منظومة حماية المستهلك.. العرجاء !!

aiBANK

بقلم مجدي سرحان ـ رئيس مجلس إدارة جريدة حابي

سؤال مباشر: هل نحن نمتلك منظومة حماية مستهلك حقيقية؟.. ما شكل هذه المنظومة؟.. وما هي آلياتها وأدواتها؟.. وهل حماية المستهلك تقف فقط عند حدود أن يتقدم المستهلك بشكوى الى جهة الاختصاص.. فتتحرك للتحقيق فيها وتحيل الى المحاكم المختصة للفصل في الشكوى.. أما ما يحدث في الأسواق من إنعدام السيطرة على أسعار السلع.. وارتفاعاتها الجنونية وغير المبررة.. فلا علاقة للدولة بها.. لأنها مسألة تتعلق بـ «العرض والطلب» مثلما يقول لنا وزير التجارة والتموين الدكتور على المصيلحي ؟.

E-Bank

•• سؤال آخر:

هل تستطيع أجهزة الدولة في ظل ما تمتلكه الآن من أدوات مراقبة.. فرض حماية حقيقية للمستهلكين في مواجهة مافيا الممارسات الاحتكارية التي تتحكم في أسعار السلع.. دون حساب او عقاب؟.

الحقيقة هي انه لا يمكن الحديث عن وجود منظومة لحماية المستهلك في مصر .. في ظل هذه الفوضى العارمة في أسعار السلع .. كل السلع .. لدرجة أن تباع نفس السلعة في نفس الوقت .. وربما في متجرين متجاورين .. بفروق جنونية وغير منطقية بالمرة .. وأيضا لدرجة أن يتغير سع السلعة الواحدة .. ومعظمها سلع معمرة .. بمقادير عنيفة جدا .. بين يوم ويوم .. وحتى بين ساعة وساعة .. بلا أي سبب منطقي.

ولا أحد يراقب .. أو يحاول منع ما يحدث .. ولا توجد أصلا سلطة تستطيع منع ذلك .. رغم الظروف بالغة الصعوبة التي يمر بها المستهلك المصري .. في ظل تطبيق إجراءات اصلاح اقتصادي مؤلمة ومرهقة .. يتحمل فاتورتها المواطن دون مراعاة لأبعاد اجتماعية وسياسية لهذه الإجراءات.. مع كامل احترامنا لما يبث من حملات دعائية وإعلامية تقول غير ذلك.

•• صحيح

أننا نمتلك جهازا تابعا لوزارة التموين والتجارة الداخلي.. يسمى جهاز حماية المستهلك.. من المفترض أنه يناط به أداء مهمة مراقبة الأسواق.. لكن هل ينجح هذا الجهاز في أداء دوره كاملا.

لا نظن ذلك.. ولا يعود ذلك الى تقصير من العاملين به أو القائمين عليه.. خاصة اذا علمت أن عدد العاملين في هذا الجهاز لا يزيد على 170 موظفا مطلوب منهم أن يغطي عملهم أسواق جميع المحافظات.. وهذا الرقم أكده لي شخصيا اللواء الدكتور راضي عبد المعطي رئيس جهاز حماية المستهلك.

أضف الى ذلك أن منظومة القوانين القائمة والمنظمة لحركة التجارة والرقابة على الأسواق لا تتيح للدولة حق التدخل في الأسعار.. لأن في ذلك ـ من وجهة نظر الحكومة ـ إخلال بقواعد الاقتصاد الحر الذي ينص عليه دستور الدولة.. أما كل ما تملك الأجهزة الرسمية فعله فهو هو مراقبة إعلان التاجر أسعار السلع التي يبيعها .. لا يهم كم يبلغ هذا السعر؟ وكم كسب التاجر من ربح؟

•• في الاقتصاد الحر

هذا أمر طبيعي .. لا أسعار إجبارية .. ولا رقابة رسمية على الأسعار .. ويقع على المستهلك عبء البحث عن السعر الأفضل والامتناع عن اتخاذ قرار الشراء بالسعر المبالغ فيه .. وهناك المؤسسات والتنظيمات الأهلية أو المدنية ـ مثل جمعيات حماية المستهلك والإعلام ـ التي تكون وظيفتها هي توعية المستهلك بأحوال السوق .. وبالأسعار المناسبة للسلع .. وتنظيم الحملات الجماعية لمواجهة الاحتكارات وجشع التجار.

لكن لايمنع ذلك بالطبع من محاولة الدولة ابتكار أساليب .. في حدود الضوابط القانونية المتاحة .. لضبط الأسواق و«ترويض» الأسعار والتجار .. وهذا ما حاولته الحكومة بالفعل .. عندما تقدمت باقتراح لالزام المصانع بكتابة أسعار البيع للمستهلك على عبوات السلع .. لكن اعترضت اتحادات الصناعات والغرف التجارية عليه .. وتم اجهاض الاقتراح.

•• وفي اعتقادنا

ان هناك قصورا كبيرا في آليات وأدوات حماية المستهلك وضبط الأسواق.. وكذلك وجود خلط في مفاهيم نظام «الاقتصاد الحر» أو «اقتصاد السوق» أو «آليات العرض والطلب».. تلك التي نرى أنها لا تعني ترك الحبل على غاربه لفئة من التجار لتتلاعب بالأسعار وتبالغ في جني المكاسب.. لدرجة أن يتحول الأمر من كونه تجارة الى نهب لأموال المستهلك الذي لا حول له ولا قوة ويضطر صاغرا للاستسلام لهذا الجشع.. لأنه ليس أمامه بديل.

ولا شك أن هناك فرقًا كبيرًا بين ما يعتبره الدكتور مصيلحي «آليات عرض وطلب» وبين «الممارسات الاحتكارية» التي يجرمها القانون ويمنح الدولة الحق في التدخل لمنعها.. ولو بفرض أسعار جبرية رغم تعارض ذلك مع «حرية التجارة» بمفهومها المطلق.

•• ونرى أيضا

أنه من الظلم أن يتحمل جهاز واحد في الدولة ضعيف الأدوات والإمكانيات.. مثل جهاز حماية المستهلك.. كل هذه المسئولية.. لأن كل ما يستطيع أداءه في هذه الحالة هو تلقي الشكاوى والتحقيق فيها.. أما مهمة ضبط الأسواق وتوفير الحماية الحقيقية والكاملة للمستهلكين فهي أكبر من إمكانياته.. وتحتاج الى تضافر جهود كل أجهزة الرقابة الرسمية.. والتنسيق بينها.. وقبل ذلك تطوير أدواتها وتوفير البيئة التشريعية الحامية لها والمناسبة لتمكينها من العمل.. وبدون ذلك ستظل منظومة حماية المستهلك عرجاء.. وضعيفة.

الرابط المختصر