بقلم د. ماهر عشم رئيس شركة مصر لنشر المعلومات
مصر دولة شابة أي أن معظم أهلها تحت الثلاثين من العمر وكثيفة السكان إذ إن تعدادها هو الأكبر في البلاد العربية ومن الأكبر إفريقيًّا وهي دولة مركزية تقريبًا ربع سكانها يعيشون في العاصمة أو يأتون إليها يوميًّا سعيًا إلى فرص العمل.
صناعة تكنولوجيا المعلومات والصناعات القائمة عليها من الصناعات الواعدة في مصر والتي يمكن أن تكون مصدرًا مهمًّا جدًّا للصادرات والعملة الصعبة من خلال التعهيد ( outsourcing ) يدعمها في ذلك الموقع الجغرافي والذي يعطينا ميزة نسبية عن دول الشرق الأقصى عند الدول الغربية وهناك شركات عالمية لها تجارب ناجحة جدًّا في إقامة مركز إقليمي وعالمي للدعم الفني ومنها واحدة من أشهر شركات الاتصالات.
وهي صناعة تعتمد على الشباب في المقام الأول إذ إنهم الأكثر قدرة على مواكبة التطور السريع جدًّا والإلمام بالجديد في كل هذه االمجالات والعلوم القائمة عليها.
تقابل هذه الفرصة مشكلة في تزايد مستمر ألا وهي ندرة الكوادر البشرية المدربة في مجال تكنولوجيا المعلومات وصعوبة الحصول عليها للقيام بكل هذه الأعمال وهذا للأسباب التالية:
أولاََ منذ عامين تقريبًا انخفضت قيمة العملة المحلية مقابل العملات الأجنبية عندما تم تعويمها من قبل البنك المركزي -وهو قرار صائب جاء متأخرًا- ولكن نتج عنه موجات من هجرة العقول الشابة العاملة في هذا المجال إلى الخليج وكثير من دول أوروبا للفرق الكبير في الدخل الممثل في الرواتب والذي لم يكن موجودًا قبل التعويم.
ثانيًا ازدياد الطلب علي تلك الكوادر من قبل الشركات الوطنية التي تقوم بكتابة البرامج لصالح شركات أجنبية خصوصًا أن التكلفة صارت أقل بالنسبة للأجانب وصارت مصر سوقًا جاذبة لأعمالهم.
أخيرًا هوس الشباب بريادة الأعمال وحلمهم بإنشاء شركات تبني تطبيقات ذكية يمكن بيعها بالملايين لصناديق تخصصت في اصطياد الواعد منها وهناك أمثلة على أرض الواقع لنجاحات بين هؤلاء الشباب وإن كانت قليلة نجح بريقها في جذب أنظارهم وعزوفهم عن قبول الوظائف التقليدية في نفس المجال.
بالاضافة لما سبق لم تعد الوظيفة في مجال تكنولوجيا المعلومات والبرمجيات مرتبطة بالتواجد الجغرافي في موقع معين ولا بشركة معينة إذ انتشرت المنصات التي يمكن لهؤلاء الشباب تسجيل أنفسهم عليها والتعاقد مع راغبي الحصول على خدماتهم بغض النظر عن موقعهم في العالم مما جمع لهؤلاء الشباب بين الدخل المرتفع والحرية وعدم التقيد بمكان أو ساعات عمل محددة ولكن تقاس خدماتهم بعدد الأيام التي يقدرونها لإتمام المطلوب والسعر اليومي العالمي معروف للجميع ومن لا يلتزم بمواعيد التسليم ومعايير الجودة يحصل على تصنيف منخفض يحول بينه وبين الحصول على أعمال جديدة أو يخفض من سعره لعدم
قدرته على الوفاء بالتزاماته.
كل ما يحتاجه الشاب للعمل على تلك المنصات هو الحاسب الآلي الخاص به والاتصال بشبكة الإنترنت بسرعة مقبولة وينتشر هؤلاء الشباب على المقاهي وينجزون الأعمال منها.
قامت الدولة بنشر تجربة القرى الذكية في المحافظات وتتلخص في إنشاء مباني مجهزة لجذب شركات التكنولوجيا للعمل بالمحافظات ولا أعتقد أنها في حد ذاتها جذابة لأحد أو أنها تختلف عن أي مبنى إداري مجهز.
توجد بتلك المحافظات جامعات تخرج سنويًّا أعدادًا من الخريجين والخريجات الذين لا يقل مستواهم بأي حال من الأحوال عن خريجي القاهرة ومنهم وخاصة الفتيات من ليس لديهم القدرة على ترك المحافظة والهجرة للقاهرة بحثًا عن فرصة العمل.
يتميز أهالي المحافظات وخاصة الصعيد وقد أكون منحازًا لها لأصولي الأسيوطية بأنهم أكثر التزامًا وأكثر حاجة لإثبات ذاتهم ومهاراتهم كما أن مرتباتهم وتكلفة الحياة تقل كثيرًا عن القاهرة.
إن وفرت أجهزة الدولة فرص تدريب لقيادات وأنشأت مراكز للبرمجيات بتلك المحافظات بالتعاون مع الجامعات الموجودة بها وباستخدام إمكانيات القرى الذكية التي سبق وجهزتها الدولة وتبنت تسعيرة معروفة ليوم المبرمج ومدير المشروعات إلخ ، لاستطاعت توفير المشقة على الشركات العاملة في القاهرة وصارت جاذبة وناجزة لأعمالهم وبعد ذلك يقينًا ستكون مصدرة جيدة للبرمجيات للعالم كله إن التزمت بالجودة والشفافية وأصول المهنة.
فكفانا اهتمامًا بالأبنية ولنهتم بالكوادر البشرية لأنهم كنز موجود بالمدن الأقل حظًّا ولنتبنى فكرًا استثماريًّا إنتاجيًّا يحول تلك الطاقات الكامنة إلى كنز قومي.