فرص مصر من أزمات الأسواق الناشئة

aiBANK

بقلم أحمد رضوان ــ رئيس تحرير جريدة حابي

في العدد الماضي، تناولت «حابي» بالشرح والتحليل طبيعة الأزمات التي تمرُّ بها الكثير من الأسواق الناشئة، وكيف تأثرت عملاتها وأسواقها المالية بموجات خروج المستثمرين نحو المخاطرِ الأقلّ والفائدةِ المضمونة حينًا، وحينًا آخر نحو الفائدةِ الأكبرِ والمخاطرةِ الأعلى.

E-Bank

وعرضت «حابي» سيناريوهين لآراء كبار محلّلي أسواق المال والنقد؛ الأول يؤكد أنَّ الأزمات الداخليةَ للدول هي المحكُّ الرئيسي وطالما تميزت الدول بأسس اقتصادية قوية فإنها ستعبر هذه الأزمة بسرعة وبخسائرَ أقلَّ، أما الدول التي تُعاني من مشاكل هيكلية، فستواجه أيامًأ أشدّ قسوة من الراهنة.

والسيناريو الثاني رأى أن عدوى انهيار العملات وأسواق المال الناشئة مكْمَنها الرئيسي الصراع الدائر بين الدول المتقدمة على امتصاص الأموال سواء من خلال رفع أسعار الفائدة أو فرض إجراءاتٍ حمائية ممثلة في رسوم كبيرة على الواردات.

وهو الأسلوب الذي انتهجتْه الولايات المتحدة الأمريكية مع الصين وأوربا وكندا، وعدلت عنه إلى حدٍّ كبير عبر اتفاقية تجارة حرة مع المكسيك.. وهذا السيناريو يؤكد أن العدوى لن تترك سوقًا ناشئة إلا وتمر بها، ثم ستذهب ككرة الثلج إلى الأسواق المتقدمة أيضًا.

وفي العدد الذى بين أيديكم الآن، والمتاح على بوابة حابي جورنال hapijournal.com، نفتح ملفًا واسعًا حول موقف مصر من هذه الأزماتِ، وإلى أيّ مدى من الممكن أن تؤثِّر على الاقتصاد المحلي، وما هي الإجراءات الواجب اتباعها للحدِّ من سلبيات العوامل الخارجية على أسواق المال والنقد، وقطاعات السياحة والعقارات والاستثمار والتصدير.

ما أتناوله في هذا المقال هو الفرص التي من الممكن أن تجنيها مصر من الأزمات التي يَشهدها العالم في الوقت الراهن، ربما يوحي هذا الطرحُ بالإفراط في التفاؤل، ولكن في حقيقة الأمر هو طرح واقعي، وربما يكون أسلوب تفكير اعتدتُ عليه واختبرتُه في ظروف كثيرة، ملخصه.. كيف نخرج من الأزمة بمكاسبَ أكبر وأكثر استقرارًا من تلك التي كان من الممكن أن نجنيها في الظروف العادية، كيف ومَن يفتش عن الفرص ويُدير خطة الوصول إليها، هل ما نفعله في يوم العمل العادي وطريقة تفاعُلنا مع تفاصيلة سيكون ملائمًا في الوقت الحرج؟

بكل تأكيد، كان من المهم مع بدايات ظهور أزمة قابلة للتحول إلى عدوى تضرب مختلف الأسواق الناشئة، أن يتم تشكيل وحدةِ عمل متخصصة في متابعة هذه الأسواق وتقديم توصيات فورية للحكومة يتم على أساسها تحديد خططِ العمل قصيرة ومتوسطة الأجل، وأن يكون العمود الفقري لتشكيل هذه الوحدة من رؤساء أقسام البحوث ببنوكِ الاستثمار وممثلي الشركات صاحبةِ الوزن الأكبر في الصادرات الصناعية المصرية، والإيرادات السياحية الأعلى، فهاتان السوقان هما مكمن الفرص؛ لأن الإيراداتِ الاستثنايةَ التي جاءت من تحويلات المصريين بالخارج في العام الأخير أعتقد أنها لن تتكرر، ووسط عالمٍ تُسيطر عليه الأفكار الحمائية، لا أظن أن هناك آمالًا كبيرة في تحقيق طفرة بالاستثمار الأجنبي المباشر باستثناء الوافدة على قطاع البترول.

مصر لطبيعة ما مرّت به من أزمات، استبقت الكثير من الدول في إجراءاتٍ حمتها من التأثر الشديد بعدوى الأسواق الناشئة، ولكنَّ حُسن الحظ هذا لن يستمرَّ بإجراءاتٍ يوميةٍ عاديةٍ تُراهن دائمًا وأبدًا على النمو الناشئ من القطاع العقاري، أو بتدبير احتياجات النقد الأجنبي بطرق الاقتراض التقليدية.

الدولار بات أكثر قوة، أصبح عملة غالية فوائدها تتحرك من صعود إلى صعود، لا أتحدث هنا عن مسألة الحصول عليه فقط، وإنما أيضًا عن ردٍّ ما قد حصلنا وما زلنا نحصُل عليه، اتفاقات التمويل الثنائية هي في حقيقة الأمر دين، بكل تأكيد يذهب للاستثمار المباشر، ويوفر فرص عمل ويُحقق تنمية، لكنه في الأول والأخير دين يجب أن يُرد.

إذا ما اتفقنا أن قطاعي التصدير والسياحة هما فرس الرهان في هذا الوقت، فعلينا أن نجيب عن السؤال الثاني.. هل نحتاج إلى مزايا مختلفة لتنشيط الصادرات والسياحة؟ بكل تأكيد نعم، ما يصل إلينا عبر الإيميلات ودعاية مواقع التواصل الاجتماعيّ من برامج سياحية منخفضة التكلفة مقارنةً بالسياحة الداخلية في دول لا تتمتع بربع شواطئ مصر وعَشر آثارها، يؤكد أن هناك شيئًا ما يجب علينا فعله، ولن نعرفه إلا بالرجوع لقلبِ العاملين في هذا القطاع من القطاع الخاص. نفس الشيء بالنسبة للصادرات؛ فالانخفاضُ الكبير في سعر العملة المصرية منذ نوفمبر 2016، لم تقابله طفرة في صادرات مصر، وعلى العكس تمامًا، دول أخرى مجاورة لم تنخفض عملاتها بنفس النسبة التي تعرّض لها الجنيه المصري، حققت طفرات في قطاعات حيوية في مقدمتها صناعات المنسوجات والملابس.

ما الفرق إذن؟ يبدو أن خُطط إنعاش الصادرات المصرية فقدت العنصر الأهمّ وهو المنتج، كل شيء كان معدًّا لإنعاش الصادرات، ولكن كان الاهتمام الأول والأخير بقطاعات التشييد والعقار والبنية التحتية؛ لذا، لم يكن غريبًا أن نعبر فرصة ذهبية لتحقيق طفرة في صادرات مصر دون أن نقتنصها.

بغضِّ النظر عما حدث، ما تمرُّ به الأسواق الناشئة به تحديات كثيرة، لكنه يزخر أيضًا بالكثير من الفرص، علينا أن نفكر جيدًا، ليس فقط في كيفية اقتناصها، وإنما أيضاً فيمن لديهم القدرة على وضعها بوضوح أمام أعيننا.

الرابط المختصر