رغم المعاناة.. الصحافة الورقية قادرة علي الصمود

دراسة: التخلي عن الإصدار المطبوع ليس كافيا لإعادة الصحف إلى الربح

أكبر 5 صحف في الولايات المتحدة تعتمد علي الديجيتال في إيرادتها بنسبة 35% بينما تقدم المطبوعة والمصادر الأخرى 65%

حابي

E-Bank

في مارس من عام 2016 قررت المجموعة الإعلامية التي تمتلك صحيفة «ذا إندبندنت» البريطانية الشهيرة، التي صدرت عام 1986، وقف الإصدار الورقي والاستمرار فقط في تقديم خدماتها رقميا، لتصبح بذلك أول صحيفة بريطانية تقدم على تلك الخطوة، وقبلها أقدمت صحيفتان على نفس الخطوة لكنهما لم تكونا بنفس شهرة «ذا إندبندنت» وهما «سياتل بوست» الأمريكية وTaloussanomat الفنلندية، ثم طغى الحديث بأن خطوة إندبندنت هي بداية النهاية لعصر الصحف الورقية في كل أنحاء العالم، لكن الواقع أثبت عكس ذلك.

تتلقى صناعة الصحافة المطبوعة الضربة تلو الأخرى في العصر الرقمي، لكنها مازالت قادرة على الصمود وفرض نفسها على أصحاب الصناعة كونها صاحبة النصيب الأكبر من الإيرادات حتى الآن في عدد من الصحف الأمريكية والأوروبية الكبرى.

فبحسب دراسات وتقارير مبنية على نتائج أعمال عدد من الصحف الكبرى في الولايات المتحدة والعالم، مازالت الإصدارات الورقية تهيمن على مصدر الإيرادات الرئيسية لتلك الصحف، صحيح أن إيراداتها من الإعلانات آخذة في الانخفاض بشكل ملحوظ، لكننا لم نصل بعد إلى المرحلة التي يمكن فيها الاعتماد بشكل كامل على إيرادات المنصات الرقمية الإخبارية.

تابعنا على | Linkedin | instagram

ووفقا لدراسة تتبعت إيرادات ونفقات الصحف الرقمية عام 2016 لـ5 شركات نشر بينها شركة نيويورك تايمز المصدرة لصحيفة نيوريورك تايمز، وشركة «جانيت» المصدرة لصحيفة «يو إس تو داي»، إلى جانب 3 مؤسسات أخرى حول العالم، لا تزال الصحف مرتبطة بإصدار النسخ المطبوعة من حيث إيراداتها، وليس من المستغرب أنها لم تنتقل إلى نموذج النشر الرقمي فقط حتى الآن.

وتوضح نتائج الدراسة، التي فازت بجائزة مؤتمر الصحافة العالمية في 2016، أن المصادر الرقمية تسهم في المتوسط بنسبة 22٪ فقط من إجمالي إيرادات الصحف.

وتابعت أن الانتقال إلى الخيار الرقمي فقط لن يكون ناجحا مالم يرتبط بتغييرات هيكلية كبيرة وخفض في التكاليف.

وتابعت الدراسة: «فوجئنا بأن شركة مثل نيويورك تايمز لاتزال تعتمد بشكل كبير على عائدات الطباعة رغم أنها تقدم نفسها حاليا بأنها مؤسسة إخبارية رائدة في المحتوى الرقمي واشتراكاته».

وأشارت إلى أن إيرادات المنصات الرقمية لنيوريورك تايمز تمثل 24.7% فقط من إجمالي إيرادات الشركة، بينما تستحوذ النسخ المطبوعة والمصادر الأخرى على 75.3%.

وكذلك، فإن شركة «جينت» التي تصدر عدة صحف ومجلات بينها «يو إس توداي» وهي واحدة من أكبر 5 صحف في الولايات المتحدة، تعتمد على المصادر الرقمية في إيرادتها بنسبة 35% بينما تقدم المطبوعة والمصادر الأخرى 65%.

وكانت الصحف الغربية قد بدأت تنفيذ إستراتيجيات «الرقمية أولا» بعد أن تقلصت عائداتها من الصحف المطبوعة بشكل كبير بعد الأزمة المالية العالمية في 2007-2008، وتهدف هذه الاستراتيجيات إلى تقديم الأخبار والمحتوى أولاً على المنصات الرقمية من أجل زيادة المتابعين والحصول على مورد جديد لإيرادات الإعلانات.

لكن وبحسب الدراسة، جاء نمو الإيرادات الرقمية بطيئًا في كثير من الحالات، ففي عام 2016 لاحظ مركز «State of the News Media» البحثي، أن الصحف الأمريكية في عام 2015 شهدت أكبر انخفاض لها في الإيرادات منذ سنوات الركود في 2008، ومع استمرار انخفاض عائدات الإعلانات من الصحف المطبوعة، كان بناء مصادر جديدة للدخل الرقمي بطيئًا في كثير من الحالات.

صحيح أن التكنولوجيا الرقمية غيرت بشكل أساسي اقتصاديات وسائل الإعلام والفرص المتاحة أمام ناشري الأخبار لاستثمار جماهيرهم ومحتواهم الإخباري، وقد أدى هذا بالتالي إلى تغير في الطريقة التي يتم بها إنتاج الأخبار واستهلاكها وتسليمها، لكن خضوع الصحيفة لنموذج رقمي فقط يوفر أداءا تجاريًا أكثر فعالية من حيث التكلفة مقارنة بنموذج الأعمال التقليدي المستند إلى الطباعة، إذ إن النقل الرقمي يقلل من تكاليف التوزيع والنشر ويخفض من التكاليف بشكل عام بنسبة تتراوح بين 40 و60% لكنه يؤثر أيضًا على عائدات الصحف.

وتابعت الدراسة: «في هذا النظام الإخباري الجديد يتم جمع المعلومات وإنتاج الأخبار من قبل العديد من الجهات الفاعلة، بما في ذلك الصحفيون والمواطنون ونشطاء وسائل الإعلام الاجتماعية وغيرها من المنظمات، وأصبح بإمكان المعلنين الوصول إلى جماهيرهم مباشرةً بدون المؤسسات الإعلامية عبر استخدام وسائط التواصل الاجتماعي أو قنوات أخرى للإعلان».

وأوضحت الدراسة أن صحيفة Taloussanomat الفنلندية وهي أول صحيفة في أوروبا تنتقل إلى تقديم خدماتها رقميا فقط، حققت وفورات في التكلفة بنسبة 52% عبر القضاء على تكاليف الإنتاج والتسليم المرتبطة بالإصدار المطبوع، لكنها مع ذلك خسرت 75% من عائداتها.

وحذر الباحثون في الدراسة من أن التخلي عن الطباعة لم يكن كافيا لإعادة الصحف إلى الربح.

سبل خفض تكاليف الإصدار المطبوع

وأوضحت الدراسة أن معظم ناشري الأخبار في الفترة الحالية، حققوا بالفعل وفورات كبيرة في تكاليف الإصدار المطبوع، من خلال خفض قوة العمل وإغلاق بعض مرافق الطباعة وتخفيض أيام النشر.

وأشارت إلى أن إستراتيجيات التحول الرقمي التي اعتمدتها صحف مثل فاينانشيال تايمز وذا تليجراف، اللتان قامتا بعملية تحول كبرى للرقمية دون التخلي عن إصداراتها الورقية، ركزت على تنظيم الدورة الزمنية للإنتاج ما قلل الحاجة إلى الاعتماد على العديد من الإصدارات المطبوعة.

نتائج هذه الدراسة تتوافق أيضا مع نتائج دراسات أخرى، فقد أوضحت ورقة بحثية لمركز «كورنيا» أنه على الرغم من اتباع إستراتيجيات «الرقمية أولا» ظل 80 إلى 90% من ناشري الأخبار في 6 دول أوروبية يعتمدون على إيرادات النسخ المطبوعة.

كما أكدت البيانات الورادة من الرابطة العالمية للصحف وأخبار الناشرين WAN-IFRA والتي تتخذ من فرانكفورت الألمانية مقرا لها، أنه في عام 2015 كانت نسبة 92% من إيرادات الصحف العالمية لا تزال من الإصدارات المطبوعة.

وبحسب موقع statista للإحصائيات، فإنه حتى العام 2015 كان هناك 5 مليارات قارئ للصحف في العالم، بينهم نحو 3 مليارات يقرأون الصحف المطبوعة.
وأوضح الموقع أنه على الرغم من استمرار هيمنة الصحف المطبوعة، تظهر الأرقام أن صناعة الصحافة عالميا تتحول تجاه المنصات الرقمية، في ظل توقعات بأن إيرادات صناعة الصحافة الرقمية ستنمو بنسبة 9.8% سنويا خلال الفترة من 2015 إلى 2020، بينما ستشهد الصحافة المطبوعة انخفاضا في نموها بنسبة 3% سنويا خلال الفترة ذاتها.

مرحلة سيئة في تاريخ الصحافة الأمريكية

لا تزال الصحف المطبوعة هي السائدة في الولايات المتحدة، إذ إن أكثر من نصف الأمريكيين يقرأون الصحف المطبوعة فقط، وفقا لموقع statista الإحصائي.
وأوضح الموقع أنه مع ذلك، فإن نسبة متزايدة من المستهلكين توجهوا إلى استهلاك أشكال أحدث من الصحافة كالمواقع الإخبارية على الإنترنت أو تطبيقات الموبايل إلى جانب الوسائل التقليدية المطبوعة.

وأشار إلى أن صناعة الصحافة في الولايات المتحدة تمر بمرحلة سيئة، خاصة أنه من المتوقع أن ينخفض استهلاك الصحف إلى حد كبير.

وأضاف: «في عام 2015 ، أمضى الأمريكيون في المتوسط نحو 17 دقيقة يوميا في قراءة الصحف، وخلال العام الجاري يتوقع أن ينخفض المعدل إلى 12 دقيقة فقط».

وانعكس هذا التراجع في الاستهلاك على أرقام التوظيف والإيرادات، إذ يشهد التوظيف في هذا القطاع انخفاضات حادة، حيث انخفض عدد موظفي قطاع الصحافة من نحو 257 ألف موظف في 2010 إلى نحو 183 ألفا في 2016.

ومن المتوقع أن تنخفض إيرادات قطاع الصحافة في الولايات المتحدة من نحو 30.5 مليار دولار في 2016 إلى 27 مليارا بحلول 2020.

ومن المتوقع أيضًا أن يتقلص المصدر الرئيسي لإيرادات ناشري الصحف، وهو الإعلانات، خلال السنوات القادمة، «أكبر 5 معلنين في الصحف بالولايات المتحدة هم ماكيز Macy’s و نيوز كورب News Corp وبانكريت Bankrate وسبرنت Sprint وتارجت Target، وقد أنفقت ماكيز 302.9 مليون دولار على إعلانات الصحف في عام 2015».

وبحسب الموقع فإن صحيفة وول ستريت هي أكثر الصحف اليومية المطبوعة توزيعا في الولايات المتحدة، ويليها ضمن أكبر 5 صحف مطبوعة توزيعا كل من نيويورك تايمز وواشنطن بوست ولوس أنجلوس تايمز ويو إس إيه تو داي.

وتتمتع نيويورك تايمز بأكبر عدد متابعين على فيسبوك والذين وصل عددهم إلى 25 مليون متابع متفاعل على صفحتها في عام 2017.

البالغون يميلون نحو الديجيتال

قال موقع statista الإحصائي إن شعبية الصحافة المطبوعة تراجعت بين المواطنين في دول الاتحاد الأوروبي خلال السنوات الأخيرة ، إذ انخفضت معدلات الاستهلاك اليومي للصحف المطبوعة من 37٪ في 2012 إلى 29٪ في 2016.

وفي الوقت نفسه، ارتفع عدد المواقع الإخبارية على الإنترنت بشكل كبير خلال العقدين الأخيرين، فعلى سبيل المثال، كان هناك 5 مواقع إخبارية فقط في ألمانيا عام 1995 وارتفع عددها إلى نحو 700 موقع في 2016. وأوضح الموقع أن تراجع استخدام الصحف أثر على أرباح القطاع من الإعلانات، حيث انخفضت قيمة الإعلانات على الصحف في الاتحاد الأوروبي من 22 مليار يورو عام 2009 إلى 15.7 مليار يورو في 2015.

وفي المملكة المتحدة، توصلت دراسة استقصائية حول معدل قراءة الصحف إلى أن 19% من البالغين في المملكة المتحدة يقرأون الصحف المطبوعة يوميا، بينما ترتفع النسبة إلى 23% بين البالغين القارئين للأخبار على المواقع الرقمية.

أما بالنسبة إلى أكثر الأسباب التي تدفع الناس لاستخدام الصحف المطبوعة، فإن 42% من البريطانيين يعتقدون أن الصحف المطبوعة تنشر تعليقات أفضل الخبراء على الأخبار.

وفي عام 2016، كانت صحيفتا ديلي ميل وذات صن، أكثر الصحف البريطانية وصولا إلى القراء شهريًا من خلال صحفها المطبوعة ومواقعها الرقمية، حيث وصلت الأولى إلى أكثر من 17 مليون قارئ والثانية إلى 13 مليون.

وكذلك في باقي أنحاء أوروبا، أظهر استهلاك الصحف اتجاهاً تنازلياً مماثلاً، ففي إسبانيا، انخفضت نسبة الأشخاص الذين يقرأون الصحف اليومية من 37.7% في عام 1997 إلى 25.6% في عام 2017، فيما انخفضت مبيعات الصحف اليومية في ألمانيا من 22.57 مليون نسخة في عام 2003 إلى نحو 16.5 مليون نسخة في 2016. أما في فرنسا فقد أفاد 64% من المواطنين بأنهم غير مستعدين للتخلي عن الصحافة المطبوعة خلال السنوات الثلاث المقبلة.

الرابط المختصر