بقيمتها الدفترية، طالما أن الفترة من مايو إلى يوليو لم تكن كافية لتقييم الشركة بأسلوب القيمة الدفترية المعدلة.
الطرف الأول يؤكد أن السعر العادل هو سعر السوق أيًّا ما يكون، ولا توجد نماذج شبيهة لطلب جهات رقابية خارجية من الشركات الإعلان عن دراسة قيمة عادلة.
الطرف الثاني يؤكد أن الرقيب لم يفرض سعرًا على المتعاملين، فالتقييمات المعلنة الخميس الماضي جاءت من المستشار المستقل الذي عيَّنته القلعة، وهناك عشرات التقييمات الأخرى التي تصدر من إدارات البحوث بالسوق، وبالتالي سيظل أيضًا سعر تداول السهم هو المعبر عن حجم الطلب والعرض عليه وعن أداء الشركة الحالي والمستقبلي، طالما لا توجد تأثيرات غير عادية على حركته.
يرُدُّ الطرف الأول بأنَّ إعلان الهيئة عدم اعتدادها بسعر 6.34 جنيه يعني تبنيها للسعر الأقل؛ فيبادر الطرف الثاني بالتأكيد على أن الهيئة لم تتعامل مع السعر من الأساس، بل أعلنت عدم اعتدادها بطريقة تقييم جاءت مخالفة لتوصياتها التي بلغتها بالفعل للمستشار المستقل حينما جاء بالدراسة في نسختها الأولى.
يؤكد الطرف الأول أنَّه لا يمكن تقييم الاستثمارات التي تم ضخها في المصرية للتكرير بقيمتها الدفترية، كما أن المشروع على وشك الإنتاج، فيردُّ الطرف الثاني بأن الهيئة طلبت تقييم الشركة بأسلوب القيمة الدفترية المعدلة، ولكن المستشار المستقل قال إن الوقت لا يسمح.
بكل تأكيد، نحن الآن أمام تقييمينِ لشركة القلعة، أحدهما يُراعي الإيرادات المتوقعة من مشروع المصرية للتكرير، والآخر يضع في اعتباره أن المشروع لم يبدأ بعد، كما تم الإعلان عن إرجاء تشغيله أكثر من مرة.
هذه المسألة حلها الانتظار لمدى ليس ببعيد بغض النظر عما ستشهده حركة سهم الشركة في المدى القصير، فمن سيُراهن على قدرة إدارة الشركة بدء التشغيل التجريبي لمشروع المصرية للتكرير في نوفمبر المقبل وفقًا لآخر إعلان صادر عنها، بكلِّ تأكيد سيكون أكثر تماسكًا في التعامل مع هذا الجدل، من آخر تحاصره الشكوك.
ويبقى على شركة القلعة أن تُعلن التزامها بآخر الجداول الزمنية المعلنة لبدء تشغيل المصرية للتكرير، أو تعلن غير ذلك، وأن توضح مدى قدرة تدفُّقاتها من المشروع على امتصاص خسائرها المرحلة، فحماس الطرف الأول مشروع، ومخاوف الثاني مشروعة أيضًا.
وفقًا لتقرير مراقب حسابات الشركة السابق -كي بي إم جي حازم حسن- عن نتائج أعمالها في 31 ديسمبر الماضي والذي صدر في 14 مايو الماضي، فإن الإيضاحات المُتمِّمة للقوائم المالية المجمعة (إيضاح رقم49)، أشارت إلي أن إدارة القلعة أعدَّت خطة مستقبلية للتدفقات النقدية المتوقعة لها وللشركات التي تستثمر بها، قائمة على التدفقات المتوقعة من التشغيل ومن إعادة هيكلة وبيع بعض الاستثمارات والأصول، والتوصل إلى اتفاق مع مجموعة البنوك والجهات المقرضة لإعادة جدولة أرصدة القروض والتسهيلات الممنوحة لها.
وأعتقد أن التقرير الأخير، لا يقل أهميةً عن الدراسة الصادرة عن المستشار المالي المستقلِّ، فهو يُلقي نظرة واضحة عن فرص وتحديات القلعة في الأعوام المقبلة.
أخيرًا.. الشركات الكبيرة، بالغة التأثير على الأسواق، وهذا مكْمَنُ الاهتمام بها، وبعيدًا عن جدل تدخُّل الهيئة في تسعير سهم القلعة من عدمه، تظل المسألة الأهم هي أن تستكمل القلعة أهدافها الاقتصادية التي أعلنت عنها في أكثر من مناسبة، عبر توفير جزء مهم من احتياجات مصر من الوقود، بما يساعد على الحد من الواردات، وتقديم نموذج يمكن الاقتداء به في صناعة الاستثمارات الضخمة داخليًّا وخارجيًّا.