بقلم مجدي سرحان ـ رئيس مجلس إدارة جريدة حابي
قبل أيام.. افتتح الرئيس عبد الفتاح السيسي مجمع انتاج الأسمنت والرخام والجرانيت العملاق في بني سويف.. وخلال الافتتاح قال الرئيس إن الغرض من مثل هذا المشروع هو تحقيق التوازن في الأسعار بالأسواق.. بدليل انخفاض سعر طن الأسمنت الى 900 جنيه بدلا من 1200 جنيه.. بسبب وجود فائض انتاج قدره 12 مليون طن.
هذا هدف جميل.. ومهم.. لكنه ليس كل الطموح.. لأن ما نطمح له أكبر من هذا التوازن المطلوب في السوق المحلي.. ويتعداه الى غزو الأسواق الخارجية بالتصدير وتحقيق فوائض في الميزان التجاري.
وهنا نتذكر ما أعلنته وزارة الطاقة والصناعة والثروة المعدنية السعودية قبل أيام أيضا.. عن البدء في إنشاء مدينة استثمارية عملاقة لصناعة السيارات.. حيث قال بيان صادر عن الوزارة: إن السعودية تطمح من وراء إنشاء هذه المدينة الى تحويل المملكة للاعب أساسي وفاعل في عملية صناعة السيارات وغزو السوق العالمي..
ومن أجل ذلك ستقوم الدولة بتوفير العديد من المزايا والتسهيلات للمستثمرين في هذا القطاع.. وخصوصا توفير المواد الأولية.. بأسعار منافسة من أجل تشجيع المستثمرين الأجانب على الاستثمار في تلك المدينة.
•• هكذا يكون الهدف
وهكذا يكون إصلاح الاقتصاد.. وهذا ما يسمونه في العلوم الاقتصادية التحول من «الاقتصاد الريعي» الى «الاقتصاد الانتاجي».. ما يعني ببساطة أن تعتمد التنمية على الانتاج الصناعي.. باستخدام الموارد والثروات المحلية.. وفي مقدمتها الثروة البشرية بالطبع.. بدلا من الاعتماد على الاقتصاد الريعي القائم مثلا على انتاج سلعة مثل البترول أو الغاز.. وما يترتب على ذلك من مخاطر تتعلق بالتأثر بتحولات واهتزازات الأسواق العالمية و التفاعلات السياسية..
وبدلا أيضا من الدوران داخل دوامة الاقتصاد الريعي الذي يعتمد على «الجباية».. أي التوسع في فرض الضرائب والرسوم على أي شئ.. وكل شئ.. وانسلاخ الدولة عن أداء دورها الاجتماعي القائم على دعم السلع والخدمات الضرورية لمواطنيها.. ووضع برامج وخطط زمنية «قاسية» لرفع هذا الدعم دون اعتبار حقيقي لتكلفته الاجتماعية الفادحة.
•• وهناك تعارض كبير
بين التحول الى الاقتصاد الانتاجي وبين التوسع في «الجباية».. لأن الجباية لا تصنع نموا حقيقيا للاقتصاد.. كما أن لها انعكاسات ضارة علي زيادة التضخم وارتفاع اسعار السلع والخدمات مع تقليص القوى الشرائية لدى الأفراد.
كما أنه من المعلوم نظريا وعلميا أن أموال الجباية لا يمكن أن تكون مصدرا أساسيا ودائما لإيرادات الدولة.. مهما كانت قيمة هذه الأموال.. لانها ستظل دائما محدودة بمدى ما يمكن أن يتحمله المواطن من ضغوط مترتبة على التوسع في تحصيل هذه الأموال..
أضف الى ذلك التبعات السياسية والاجتماعية والأمنية الناتجة عن شعور الأفراد بعدم الرضا عن هذه السياسات.. التي تتعارض أيضا مع النصوص الدستورية المتعلقة بهوية النظام الاقتصادي للدولة كاقتصاد حر يرتبط مفهومة نظريا بـ «قصر تدخل الدولة في الاقتصاد علي التنظيم، بحيث لا يتعدى فرض الضرائب لتمويل ما يلزم لحماية حرية السوق».
•• من أجل ذلك
قلناها.. وسنظل نقولها مرارا وتكرارا: إن مستوى التقدم الاقتصادي للأمم يقاس بتقدمها الصناعي.. فالصناعة هي الركيزة الأولى والطريق الصحيح للتنمية الاقتصادية والاجتماعية .. وكلما ارتفعت مساهمة الصناعة في الناتج المحلي الإجمالي .. وفي توفير فرص العمل .. وفي التصدير .. كان ذلك دليل تقدم وقوة للاقتصاد.
ونحن في مصر.. نستطيع القول أنا بدأنا نخطو الخطوات الأولى بنجاح في هذا الطريق.. رغم ما نمتلكه من مقومات وقدرات وفرص واعدة لبناء صروح عملاقة (على غرار التجربة السعودية الطموح) في مجالات عديدة.. كالصناعات الهندسية (الحديد والصلب والسيارات ) والإلكترونية والكهربائية .. والأدوية والمواد الغذائية والتبغ والصناعات الكيماوية (الأسمدة والأسمنت) والغزل والنسيج والملابس والجلود.. وغيرها من النشاطات الصناعية التي لو أُحسن استغلالها وإدارتها.. وفق استراتيجية قومية تقودها الدولة .. بالمشاركة مع القطاع الخاص الذي يمتلك امكانيات استثمارية ضخمة معطلة في دهاليز الروتين والفشل الإداري والفساد.. لتغير وجه الحياة في البلاد.
•• السعودية تسير الآن بخطوات ثابتة على الطريق الصحيح.. نفس الطريق الذي صنعت به ماليزيا ودول «النمور الآسيوية» نهضتها ونموها.. وهو ما نأمل أن تلحق به الدولة المصرية الى جانب ما تبذله من جهود ضخمة في مجال مشروعات البنية الأساسية والخدمات.