لماذا يرفع البنك المركزي الفائدة .. ولماذا يثبتها؟

aiBANK

بقلم أحمد رضوان ـ رئيس تحرير جريدة حابي

شهدت الأيام الأخيرة جدلا واسعا حول القرار الأمثل للتعامل مع سعر الفائدة علي الجنيه المصري فى ظل الارتفاعات المتتالية التى شهدتها عوائد الكثير من عملات الأسواق الناشئة.

E-Bank

الخميس المقبل، تجتمع لجنة السياسة النقدية لاتخاذ قرارها الدوري حول سعر الفائدة الأساسية على الجنيه، وتنحصر التوقعات بين سيناريوهين لا ثالث لهما، إما رفع الفائدة وإما تثبيتها.

رجح تقرير عن احتمالات قرار المركزي تجاه الفائدة، أصدره قسم البحوث بشركة شعاع والذى يقوده ويرأسه واحدا من أهم العاملين فى هذا المجال، وهو الأستاذ عمرو الألفي، وأعدته محلل الاقتصاد الكلي إسراء أحمد، أن يحافظ البنك المركزي وبنسبة 80% علي سعر الفائدة الحالي، لأسباب منها السيطرة على تكلفة الدين وعدم التأثير بالسلب على البورصة، إلي جانب غياب الضغوط التضخمية.

أما رفع الفائدة وهو الاحتمال الأضعف وفقا للتقرير، فتدعمه الحاجة إلي الحفاظ على جاذبية أدوات الدين الحكومية وجذب سيولة أجنبية تؤمن الإنفاق العام وتعزز استقرار سعر الجنيه فى مواجهة أية ضغوط محتملة قد تنتج عن أسعار الفائدة الأعلي فى دول أخري مثل تركيا والأرجنتين.

بخلاف تقرير شعاع، لم أصل إلي تقارير بحثية أخري تناقش هذه المسألة الشائكة، وربما تشهد الأيام المقبلة ظهور بحوث جديدة تبحث نفس أو زوايا أخري من إشكالية التعامل مع سعر الفائدة علي الجنيه فى هذا الوقت.

دعونا الآن نطرح سؤالا ونحاول الإجابة عليه.. هل نحن بصدد مشكلة؟ وما هى أماراتها؟ وما هى حلولها؟

أرى أننا فى بدايات مشكلة ومن الواجب الاعتراف بها ووصفها.. خلال الأيام الأخيرة لم نعد أمام تراجعات فى أسواق المال الناشئة فحسب، بل أمام صعود قياسي للأسواق المتقدمة بدعم من 3 عوامل رئيسية، الأول مؤشرات اقتصادية إيجابية على مستوى النمو وفرص العمل ومشتريات القطاع الخاص، وهذا ظهر بوضوح فى أوروبا (بريطانيا) وأمريكا.

داو جونز يسجل مستوى إغلاق قياسيا مرتفعا

العامل الثاني هو التغيرات الكبيرة المرتقبة فى حركة التجارة العالمية والتى من المرجح أن تجعل أسواق التصدير من العالم الناشئ إلي المتقدم أكثر تنافسية وانتقائية بعد الإجراءات الحمائية التى تظهر كالشمس فى أمريكا على سبيل المثال لما تمثله من وزن كبير فى التجارة العالمية، أو تتواري فى الظل فى دول ناشئة مثل تركيا التى تسعى لدعم الليرة عبر ترشيد شئ من الواردات، وتسعى فى الوقت نفسه لتنشيط صادراتها عبر مساندة المصدرين والمصنعين.

أما العامل الثالث فهو نقدي وتابع للعاملين السابقين.. إذا كان النقد الأجنبي يتحرك شيئا فشيئا نحو الأسواق المتقدمة، وإذا كانت الموازين التجارية ستميل بصورة أكثر حدة لصالح نفس الدول، فالمستقبل القريب يقول أن أسعار الفائدة على عملات الأسواق الناشئة ستتجه لمزيد من الارتفاع لمواجهة سباق أكثر حدة على جذب النقد الأجنبي، وأنه لا يوجد فى الأفق ما يبشر بغير ذلك.

تركيا تتقدم 3 مراكز فى ترتيب أعلى أسعار الفائدة عالميا ومصر التاسعة

بعض الدول التى نراها فى حالة انهيار، هى فى حقيقة الأمر لا تعانى عجزا بموازناتها يزيد عن 3% فقط، ولا تستورد ضعفى ما تصدره، وأقل اعتمادا على المنح والمساعدات واتفاقات التمويل من غيرها، ما أقصده هنا أن وضع اقتصادها الحقيقي أكثر قدرة على التماسك فى مواجهة الأزمات الخارجية طارئة كانت أو مستمرة، ورغم ذلك تقول بوضوح أنها تواجه أزمة وتتعامل معها بإجراءات يومية، وربما هذا مكمن الشعور العام هنا فى السوق المحلية بأن العالم ينهار من حولنا .. ومن حولنا فقط.

الواردات تنمو بنسبة أكبر من الصادرات المصرية فى 7 شهور

كيف سيتعامل البنك المركزي إذن مع سعر الفائدة فى اجتماعه المقبل؟ هل سيفضل أن تنعكس التطورات الإقليمية والمحلية على سعر الجنيه الذى لم يؤثر ضعفه على مدار العامين الماضيين فى انعاش الصادرات؟ هل سيرفع الفائدة للحفاظ على تدفقات النقد الأجنبي فى سوق أدوات الدين ومنع تسرب المزيد منها؟ هل سيثبتها بهدف الانتظار لبناء صورة أكثر وضوحا عن الوضعين المحلي والإقليمي؟

لا اختلف مع تقديرات تقرير شعاع من أن الاحتمال الأرجح هو تثبيت سعر الفائدة، ولكن.. اعتقد أن رفعها هو الحل الأسلم، والآثار السلبية الناتجة عن رفع الفائدة حدثت بالفعل، مؤشرات البورصة تراجعت بصورة قياسية على مدار جلسات الأسبوع الماضي (المؤشر الرئيسي انخفض بنحو 8%) ، تكلفة الدين ارتفعت أيضا فى آخر طروحات سندات الخزانة، والإلغاءات التى تمت لثلاث عطاءات من السندات بات من الصعب أن تتكرر، مبيعات الأجانب فى سوق السندات اقتربت من مليار جنيه الأسبوع الماضي.

مصر تلغي عطاءي سندات للمرة الثالثة بعد طلب عوائد مرتفعة

هذا الرفع المؤقت ليس حلا، وإنما إجراء موقتا يؤكد التفاعل مع عالم يواجه ويتابع منذ شهرين أزمات تعيد ترتيب أسواقه وتجارته، ويجب أن تتبع الإجراءات النقدية ــ مثلما أشرنا فى مقال سابق ـ إجراءات غير تقليدية لتحفيز الصادرات والسياحة، وكلاهما لن ينطلق إلا بتطوير وتحفيز الصناعة الداخلية والزراعة، وتحديث خدماتنا الفندقية، وتشجيع الطلب المحلي لانعاش الشركات، إلي جانب ترشيد الانفاق غير الأساسي، وتحديدا فى القطاع العقاري وكل ما يرتبط به من بزخ لا يعبر عن وضعنا الاقتصادي.

العقار .. هل مازال ملاذاً آمناً!!

أمريكا تدعم المزارعين بقيمة 4.7 مليار دولار

عدم الإنكار، وترك آليات السوق تعمل يجنبنا مستقبلا الحديث عن تغييرات و(اصلاحات) مفاجئة ومختلف عليها وطاحنة للكثيرين، كتلك التى مرننا بها قبل شهور، وذلك إلي أن نري مصادر أخري للنقد الأجنبي بعيدا عن الدين والمنح، فكله سيرد بفوائده، وبأوارق أكثر أمام كل دولار.

محمود محيي الدين يكتب: دروس مهملة من الأزمات المالية

قبل عامين، كنا نحتاج إلي 7 جنيهات لسداد كل دولار دين.. اليوم نحتاج إلي 17.8 جنيه لسداد كل دولار دين، والتضخم الذى شهده عجز الموازنة لم يأتي فقط لأننا كنا نأكل وندفع الأجور بالسلف.

اقرأ أيضا

حتَّى لا تتكرَّر تراجيديا أبراج

أيامٌ صعبةٌ على الأسواقِ الناشئةِ

فرص مصر من أزمات الأسواق الناشئة

دروسٌ جديدةٌ

الطروحات الجديدة وأزمات الأسواق الناشئة

 

الرابط المختصر