بقلم د. ماهر عشم رئيس شركة مصر لنشر المعلومات
تعتبر صناعة الدواء من الصناعات الاستراتيجية في مصر منذ عقود طويلة إذ كانت دول الجوار تعتمد اعتمادا شبه كامل على الدواء المصري خاصة أن الأطباء في هذه الدول، والصيادلة أيضا، مصريين وعلى معرفة ودراية كاملتين بما تنتجه مصر من أدوية.
زادت أهمية هذه الصناعة الاستراتيجية بزيادة السكان فأصبحت مصر أيضا سوقا مستهلكة للأدوية جاذبة للشركات العالمية وملهمة لشركات وطنية كبرت وذاع صيتها ليس في مصر فقط، لكن في دول كثيرة أخرى.
يعتبر قطاع تصنيع الأدوية من القطاعات التي نمت بصورة كبيرة في السنوات العشرة الأخيرة إذ زاد حجم سوق الأدوية من 2.8 مليار دولار في عام 2011 إلى متوقع 5.3 مليار دولار في عام 2020، بحسب التقرير الصادر عن وزارة الصحة.
وأن حجم تجارة الدواء بلغ 70 مليار جنيه، ولدينا 154 مصنعًا قائمًا، جميعها يخضع لقواعد التصنيع الجديدة، من بينها: 9 مصانع متعددة الجنسيات، و22 مكتبا عالميا يمثلون 61% من السوق الدوائية و1200 شركة تصنع لدى الغير تغطي 40% من السوق الدوائية. كما أن حجم الاستثمار في قطاع الأدوية بلغ 130 مليار جنيه.
أكثر من نصف صادرات مصر من الأدوية موجهة إلى اليمن 16%، والسعودية 11%، والعراق 11%، والسودان 11%، وكازاخستان 6.8%، بحسب بيانات الوزارة أيضا.
يمكن زيادة الصادرات والأسواق التي تستخدم الدواء المصري بنسبة كبيرة في الشرق الأوسط وأفريقيا لكن علينا أولا أن نكون قادرين على التخاطب مع الجهات الرقابية في تلك الدول بنفس لغتها إذ أنه من المستحيل التصدير إلى أي دولة دون الحصول على موافقة هيئة الرقابة على الأدوية في تلك الدولة؛ مما يتتطلب ويشترط إتمام مجموعة من التحاليل والاختبارات والحصول على شهادات معتمدة من جهات ومعامل رسمية معترف بها لنتائج تلك الاختبارات، بعد ذلك يتم التقدم بتلك الشهادات إلى الجهات الرقابية للحصول على الموافقات التصديرة.
ويشترط أيضا أن يكون الدواء مسجلا في دولة المنشأ.
معظم الجهات الرقابية العالمية تقوم باستخدام نظام إلكتروني لتنظيم الملفات والشهادات الخاصة بتسجيل الدواء بطريقة شبه موحدة و كأنها تتكلم لغة واحدة يستطيع متحدثها بسهولة التفاهم مع تلك المجموعة.
يسمي هذا النظام بالـ Electronic Common Technical Documentation (ECTD) النظام الإلكتروني لتداول الوثائق الفنية الموحد.
وقد طبقت دول مجلس التعاون الخليجي هذا النظام في أكتوبر 2016 على سبيل المثال. أما مصر فلا زالت تستخدم الطرق التقليدية لاعتماد أي أدوية جديدة تدخل السوق المصرية مما ينتج عنه الآتي: أولا: إطالة المدة الزمنية لاعتماد الدواء والتي قد تصل إلى أكثر من 36 شهرًا بالمقارنة بـ 12 شهر بحد أقصى في مجلس التعاون الخليجي.
ثانيا أن هذه الطريقة لا يمكنها التخاطب مع الـ ECTD المستخدم في الدول الأخرى مما يضعف فرص التصدير ويصعب الأمر على الشركات الراغبة في ذلك إذ أنها بذلك تضطر إلى التسجيل محليًا أولا بالطريقة التقليدية ثم الانتظار حتى الموافقة والتسجيل في الدول الأخرى إلكترونيا باستخدام النظام المتعارف عليه.
بناءً على ما سبق فإنه لم يعد من الرفاهية لهيئة التسجيل الدوائي بوزارة الصحة أن تتبني نظام التسجيل الدوائي الإلكتروني ليس فقط لكي تختصر الوقت الضائع في الانتظار للموافقات المحلية ولكن لتمكين الشركات المحلية من الانتهاء السريع محليا واستخدام نفس النظام بنفس اللغة لتسجيل الأدوية عالميا مما سيحقق طفرة في صادرات الأدوية ونموًا قد يخفف الضغط على شركاتنا الوطنية المحصورة بين ارتفاع تكلفة المكونات المستخدمة في صناعة الأدوية من جهة والتسعيرة الجبرية المفروضة من وزارة الصحة والمرتبطة بدخل المواطن، الذي يعاني معاناة رهيبة من آثار التضخم من الناحية الأخرى.
وحقيقة لا أجد أي سبب منطقي لعدم تبني هذه الأنظمة فورًا إذ أن تكلفتها الصغيرة لا تقارن بالقيمة الفعلية للوقت المهدر والفرص الضائعة لتصدير الدواء المصري للأسواق العربية والأفريقية والعالمية.