منير فخري عبد النور: لا صناعة سيارات قوية بلا حوافز كبيرة

كواليس أول استراتيجية لتنمية القطاع فى مصر وأسباب توقفها

فريق حابي

بعد عدة سنوات من الحديث عن وضع استراتيجية لتنمية صناعة السيارات ، مازال السوق يترقب تحرك الدولة تجاه دفع عجلة الاستثمار فى هذا القطاع الذي يشهد منافسة إقليمية قوية وحوافز متعددة تعرقل فرص السوق المحلية فى جذب الشركات العالمية التي تستهدف وضع قدم مؤثرة بالقارة الافريقية للتوسع فى التصدير.

E-Bank

كما يترقب السوق المحلي تطبيق التعريفة الصفرية على جمارك السيارات الأوروبية إعتبارا من مطلع 2019، ما يخلق تحدي كبير أمام فرص النهوض بهذه الصناعة الناشئة التي مازالت فى طور البحث عن الحوافز الأنسب لخوض المنافسة على جذب الاستثمارات الانتاجية بالقطاع.

وفى ضوء هذه الأوضاع أجرت حابي حوارا مع وزير الصناعة الأسبق منير فخري عبد النور، صاحب المبادرة الاولى لوضع إستراتيجية صناعة السيارات، والتي أثمرت عن إعداد مشروع قانون تعثر خروجه للنور منذ نهاية عام 2015.

و كشف عبد النور عن كواليس المبادرة الأولى وأسباب توقفها، كما تطرق لفرص مصر فى الرجوع لحلبة المنافسة فى مجال تصنيع السيارات والصناعات المغذية، إلي جانب دور الدولة فى تنمية هذا القطاع، وطبيعة الحوافز المطلوبة لتشجيع الصناعة وإعادة التوازن للسوق بعد إعفاء السيارات الاوروبية من الجمارك.

تابعنا على | Linkedin | instagram

وأكد عبد النور أن صناعة السيارات تعتبر من أهم الصناعات القادرة على أحداث تنمية حقيقية، مرجعا ذلك إلي ثلاث أسباب رئيسية، يتصدرها كونها معمقة للصناعة، بمعنى أنها ترتبط بعدد كبير جدا من المكونات وبالتالي فإن تشجيع صناعة السيارات يترتب عليه نمو صناعات أخرى.

وأشار الي أن السبب الثاني يكمن فى أن هذه الصناعة تستخدم التكنولوجيات الحديثة المتقدمة فبالتالى قيمتها المضافة كبيرة ، موضحا أن أحد أهداف السياسة الصناعية هو الانتقال من الانتاج ذا القيمة المضافة البسيطة الي إلانتاج بالقيمة المضافة الكبيرة.

وأضاف أن السبب الثالث يتمثل فى كونها صناعة كثيفة العمالة، بمعني أنها تفتح فرص عمل كثيرة، وذلك حتى بإستخدام التكتولوجية الحديثة، ستظل عملية تجميع السيارات قادرة على فتح مجالات للأيدى العاملة.

وقال: وبناء على ذلك فإن صناعة السيارات لها أهمية خاصة فى إطار السياسات الصناعية فى كافة الدول، ومصر لها كل المقومات التى تؤهلها لتنمية هذه الصناعة.

وأكد أن مصر خاضت فى هذا المجال منذ عام 1960، أى قبل نحو 58 عام، شهدت خلالها تكوين كوادر وتراكم معرفي ، وكذلك إقامة بنية أساسية مناسبة.

السوق قادرة فى الظروف العادية استيعاب نصف مليون سيارة سنويا

وأضاف ان السوق المصري كبير وقادر علي أن يستوعب فى الظروف العادية ما لا يقل عن نصف مليون سيارة سنويا، وبالتالي هو سوق كبير وقادر على تحمل الاستثمار بتوسع.

ولفت الي أن التقديرات تشير الي أن هذا السوق قادر على أن يتضاعف خلال 7 سنوات.

وأكد انه بخلاف السوق المحلي مازالت القارة الافريقية تبحث عن مصنع سيارات، وهناك ثلاثة دول كانت تتنافس دائما على لعب هذا الدور وهم وفقا للترتيب ، جنوب أفريقيا ثم مصر ، وثالثا المغرب.

وقال: كنا فى المركز الثاني فى المنافسة على تصنيع السيارات لأفريقيا، فى حين أننا حاليا إبتعدنا عن المغرب بمسافة كبيرة، رغم انها دخلت المجال منذ نحو 7 سنوات فقط فى حين أن نشاط تجميع السيارات بدأ فى مصر منذ منتصف الستينات عبر شركة النصر للسيارات.

وأشار الي أنه رغم تخلف مصر عن المنافسة إلا أن الأمل مازال قائما، نظرا لكون المغرب التي سبقتنا بمراحل، انتاجها يعاد تصدير جزء منه إلي الدول الأوروبية، فيما يغطى باقى الانتاج دول غرب أفريقيا، فى حين تتجه صادرات جنوب أفريقيا إلي دول جنوب القارة.

وأوضح أن مصر ستظل مدعوة لمد دول شرق أفريقيا باحتياجاتها من السيارات، وخاصة دول حوض النيل مثل السودان وكينيا واوغندا واثيوبيا، وغيرها من الدول.

وأوضح عبد النور أنه خلال توليه حقيبة وزارة الصناعة قام بطرح إستراتيجية تهدف إلي تشجيع صناعة السيارات ومكوناتها، لافتا إلي ان هذه الاستراتيجية إعتمدت على النقل الجزئي لتجارب دول مختلفة نجحت فى دفع عجلة انتاج السيارات، منها تركيا والبرازيل وبعض دول جنوب شرق آسيا.

وأشار إلي أن الاستراتيجية تقوم فى الأساس على منح حوافز للمنتجين لزيادة انتاج مكونات السيارات وتجميع السيارات وتصديرها، لافتا إلي أنه عند تركه للوزارة فى سبتمبر 2015، كان مشروع القانون جاهز للمناقشة فى مجلس الوزراء.

وأضاف أن المهندس طارق قابيل الذي تولى حقيبة الصناعة من بعده تلقف مشروع القانون وأضفي عليه بعض التحسينات من خلال الحوار مع الأطراف المعنية، سواء من مصنعي ومجمعى السيارات أو وزارة المالية ومصلحة الجمارك.

وقال:رغم اقتناع الوزيربأهمية الاستراتيجية إلا أن المناقشات أمتدت إلي نحو عامين، واجه خلالها هجوم أصحاب المصالح من الشركات الأجنبية المصدرة لمصر ووكلائها وضغط من الاتحاد الأوروبي الذى رفض الاستراتيجية بدعوى أنها تتنافي مع مبادئ إتفاقية التجارة العالمية التي تتيح حرية التجارة والمنافسة المتكافئة”.

وأكد عبد النور أن هذا الادعاء غير صحيح، مشيرا إلي أنه أثناء قيادته لوزارة الصناعة طرح رسميا على منظمة التجارة العالمية وبالتحديد على أمين عام المنظمة حينها أزيفيدو، التساؤل حول مدى تعارض الاستراتيجة مع مبادئ اتفاقيات التجارة الدولية، وجاءت الاجابة بالنفي فى ظل تطبيق حوافز مشابهه فى عدة دول.

وقال: للأسف ما بين تهديد الاتحاد الأوروبي ومعارضة الشركات المصدرة لمصر ووكلائهم لهذا المشروع، توقف أو تعثر ولم ير النور حتي الان.

التعريفة الصفرية لواردات الاتحاد الأوروبي ستخلق سوقا «غريبا» مع الدول الأخري

وأضاف أنه مع بداية العام الجديد سيتم تطبيق التعريفة الصفرية على جمارك الواردات الأوروبية، ما سيخلق وضع غريب بعض الشئ، حيث أن هذه الاتفاقية ستمنح الدول الأوروبية ميزة استثنائية مقارنة بباقي الدول، تتمثل فى اعفائها من تعريفة جمركية نسبتها 40% على السيارات الصغيرة وتصل الي 150% على السيارات الكبيرة.

وأكد أن ذلك يقضى على آى فرصة لتنمية صناعة السيارات فى مصر، في ظل صعوبة مواجهه منافسة صناعة محلية ناشئة للصناعات الاوروبية المتقدمة.

وقال أن الامل الوحيد للنهوض بهذا القطاع هو من خلال منح حوافز لمنتجى ومجمعى السيارات بصورة أو بآخرى على شاكلة تلك الممنوحة فى إطار الاستراتيجية المقترحة.

وأوضح أن التوصية الرئيسية بهذا الصدد تتمثل فى تغيير الهيكل الضريبي الذي تخضع له الواردات وصناعة السيارات، على صعيدى الجمارك وضريبة القيمة المضافة.

وأضاف أن تغيير الهيكل الضريبي قادر على تحقيق التوازن بين مستويات الضرائب والجمارك المحملة على الواردات من السيارات بين الأوروبية وغير الأوروبية، مع تقديم حوافز للمنتج المحلي فى حالة زيادة نسبة المكون المصنع فى مصر، وكذلك فى حال تصدير جزء من الانتاج سواء فى صورة سيارات كاملة أو مكوناتها بما يشجع نشاط الصناعات المغذية.

وأكد عبد النور أن الدولة مسئولة عن قيام صناعة السيارات، سواء عبر تهيئة المناخ الاستثماري، وتقديم التشجيع والحوافز لجذب الاستثمارات سواء الخاصة أو العامة التى تحتاج أيضا إلي حوافز لتنميتها، وكذلك رفع مستوي التعليم الفني بما ينعكس على كفاءة العمالة المدربة.

على الدولة أن تمد يدها للقطاع الخاص بشراكات تنتهى بالتخارج

كما شدد على أن الدولة هى المسئولة أيضا عن الاستثمار، فى ظل قدرتها على تقديم يد المشاركة للقطاع الخاص، لتجاوز المعوقات و المشاكل البيروقراطية واللوائحية المختلفة، بإعتبارها مرحلة إستثنائية لدفع الصناعة، على أن تتخارج بعد ذلك فى مرحلة نضوجها.

وقال: فى نظرية الاقتصاد المشترك دخول الدولة كمصنع ليس أمرا سيئا، بل مطلوب فى مرحلة معينة فى حالة الصناعات الناشئة أو فى حالات وجود معوقات متعددة تصعب مهمة القطاع الخاص، على أن تعي جيدا أن هذا الدور مرحلى وغير دائم.

وأكد أن مصر سوق جاذبة لكل الشركات العالمية بإختلاف الجنسيات، فى ظل موقعها الجغرافي المميز فى ملتقى ثلاث قارات وعلى رأس قارة افريقيا التى تعد قارة المستقبل بسبب العديد من العوامل ، منها الزيادة السكانية واحتياجها للعديد من الصناعات والخدمات بما يخلق فرص نمو واعدة ومتزايدة.

وأشار إلي أننا تأخرنا بعض الشئ فى استقطاب علامات تجارية مثل رينو التى تصنع حاليا في المغرب وتونس، فى حين أن شركة مثل جنرال موتورز أعربت منذ فترة طويلة عن اهتمامها بالتركيز على التصنيع فى مصر مقارنة بسوق جنوب أفريقيا الذى تتواجد به، بشرط توافر قانون جاذب للقطاع يحتوى على حوافز مشجعة خاصة فى ظل المنافسة القائمة مع السيارات المستوردة.

وقال عبد النور: طبيعة الحوافز متعددة وهناك أفكار كثيرة قادرة على دفع عجلة هذه الصناعة، بشرط البدء فى التحرك تجاه إنجاز هذا الملف، وعدم الوقوف فى مرحلة الدراسة لعدة سنوات أخري حتى لا تتآكل فرص السوق المحلي فى تنمية هذه الصناعة الحيوية».

الرابط المختصر