بقلم أحمد رضوان ــ رئيس تحرير جريدة حابي
في الأعوامِ الثلاثة الأخيرة، نشطت الاشتراكاتُ الرقمية بصورة غير عادية في عدد واسع من الصحف العالمية التي بدأتْ رحلتها نحو التحول الرقمي قبل ما يزيد عن 10 سنوات.
تدرَّج متوسط نصيب الاشتراكات الرقمية من إجمالي الإيرادات، إلى أن وصل لحدود ثلثِ ما تجنيه المؤسسة من أموال، وتُوزع الثلثين بين الإعلانات بشقيها الورقي والديجيتال، ومبيعات النسخة المطبوعة.
لم أصلْ إلى معادلة واضحة حول الفارق بين هامش الربحية المحقق بين أعمال الديجيتال والصحافة المطبوعة، ولكن بطبيعة الحال، لا يتمُّ تحميل المنتجاتِ الرقمية بتكاليف الطباعة والتوزيع وما يرتبطُ بها من مصروفاتٍ إدارية وهي أعلى بكثيرٍ من حجز الخوادمِ وتكاليف الصيانة الدورية، وبطبيعة الحال أيضًا، تَشكو مختلف الصحفِ من خسائر نسخها الورقية.
بالتأكيد مرت الصحافةُ العالميةُ بنفس المشاكل التي نمرُّ بها حاليًا ليس فقط على مستوى ارتفاع تكاليف الطباعة، ولكن أيضًا على مستوى عزوفِ نسبة معقولة من القراء عن شراء الصحف الورقية في مقابل الاكتفاء بتصفُّح ما تنقله المواقع الإخبارية المتعددة والتي بات من السهل جمعها ومتابعتها على شاشة واحدة عبر خدمة يُتيحها موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، أو تحميل أحد تطبيقاتِ الموبايل القائمة على جمع المحتوى من عشرات بل مئات الصحف.
رفعُ الأسعارِ كان أحد الأدوات لمواجهة التراجع الكبير في الإيرادات والابتعاد عن شبح الخسائر، ولكن لم يكن أحدَ الحلول، وهناك فارق كبير بين الأداة والحل.
باستثناء الصحف شديدة التخصص لما تتميَّز به من قدرة كبيرة على الحفاظ بقارئها النوعي.. استخدمت مؤسساتٌ صحفية عالمية سلاح رفع أسعار النسخ المطبوعة من أجل تشجيع وتحفيز القارئ على شراء النسخة الرقمية، وبالتالي تم الوصول إلى معادلة مفادها خفض عدد النسخ التي يتم طبعها ومن ثَمَّ الحدّ من الخسائر المحققة عن النسخة الواحدة؛ لأن زيادة سعر النسخة المطبوعة ربما يُغطي في حالات نادرة مصاريف الطباعة والتوزيع، لكن من الصعب أن يُغطي معها مصاريف الانتاج.
تلخصتْ أهداف النسخة المطبوعة في توفير الخدمة الصحفية بصورتها التقليدية لشريحة معينة من القراء التي ما زالتْ تشعر بترابطٍ ما مع أوراق الصحيفة، أما زيادةُ سعرها فهدفه الرئيسي هو تحفيزُ عدد كبير من القراء على تركِها من أجل الحصول على نسخة رقمية بسعر أقلّ.
لم أجد فيما قرأتُ وسمعتُ عن خُطط زيادة أسعار الصحف المحلية ما يفيد بتوظيف هذه الزيادة في هذا الغرض، وأعتقد أنَّ الصحف وخاصةً الحكومية المثقلة بالديون لن تمثل لها هذه الزيادة طوقَ النجاة نحو وضع مالي أفضل. بقدر ما هي محاولة لتقليل المعاناة وليس للقفز بعيدًا عنها إلى آفاق جديدة تتحول فيها زيادة سعر الصحيفة إلى مجرد أداةٍ لتحقيق هدف أكبر وأكثر واقعية وسط التطور االتكنولوجي الكبير الذي نمرُّ به يومًا بعد يوم.
نحاول عبر ملف مرفق في هذه الصفحة أن نقدم شيئًا من واقع الصحافة المطبوعة والديجيتال وتحديات وفرص كل منهما، كما أنَّ المؤشرات والرسوم المرفقة، تُغني كثيرًا عن الإسهاب في رصد عشرات الأرقام الكاشفة للمستقبل.
رغم المعاناة.. الصحافة الورقية قادرة علي الصمود