أكد صندوق النقد الدولي أن النشاط الاقتصادي في كثير من بلدان العالم لا يزال دون المستويات التي كانت لتسود فيما لو ظل على اتجاهه العام في الفترة السابقة للأزمة المالية العالمية، في العام 2008.
وأشار إلى وجود دلائل على أن الأزمة ربما كان لها آثار طويلة الأمد على النمو الممكن من خلال تأثيرها على معدلات التنمية والهجرة، إلى جانب عدم المساواة في توزيع الدخل.
ونوَّه الصندوق، في دراسة أجراها 3 من باحثيه، هم: وينجي شن، وميتشو مركايتش، ومالهار نابر، إلى أن بعض السياسات المحددة كان لها أثر مؤكد على كيفية أداء فرادى البلدان بعد الأزمة، موضحًا: فالبلدان الأفضل حالا من حيث أوضاع ماليتها العامة، والتي تتمتع بنوكها بمستويات أفضل من التنظيم والرقابة، وتطبق نظم أسعار صرف مرنة كانت أقل تضررا بوجه عام.
ولفت إلى أن عينة الدراسة ضمت 180 بلدا، وشملت: اقتصادات متقدمة وأسواق صاعدة واقتصادات نامية منخفضة الدخل؛ لقياس درجة التراجع في النشاط الاقتصادي خلال العقد الذي أعقب انهيار بنك ليمان براذرز.
وأكد الصندوق أن 85% تقريبا من الاقتصادات التي تعرضت لأزمة مصرفية في 2007-2008 لا تزال تعمل بمستويات ناتج دون الاتجاهات العامة السائدة قبل الأزمة، مضيفًا: وتقل هذه النسبة (60% تقريبا) في مجموعة البلدان التي لم تتعرض لأزمة مصرفية في نفس الفترة.
وتابع: وبالنسبة لبعض البلدان، تمثل خسائر الناتج تصحيحا لمسارات ما قبل الأزمة لم تكن قابلة للاستمرار، لكن النمط السائد بوجه عام، والذي شمل اقتصادات متقدمة وأسواق صاعدة واقتصادات نامية منخفضة الدخل، يشير إلى أن الخسائر تجاوزت حدود مثل تلك التصحيحات.
وتعتقد الدراسة أن الأزمة ربما تكون قد خلّفت ندوبا تتعدى الآثار الموثقة على اتجاهات النمو العامة، موضحةً: فعلى سبيل المثال، استمر التراجع الحاد في معدلات التنمية في كثير من الاقتصادات؛ وهو تطور سيشكل عبئا في المستقبل على حجم القوة العاملة في هذه البلدان، مضيفة: وهناك أثر آخر يتمثل في تراجع صافي معدلات الهجرة بعد الأزمة في الاقتصادات المتقدمة.
كما تحدَّثت عن ارتفاع مستوى عدم المساواة في توزيع الدخل، وخاصة في الاقتصادات التي مُنيت بخسائر كبيرة على مستوى الناتج والتوظيف بعد الأزمة.
واعتبر صندوق النقد الدولي أن سياسات البلدان قبل الأزمة وفي أعقابها مباشرة ساهمت في صياغة فروق أداء الناتج، مضيفًا: وقد أثرت هذه الإجراءات على مدى تعرض البلدان لقوى الاضطراب التي أطلقها الانهيار المالي، وحجم الضرر الذي وقع عليها، وقدرتها على التعافي.
وقسَّمت الدراسة السياسات المتبعة في التعامل مع الأزمة الاقتصادية إلى ثلاث فئات، هي:
احتواء جوانب الضعف المالي، حيث اكتشفت البلدان ذات النمو الائتماني السريع وعجز الحساب الجاري المفرط في السنوات التي سبقت وقوع الأزمة أن هذين القيدين ازدادا وطأة عندما تم تشديد الأوضاع المالية بعد الأزمة، كما أن فرض قيود أكثر صرامة على جوانب معينة من أنشطة البنوك في السنوات السابقة للازمة خفَّض من احتمالات وقوع أزمة مصرفية في الفترة من 2007-2008.
الاحتياطيات الوقائية والأطر؛ فهناك أدلة تشير إلى أن البلدان التي كانت مراكز ماليتها العامة أقوى قبل الأزمة شهدت خسائر أقل على جانب الناتج بعد الأزمة، وأشارت الدراسة إلى أن زيادة مرونة سعر الصرف ساعدت في خفض الأضرار التي لحقت بالناتج.
السياسات بعد الأزمة؛ حيث اتخذت بلدان كثيرة إجراءات غير مسبوقة واستثنائية على مستوى السياسات لدعم اقتصاداتها بعد الانهيار المالي في عام، وكانت هذه الإجراءات، وبالتحديد التدابير شبه المالية العامة لدعم القطاع المالي، قد ساعدت على الحد من خسائر الناتج بعد الأزمة.
ونوَّه الصندوق، في دراسته إلى أن الجهود المبذولة على صعيد السياسات في العقد الماضي أدت إلى رفع مستوى الطلب والحيلولة دون تحقيق نتائج أسوأ تتعمق فيها خسائر الناتج والتوظيف، كما ساهمت الإصلاحات التنظيمية المالية في جعل القطاع المصرفي أكثر أمانا.
كما أشار إلى أن بعض هذه السياسات كانت لها آثار جانبية كبيرة؛ فقد ساهمت الفترة المطولة من الانخفاض الشديد في أسعار الفائدة في الاقتصادات المتقدمة في تراكم مواطن الضعف المالية، لا سيما خارج القطاع المصرفي الخاضع للتنظيم.
وأضاف صندوق النقد الدولي إلى أن التراكم الكبير في الدين العام وتآكل هوامش الأمان في المالية العامة في كثير من الاقتصادات يشيران إلى الحاجة الملحة لإعادة بناء هذه الدفاعات للتأهب لمواجهة الهبوط الاقتصادي القادم.
وأكد أن قدرة الاقتصادات على التحرك لمواجهة الأزمة القادمة تعتمد بشكل أساسي على معالجة هذه الآثار الجانبية للجهود الاستثنائية المبذولة على مستوى السياسات في الأعوام العشرة الماضية.