أكد تقرير صادر عن صندوق النقد الدولي، أمس الأربعاء، أن النظام المالي بعد عقد من انهيار بنك ليمان براذرز الذي أشعل الأزمة الاقتصادية في عام 2008، بات أكثر أمانًا؛ بفضل تمتع البنوك برؤوس أموال وقائية أكبر وأفضل لاستيعاب الخسائر، وكذلك قدرتها على تحويل الأصول إلى سيولة في فترات الضغوط.
وحذَّر صندوق النقد الدولي مما سماها مخاطر الإرهاق من كثرة الإصلاح.
وذكر، في التقرير الذي أعدَّه أدولفو باراهاس، كلاوديو رادتس كيفر، جيمس والش، وهم باحثون بإدارة الأسواق النقدية والرأسمالية بالصندوق، أن القطاع المالي بات أقوى اليوم وهو ما يشير إلى تخفيض مخاطر وقوع أزمات أخرى، مع كل ما يصاحبها من مشكلات، مثل: البطالة واسعة النطاق، وغلق الرهونات، وحالات الإفلاس.
ونوَّه التقرير إلى مشاعر ضجر الأطراف المشاركة في الأسواق المالية وصناع السياسات والناخبين من الدعوات المطالبة بقواعد تنظيمية جديدة، لافتًا إلى أن بعضهم طالب بالتراجع عن الموجود منها بالفعل.
ويرى الصندوق في دعوات مقاومة هذه الضغوط سببًا وجيها؛ بداعي أن جدول أعمال الإصلاح الذي يهدف إلى منع وقوع أزمة مالية أخرى لم يُنفذ بالكامل بعد، وأن هناك مخاطر جديدة تواصل الظهور لتشكل خطرًا على الاستقرار المالي العالمي.
ولفت إلى ضرورة التعاون الدولي لاستكمال جدول الأعمال المقرر ومواجهة التحديات الجديدة، طبقًا للفصل الثاني في آخر عدد من تقرير الاستقرار المالي العالمي.
ويرى صندوق النقد الدولي أن مزيدا من العمل لا يزال مطلوبًا في سياق تقلق المخاطر المحيطة بالنظام المالي، ومنها: الانتهاء من تنفيذ ما يسمى “نسبة الرفع المالي”، التي تقيد قدرة البنوك على التوسع المفرط في فترات الانتعاش، مطالًا الأجهزة الرقابية بتجنب إضعاف الإشراف على البنوك الكبرى التي يمكن أن يشكل فشلها خطرًا على النظام المالي.
وعدَّد التقرير بعض الثغرات المتبقية في جدول الأعمال التنظيمي في فترة ما بعد الأزمة المالية، التي يعتقد أن
على السلطات تركيز اهتمامها عليها خلال الفترة المقبلة، ومنها:
السيولة: حيث اقترض الكثير من الشركات المالية قبل الأزمة أموالا لآجال قصيرة من أسواق الجملة لتمويل أصول أطول أجلاً، وحين وقعت الأزمة، عجزت عن تمديد القروض قصيرة الأجل، مما اضطرها إلى بيع الأصول بأسعار بخسة.
وأضاف: وعلى أثر ذلك، قامت لجنة بازل للرقابة المصرفية، وهي جهة عالمية مختصة بوضع المعايير، باستحداث ما يطلق عليه اسم “نسبة تغطية السيولة” (LCR) و”نسبة صافي التمويل المستقر” (NSFR)؛ بغرض: تشجيع البنوك على حيازة مزيد من الأصول السائلة على سبيل الوقاية من أي هبوط مفاجئ في التمويل، وتحقيق درجة أفضل من الاتساق بين آجال استحقاق أصولها وخصومها.
كما أشار التقرير إلى التنظيم الاحترازي الكلي، موضحًا أن بلدان كالهند والولايات المتحدة أنشأت هيئات مكلفة بمراقبة المخاطر النظامية واحتوائها، لكنها تفتقر في الغالب إلى الصلاحيات والأدوات الكافية لكبح التراكم المفرط للرفع المالي وأوجه عدم الاتساق في الشركات غير المالية والأسر، مطالبًا بتحسين التعاون عبر الحدود في تبادل البيانات والمخاطر النظامية.
كما تطرَّق إلى ما سماه صيرفة الظل، مشيرًا إلى أن بلدانا حققت تقدمًا في الإشراف على ما يطلق عليه اسم “بنوك الظل”، مثل شركات إدارة الأصول، وتقدمًا أقل في إخضاعها للتنظيم الاحترازي، مؤكدا أن الأمر يتطلب مزيدًا من الجهود، كما أن النمو السريع لصيرفة الظل في كثير من البلدان، ومنها الصين والأسواق الصاعدة، يمكن أن يفرض مخاطر على أجزاء أخرى من النظام المصرفي.
وتحدَّث صندوق النقد الدولي في تقريره كذلك عن تسوية أوضاع البنوك المتعثرة، مشيرًا إلى أن العمليات المكلفة لإنقاذ البنوك الكبيرة بأموال دافعي الضرائب أثناء الأزمة تسببت في إحداث ردة فعل مناهضة على المستوى الشعبي، رغم أنها ساعدت في تحجيم الأضرار على النظام المالي.
وتابع: “وبعد الأزمة، اعتمدت البلدان إجراءات تسهل إغلاق البنوك الكبيرة أو تسوية أوضاعها المتعثرة بصورة تفرض تكاليف أكبر على المساهمين وتحد من استخدام الأموال العامة، لكن تقدماً أقل قد تحقق في وضع أنظمة لتسوية أوضاع شركات التأمين المتعثرة، وهناك صعوبة خاصة ينطوي عليها التعاون عبر الحدود لمعالجة فشل أكبر البنوك في العالم”.
وتناول تقرير صندوق النقد الدولي مخاطر جديدة بدأت تظهر، ومنها: خطر الهجمات الإلكترونية المزعزعة للاستقرار على الشركات والبورصات المالية.
وأضاف أن هناك تحديات تفرضها التكنولوجيات المالية الجديدة، رغم ما تتيحه من منافع مثل المدفوعات الإلكترونية الأسرع والأقل تكلفة، مطالبًا الأجهزة التنظيمية بالسعي نحو تشجيع الابتكارات المفيدة مع الوقاية من المخاطر التي يمكن أن تضَخِّم الصدمات على النظام المالي.