عرّاب سوق المال يفند تجارب تقييم الشركات
التدليس المالي ظهر خارجياً عام 2001.. وأمتد فى الأزمة العالمية للتصنيف الائتماني
هناك فرق بين السعر والقيمة.. حسن السوق لا يعني حسن البضاعة
الهيئة لا تتدخل فى التقييمات.. والموافقة أو الرفض يجعلها مسئولة
رفع الكفاءة يحتاج مؤهلات محددة وتدعيم المجالس بذوي الخبرة
التوسع فى استقطاب مزاولى المهنة تسبب فى تضخم أعداد السماسرة من قبل
الاستعانة بالقيمة العادلة لمواجهة الارتفاعات غير المبررة للأسهم يطرح تساؤل «لماذا لا نلجا له فى حالات الهبوط؟»
ياسمين منير ورضوى إبراهيم
خاضت جريدة “حابي” جولة خاصة مع عراب سوق المال المصرية، الدكتور أحمد سعد رئيس هيئة سوق المال الأسبق والخبير القانونى البارز، للكشف عن تجارب الأسواق العالمية وأزماتها مع أنشطة التقييم المالي، الذي عايشها عن قرب، كما أسهم فى وضع أغلب القوانين والقواعد المنظمة للأنشطة المالية والاستثمارية بالسوق المحلية على مدار تاريخها.
وكشف سعد، الذي شغل منصب رئيس الهيئة خلال فترة مؤثرة من رحلة تطور السوق المحلية، كما لعب أدوارا استشارية مهمة لسنوات عديدة، عما يسمى بأزمات التدليس المالي، التي برزت منذ عام 2001 على الساحة الدولية، واستقطبت اهتمامه للبدء فى إعداد كتاب خاص عن تطور أنشطة التقييم المالي بأضلعها الثلاثة المتمثلة فى شركات المحاسبة القانونية والتصنيف الائتماني، والاستشارات المالية المستقلة.
وأوضح سعد أن المشكلة بدأت مع أزمة شركة إنرون الأمريكية التي تورطت فيها شركة المحاسبة العالمية أرثر أندرسون التي كانت واحدة من أبرز الكيانات المتخصصة فى ذلك الوقت، وكانت تجمع بين نشاطى المراجعة المالية والاستشارات، للاستفادة من الأتعاب المرتفعة للنشاط الأخير، والذي يمثل أضعاف قيمة أتعابها عن المراجعة.
وأضاف: “كانت هذه أول حالة تحدث خلالها تخبئة معلومات مالية وبداية لسلسلة محطات رقابية لمراجعة ما يسمي بالتدليس المالي، الناتج عن العمل ضد المساهمين بدلا من تقديم رأي مدقق لخدمة مصالحهم”.
وأشار إلى أن هذه الأزمة نتج عنها عقوبات ضخمة بلغت حد المنع من ممارسة النشاط، وتكبد ديون وغرامات مالية ضخمة، فيما اتجهت الجهات الرقابية لوضع قواعد للفصل بين أنشطة المراجعة والاستشارات لضمان الاستقلالية، علاوة على تأسيس مجلس إشرافي يعمل كوحدة للرقابة على جودة تقارير مراقبي الحسابات.
وأوضح أن الأمر امتد لتدشين هيئة دولية تضم مشاركة نحو 31 سوقا مالية، لوضع معايير الرقابة على جودة التقارير، كما اتجهت بعض الأسواق لتدشين هيئة خاصة للرقابة علي هذا النشاط.
وقال سعد إن هيئة سوق المال أسست وحدة داخلية، وانضمت لعضوية الهيئة الدولية عام 2008، إلا أنه بعد الأزمة المالية العالمية برزت مشكلة جديدة تتعلق بحملة السندات، وعدم وجود جهة مسئولة عن مراقبة تقارير الجدارة الائتمانية الصادرة عن مؤسسات التصنيف الائتماني، والتي كانت أحد الأسباب الجوهرية فى فقاعة سندات التوريق العقارية.
وأكد سعد أن أسواق المال تعتمد فى الأساس على المعلومات، وأى خلل يحدث فى الرقابة على هذه الجزئية يعرض المتعاملين والأسواق لمخاطر كبيرة.
وأضاف: “وضع التصنيف الائتماني فى مصر خاص جدا، فالسوق المحلية كانت رائدة بالصدفة فى مراقبة هذا النشاط من وسط نحو 65 سوقا، حيث أن أغلب الأسواق العالمية كانت تعتبر أن ما يصدر عن هذه الشركات “رأيا” وبالتالي من العبث مراقبته، فى حين أن القانون المحلي كان يلزم من وجهة نظرنا بمراقبة أى نشاط يشارك فى السوق”.
وأكد سعد أنه وفقا لمبادئ الأيسكو وكالات التصنيف الائتمانى، وتقاريرها خاضعة للرقابة سواء على صعيد الأسهم أو السندات، كما تم وضع قواعد جديدة لاعتماد شركات التصنيف، لأن الأسواق قد تصبح مهددة بأكملها بسبب أوراق الدين على وجه الخصوص.
وتابع سعد: “فى السوق المحلية تم وضع سجل لاعتماد شركات التصنيف المتوافقة، وبدأ بثلاث شركات الكبرى وهى “موديز” و”فيتش” و”ستاندرد آند بورز”، ثم تم الاعتراف بشركات أكثر بعد ذلك وفقا لقواعد عمل ومعايير محددة ومبادئ للسلوك المهني”.
وأوضح أن نشاط المستشار المالي المستقل نشأ فى مصر عام 2006 بسبب مطلب محلي على يد الدكتور هاني سري الدين رئيس هيئة سوق المال وقتها، بغرض تقييم الطروحات خاصة الحكومية، والتي شهدت أسعارا مغايرة للتقييمات السوقية فى كثير من الكيانات ومنها بنوك الوطني للتنمية، ومصر الدولي.
وأكد سعد أنه لا يمكن القياس علي التجارب الدولية المتبعة بهذا النشاط، لأن المطبق في مصر نموذج مختلف.
وأضاف: “كالعادة نبالغ دائما فى عدد الشركات التي يسمح لها بمزاولة النشاط، ما فتح الباب أمام شركات محاسبة صغيرة ومكاتب استشارات عامة للحصول على الترخيص فى حين أن النشاط ضيق ويكفي تغطيته عبر 7-8 شركات على الأكثر، مثلما حدث فى تراخيص شركات السمسرة فى فترة من الوقت، ما أسفر عن أكثر من 140 شركة سمسرة دون أدنى مبرر”.
وأكد سعد أن للرقيب الحق فى التدخل حال وجود نشاط عادى على ورقة مالية متداولة، خاصة إذا كانت تستحوذ على نسبة كبيرة من التداولات، ولكن الاستعانة بالمستشار المالي المستقل لوضع قيمة عادلة واحدة للأسهم يضع حرجا على السوق بأكملها.
ولفت إلى أنه من الأفضل طلب تقارير من شركتين مثلا لتقديم رؤية أفضل، أو مطالبة الشركة بإعداد القيمة بأكثر من طريقة حساب لتفادي تكلفة التعاقد مع أكثر من شركة، أو وضع حدود سعرية للورقة لفترة لحين وضوح الرؤية وتحجيم النشاط غير المعتاد عليها.
وتابع سعد: “هناك فرق كبير بين السعر والقيمة، وهذا مبدأ عام أن حسن السوق يختلف عن حسن البضاعة، فقد تمر الأسعار السوقية للأسهم بفترات مغالاة، ومراحل أخري تسعر بأقل من قيمتها وفقا لعوامل سوقية متعددة، وللمستثمر الحق فى العزوف عن شراء ما يراه مبالغا في قيمته السوقية”.
وشدد على أهمية توضيح الأدوار والمفاهيم المتعلقة بهذا النشاط وحدود دور الهيئة فى هذه العملية، موضحا أن السعر لا يعبر عن القيمة وهناك نماذج كثيرة لشركات متداولة ذات قيمة عالية وتداول فى حدود دونية، وبالتالي يبرز سؤال وجيه بين أوساط المتعاملين حول أسباب عدم مطالبة الهيئة بتقارير قيمة عادلة للأسهم فى حالات الهبوط.
كما شدد على أن الهيئة لا تتدخل فى السعر ولا فى تقييم مدى واقعية القيمة العادلة حتى لا تكون مسئولة عن هذا التقييم.
وأكد سعد أن الضوابط الحالية لنشاط المستشار المالي المستقل تحتاج إلي إعادة نظر وتشديد، من خلال رفع رأس المال إلي نحو 5 ملايين جنيه على غرار المطبق بنشاط السمسرة فى الأوراق المالية، والتأكيد على الشروط المهنية والفنية الواجب توافرها فى العاملين بهذا النشاط.
واقترح رئيس الهيئة الأسبق أن يتم تنظيم هيكل المهنيين داخل المكتب المرخص، والمطالبة بشهادات محددة تلائم التخصصات المطلوبة وحد أدني لعدد الكوادر المطلوب بكل تخصص، مع إجراء اختبارات من خلال وحدة الاختبارات الفورية بالهيئة التي تختبر السماسرة والأعضاء المنتدبين بشركات الأوراق المالية، وإعفاء الحاصلين على شهادات دولية متخصصة مثل CFA-CIA-CMA وغيرها من الشهادات العالمية من اجتياز الاختبار.
وأوضح أن هذه النوعية من الكوادر تتقاضي رواتب مرتفعة جدا وبالتالي سيكون القدرة على توفيرها مقصورا على الكيانات التي تمتلك الملاءة المالية والحرفية للقيام بهذا الدور.
كما اقترح تمييز الخبراء من الحاصلين على شهادات علمية عليا فى التمويل وحث الشركات على دعم مجالس إداراتها بهذه الخبرات بهدف رفع الكفاءة، إلي جانب عقد دورات تدريب مستمرة، ومراجعة قواعد السلوك المهني وميثاق الشرف المهني، والتأكد من إستقلالية النشاط بالشركات عن باقي الأنشطة.
وعلى صعيد الجدل المثار دوليا حول حدود مراقبة تقارير شركات المحاسبة المنتشرة حول العالم تحت أسماء مؤسسات دولية كبري، على خلفية تفاقم أزمة التدقيق المالي بمجموعة أبراج الإماراتية، قال سعد إن تنظيم شركات المحاسبة غير موحد، فلكل سوق ضوابطها ومعاييرها المهنية فى ظل عدم وجود منظمة تشرف على المعايير الدولية لها على غرار المطبق بالتصنيف الائتمانى.
وتابع: “بالتالي شبكات المحاسبة الدولية التي تنتشر على مستوي العالم كل منها يخضع لضوابط السوق التي تعمل بها، ولإحكام هذه المنظومة يجب التشديد على المعايير المهنية بالمكاتب المحلية المزاولة لهذه النشاط حتى إن كانت تعمل بمشاركة مؤسسة دولية مرموقة”.
وأكد أن ثالوث الأنشطة القائمة على التقييم، وهي التصنيف الائتماني والمراجعة والاستشارات المالية، من أهم الأنشطة المؤثرة فى كفاءة الأسواق، والمعايير المهنية والضوابط الداخلية هى المحك الرئيسي لضبط الأدوار وتضييق الثغرات أمام احتمالات التدليس المالي.