كيف يمكن للسعودية تجاهل باب المندب دون الإضرار بمصالح مصر؟

aiBANK

حابي

أثار قرار السعودية الذي أعلنته، أمس الأول، بتعليق مرور شحناتها من النفط عبر مضيق باب المندب، مخاوفا من أن يؤدي القرار بالتبعية إلى التأثير على مصر في 4 جبهات، أولها تأثر موازنتها بالارتفاع المحتمل في أسعار النفط عالميا، فضلا عن تناقص معدلات مرور السفن عبر قناة السويس، إضافة إلى التأثير المحتمل على معدلات مرور النفط السعودي عبر خط أنابيب سوميد، وانخفاض معدلات تكرير بترول المملكة في المصافي المصرية.

E-Bank

نظريا، فإن القرار الذي اتخذته الرياض بعد ما قالت إنه هجوم من قبل الحوثيين في اليمن على إحدى ناقلات النفط التابعة لها قرب باب المندب، سيتسبب في اتخاذ الناقلات طريقا آخر لنقل شحناتها دون المرور بالبحر الأحمر وبالتالي دون المرور بقناة السويس.

المسار الاعتيادي لناقلات النفط السعودية يبدأ من موانئ المنطقة الشرقية بالمملكة ثم يعبر مضيق هرمز الذي تسيطر عليه إيران ثم مضيق باب المندب بين اليمن وجيبوتي، قبل أن تواصل الناقلة رحلتها في أحد اتجاهين أولهما اختراق البحر الأحمر والمرور مباشرة عبر قناة السويس المصرية لنقل النفط الخام إلى أسواقها في أوروبا حيث الموانئ على ساحل البحر الأبيض المتوسط، أو التوجه إلى ميناء العين السخنة في خليج السويس لضخ النفط في خط أنابيب سوميد المصري الذي ينتهي في منطقة سيدي كرير التي تقع على ساحل البحر المتوسط وتقوم معامل التكرير المصرية بتكرير هذا النفط ثم إعادة توجيهه وقودا إلى موانئ أوروبا.

وكان طارق الملا وزير البترول المصري قد اتفق في يونيو الماضي مع شركة أرامكو السعودية على تمديد اتفاق توريد الخام السعودي عبر خط سوميد إلى مصافي التكرير المصرية 6 أشهر أخرى بدءا من يوليو الجاري، وقال لرويترز إن الشركة ستورد ما بين 500 ألف و1مليون برميل شهريا من النفط الخام، وبحسب الاتفاق تستغل أرامكو الطاقات الفائضة بمعامل التكرير المصرية لتكرير الخام السعودي.

وفي سبتمبر الماضي، قال إبراهيم البوعينين الرئيس التنفيذي لشركة أرامكو لتجارة المنتجات البترولية، إن شركته تعمل على زيادة ضخ البترول السعودي عبر خط أنابيب سوميد وتحويل منطقة سيدي كرير إلى مركز رئيسي لدعم تسويق مبيعاتها لأوروبا.

وسوميد يمثل بديلا لقناة السويس من أجل نقل البترول من منطقة الخليج إلى ساحل البحر المتوسط لأنه يمكن استخدامه بواسطة ناقلات النفط التي لا تستطيع التنقل عبر القناة، وتبلغ طاقته 2.34 مليون برميل يومياً.

في ذات السياق، صدرت السعودية 600 ألف برميل يوميا من النفط الخام من الخليج إلى مشترين في أوروبا وأمريكا الشمالية هذا العام، وفقا لبيانات تعقب الناقلات التي جمعتها بلومبرج، بالإضافة إلى 330 الف برميل يومياً عبر السفن من منشأة التصدير الرئيسية في رأس تنورة شرق المملكة إلى ميناء ينبع المطل على البحر الأحمر (غرب المملكة)، وكذلك شحنت المملكة 120 الف برميل يوميا في الاتجاه المعاكس من ميناء ينبع إلى آسيا.

تشير هذه الأرقام إلى أن المملكة تشحن نحو 930 الف برميل يوميا من النفط إلى أسواقها في أوروبا، وبالطبع تمر كل هذه الشحنات عبر قناة السويس.

وتشير بيانات جمعتها رويترز إلى أن صادرات النفط الخام السعودي من خلال باب المندب تقدر 500 إلى 700 ألف برميل يوميا.

وبحسب بلومبرج، يمكن للسفن التي تحمل النفط من الخليج إلى أوروبا وأمريكا الشمالية تجنب باب المندب (وبالتالي قناة السويس) بالسفر حول الجزء الجنوبي لأفريقيا.

في هذه الحالة فإن الرحلة من الفجيرة الإماراتية (آخر نقطة للخروج من الخليج) إلى هيوستن الأمريكية ستزيد بمقدار 2660 ميل بحري اي بنحو 28% كما ستزيد المسافة إلى روتردام بمقدار 4800 ميل بحري أي بنسبة 78%، في حين أن رحلة إلى أوغوستا في إيطاليا ستزيد بنحو 3 مرات.

المسافات الإضافية سترفع تكاليف الشحن والوقود، وستتسبب أيضا في تعطيل الإمدادات. إذ تستغرق الرحلة من السعودية إلى روتردام في هولندا حوالي 22 يوماً عبر باب المندب وقناة السويس، مقارنة بـ 39 يوماً حول إفريقيا، وفقاً لبيانات بلومبرج لتتبع الناقلات.

خط بترولاين .. يوفر التكاليف للسعودية ويحافظ على مصالح مصر

يمكن للسعودية تفادي زيادة تكلفة نقل نفطها فضلا عن الحفاظ على مصالح مصر – التي أدانت الهجوم الحوثي وقالت إنه يمثل خرقاً صارخاً لكل القوانين والأعراف الدولية – في قناة السويس وخط سوميد ومعامل التكرير عبر استغلال خط بترولاين الذي ينقل النفط من شرق السعودية إلى غربها ومن ثم يسهل تحميله إلى ناقلات النفط من الموانئ السعودية التي ستتبع خطها المعتاد إلى خط سوميد أو عبور القناة لأوروبا وبالتالي تستقر عمليات النقل والتكرير في مصر، كما تحافظ القناة على إيراداتها من العبور.

بحسب بلومبرج، وتبلغ طاقة خط الأنابيب بين الشرق والغرب والذي يبلغ طوله 1200 كيلومتر، نحو 5 ملايين برميل يومياً، لكنه يستخدم أيضاً لتوصيل الخام إلى 4 معامل على طول ساحل البحر الأحمر وتصل قدرات تلك المعامل إلى 1.4 مليون برميل يومياً.

وقد شركة أرامكو السعودية بمعدل 650 ألف برميل يوميا من ينبع هذا العام، وفقا لبيانات بلومبرغ لتتبع السفن.

وتشير الإمدادات إلى المصافي وشحنات ينبع إلى أن شركة أرامكو لا تستخدم سوى نحو مليوني برميل يومياً من الطاقة الإنتاجية على طول خط الأنابيب بين الشرق والغرب، أي بعبارة أخرى ، هناك احتياطي نظري يبلغ 3 ملايين برميل يوميًا.

فهل ستعتمد السعودية على هذا الخط؟ الجواب يعتمد على ما إذا كان جوهر قرار السعودية سياسيا أم أمنيا؟

أمن أم سياسة؟

مضيق باب المندب أو “بوابة الدموع” كما يطلق عليه، ممر ضيق من الماء يفصل البحر الأحمر عن المحيط الهندي، يحده من الشمال الشرقي اليمن ومن الجنوب الغربي إريتريا وجيبوتي، وينقسم المضيق إلى قناتين حول جزيرة بيرم، وتستخدم السفن الأكبر حجمًا القناة الغربية وهي الأوسع والأعمق ويبلغ عرضها في أضيق نقطة حوالي 25 كيلومترًا وعمقها 310 أمتار، أما القناة الأصغر وهي التي تواجه الساحل اليمني فيبلغ عرضها ميلين، وينقسم الشحن من خلال باب المندب إلى قنوات داخلية وخارجية عرض كل منها ميلين.

باب المندب يشكل رابطًا حيويًا على الطريق التجاري بين البحر المتوسط وآسيا، السفن التي تحمل البضائع بين أوروبا وآسيا وكذلك النفط من الشرق الأوسط إلى أوروبا وأمريكا الشمالية، تمر عبره ثم تبحر عبر قناة السويس المصرية. وتشير تقديرات إدارة معلومات الطاقة معلومات الطاقة الأمريكية إلى أنه في عام 2016 – وهو العام الأخير الذي نشرت بياناته – تدفق نحو 4.8 مليون برميل يومياً من النفط الخام والمنتجات البترولية عبر المضيق، منها نحو 2.8 مليون برميل إلى الشمال باتجاه أوروبا، و2 مليون برميل في الاتجاه المعاكس.

الناقلة التي تعرضت للهجوم الحوثي كانت إصابتها طفيفة بحسب ما قالته السعودية نفسها (وزير الطاقة خالد الفالح قال إن الحوثيين هاجموا ناقلتي نفط مما ألحق ضررا طفيفا بإحداهما) وبالتالي لا يعتبر الخطر كبيرا، فهل يستدعي الأمر التخلي عن ممر بحري بهذه الأهمية للعالم كله؟

وسائل إعلام خليجية تحدثت عن أن ضيق الممر يسمح باستهداف الناقلات بسهولة لاحقا، وبالتالي فإن القرار “أمني” ولا يستهدف مثلا زيادة اسعار النفط “السلعة الأهم في سوق الطاقة”.

لكن وسائل الإعلام ذاتها لم تنفي أن القرار ربما يستهدف حشدا دوليا للتعامل مع الأزمة في اليمن باعتبارها أزمة عالمية على الجميع أن يتدخل فيها للوصول إلى حل يؤمن المجرى الملاحي المهم.

وكتب وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي، أنور قرقاش، على تويتر، قائلا إن “استهداف ناقلتي النفط السعوديتين في البحر الأحمر يؤكد ضرورة تحرير الحديدة من مليشيات الحوثي، الاعتداء الممنهج على الملاحة البحرية تصرف إرهابي أهوج ويعبر عن طبيعة الحوثي وعدوانه”.

حمدان الشهري المحلل السياسي قال لموقع “أراب نيوز” الذي يتخذ من السعودية مقراً له إن “يجب على العالم وخاصة الدول الأوروبية أن يضطلع بدوره ويشارك في تحييد التهديد من إيران والحوثيين”، وأضاف :””هذه ليست مجرد ميليشيات .. إنها ميليشيات مسلّحة من قبل إيران ولا تشكل تهديدًا لنا فحسب بل على الاقتصاد العالمي بأسره”.

وتخوض السعودية وإيران حربا بالوكالة منذ 3 سنوات في اليمن.

صحيفة اكسبريس البريطانية نقلت عن إلين روز والد ، وهي مؤرخة ومستشارة في شؤون الطاقة والجغرافيا ، قولها إن “البحر الأحمر ممر شحن مهم للغاية .. وإذا ما حدث اضرابا كبيرا فيه، فسيكون لدى القوى الأوروبية ومصر والولايات المتحدة سببا للتدخل”.

وأضافت:” هؤلاء لديهم مصالح مهمة في حماية حرية الإبحار عبر الممر .. التدخل الدولي ضد الحوثيين قد يكون هو فقط ما تريده السعودية”.

لكن تقرير لبلومبرج قلل من تأثير قرار السعودية على حركة الشحن عالميا، وقال إنه لا يوجد ما يشير إلى إمكانية تجنب الشركات العالمية لباب المندب، وأوضح أنه من النادر التخلي عن الممر رغم أن ذلك قد حدث في ذروة أزمة القرصنة الصوماليين قبل نحو 10 سنوات، وحينها كانت العشرات من ناقلات النفط السعودية العملاقة من بين المستهدفين.

ونقلت رويترز عن مصادر في قطاعي النفط والشحن قولهم إنه من المستبعد أن يؤثر التعليق على إمدادات النفط السعودية إلى آسيا، ونقلت عن تجار قولهم إن أمر التعليق يقتصر على السفن المملوكة للسعودية، لذا فما زال بمقدور شركة أرامكو السعودية المملوكة للحكومة تأجير سفن أجنبية لنقل خامها.

السمات الأمنية للقرار تظهر مجددا، مع إعلان الكويت أنها تدرس اتخذا إجراءا مماثلا، إذ قال بدر الخشطي، رئيس مجلس إدارة شركة ناقلات النفط الكويتية إن “كل كل الخيارات ممكنة لكن لا يوجد شيء مؤكد حتى الآن”.

كذلك، فقد سبق أن هدد الحوثيون من قبل بإغلاق مضيق باب المندب، وقالوا أمس إن لديهم القدرات البحرية لضرب الموانئ السعودية وأهداف أخرى في البحر الأحمر.

ولا يزيد عرض مضيق باب المندب على 20 كيلومترا، مما يجعل مئات السفن هدفا سهلا، ويمر عبر المضيق نحو 25 الف سفينة سنويا.

الرابط المختصر