بقلم مجدي سرحان ـ رئيس مجلس إدارة جريدة حابي
نتوقف أمام الحديث «المُسَيَّس» الذي نطق به الدكتور مختار جمعة وزير الأوقاف.. حول حُرمانية أخذ أموال «المال العام» وفتواه بأن « المتهربين من دفع أموال الضرائب لا صوم لهم ولا صلاة ولا حج».. لنؤكد ـ بادئ ذي بدء ـ أن هذا الحديث إنما ينطوي على خلط واضح في مفاهيم ومقاصد الشريعة.. فيما يتعلق بالمال العام ومشروعية فرض الضرائب وأحكام الزكاة.. وهو خطأ ما كان ينبغي أن يقع فيه الشيخ الجليل المسئول عن صياغة الخطاب الديني وشئون المساجد وأئمتها وما يصدر عنها فعلا وقولا.
•• معلوم للجميع
ان مناسبة ما يقوله الوزير هو الجدل الدائر بين الناس حول الضريبة العقارية على الوحدات السكنية.. وما يراه البعض من عدم جواز فرض هذه الضريبة.. وتحريضهم لملاك الوحدات على عدم دفعها.. فأراد وزير الأوقاف أن يدلي بدلوه.. ويوجه منابر المساجد ـ كالعادة ـ لمحاولة التأثير على مواقف الناس وتوجهاتها.. وإن كنا نود ألا يكون هذا التوظيف في غير موضعه.
من هنا.. نقول: إننا لا نختلف مع الدكتور جمعة فيما قاله ـ كمبدأ ـ «إن من يعتدى على المال العام أو يسهل الاعتداء عليه يرتكب إثمًا كبيرًا».. لكننا نحتاج فقط الى «ضبط مفاهيم».. خاصة ما يتعلق بتعريف «المال العام».. وشرعية فرض الضرائب.. وتأثيم دفعها.. وهل هي كأموال الزكاة؟.
بل كنا نتمنى لو أفتانا فضيلته في مدى شرعية دفع الضريبة أو حتى زكاة المال على وحدة سكنية يقطنها إنسان وأسرته؟.. ولو أفتانا أيضا في شروط فرض الضريبة.. ومتى يجوز «كتمان المال» أو منع دفعه لغير الزكاة؟!
•• فحتى الآن
لم يتفق علماء الدين.. ولم يجتمعوا على رأي واحد حول شريعة فرض الضرائب.. وهناك من يرى أن الضرائب التي تقررها الدولة وتفرضها على الناس لا علاقة لها بما فرضه الله عليهم من زكاة المال.. بل يقولون ما هو أكثر من ذلك.. وهو أنه «ليس هناك ضرائب تتخذ كقوانين في الإسلام وإنما يمكن للدولة المسلمة أن تفرض ضرائب معينة لظروف خاصة فإذا زالت الظروف زالت الضريبة».. وحتى هذه الحالة تكون مشروطة بأن تكون الضريبة عادلة.. وأن يكون «بيت المال» أو خزينة الدولة فارغة.. وأن تكون لمواجهة ضرورة استثنائية.. وأن يجرى انفاقها في مصلحة حقيقية للدولة.
فما رأي وزير الأوقاف في ذلك؟.. وما رأيه أيضا فيما يذهب إليه علماء بجواز «كتمان المال» إذا ما كانت الدولة تأخذ ضرائب على المواطنين غير الزكاة.. وتصرفها في غير مصارفها الشرعية؟.
•• والأهم أيضا
كنا نود أن نعلم رأي فضيلة الوزير في مدى شرعية فرض الزكاة وبالتالي «الضريبة» على السكن الخاص.. تلك التي تعرف شرعا باسم «زكاة المستغلات».. حيث «المستغلات هي الأموال التي لا تجب فيها الزكاة لعينها، ولم تتخذ للتجارة ولكنها تتخذ للنماء؛ فتغل لأصحابها فائدة وكسبًا بواسطة عينها، أو بواسطة بيع ما يحصل من إنتاجها، مثل ما يؤجر من الشقق والعمارات ووسائل النقل ونحوها، وما ينتج ويباع إنتاجه مثل المواشي والأغنام والدواجن ونحوها التي تربى في مزارع ونحوها، ويجرى علفها لبيع نتاجها، وكذا المصانع التي تنتج ويباع إنتاجها».. إذ أن «زكاة المستغلات تكون على الدخل الناتج عنها فقط دون قيمة أصولها».
•• هذه هي المسألة
وهذا هو أساس الخلاف.. إذا كان لا يجوز تحصيل الزكاة على قيمة أصول «المستغلات».. فهل يجوز شرعا تحصيل الضريبة على قيمة السكن الخاص؟!.. ليتنا نسمع رد فضيلة الشيخ الدكتور مختار جمعة وزير الأوقاف.