بقلم د. ماهر عشم رئيس شركة مصر لنشر المعلومات
لا أستطيع أن أبدأ مقالي قبل التعبير عن غضبي وحزني الشديدين في فقدان أبناء الوطن الأبرار وأتمني وأصلي أن تضع يد الأكبر والأقدر نهاية لتلك الصفحة السوداء التي أقاوم بشدة التعود عليها وأصر في داخلي على اعتبارها استثنائية وغير اعتيادية وأجد في ذلك صعوبة بالغة.
لن أخوض في تفاصيل الحادث الأليم ولكني متمسك بكل ما هو مصري أصيل وأودّ أن أسلط الضوء في مقالي هذا على العلاقة بين الشمول المالي وتوفير التمويل لغير القادرين وتعليمهم وتدريبهم علي حرف يدوية وبناء أسواق إلكترونية عالمية والترويج وربطها بما بدأ يتوفر من وسائل الدفع والشحن الحديثة ودور كبير يمكن أن تقوم به هذه الجهود في محاربة الفقر والتنمية الاقتصادية وزيادة الواردات وتوفير العملة الصعبة.
بدأت في السنوات الأخيرة مجهودات محمودة وملموسة من أقسام المسؤولية المجتمعية في بنوك ومؤسسات كبيرة ومن مشاريع مصر في تبني إحياء الصناعات التقليدية وتشجيع الموهوبين في إنتاج الحرف اليدوية الجميلة من الفخار والخشب والمشغولات النحاسية والزجاج والتطريز… إلخ، وتدريبهم على تناسق الألوان والأذواق التي قد تروق للعامة والقصة التي تقف وراء المنتج سواء كانت خاصة بالحرفي أو بالمنتج أو بالقرية. نتج عن هذه المجهودات والمبادرات معارض شهد لها زائروها وشهدوا لمنتجاتها مثل إبداع من مصر وتراثنا.. إلخ.
أجمع الجميع ممن يعملون بتصدير هذه المنتجات على أهمية الجودة وأنه لا نزال نحتاج إلى تدريب الحرفيين والفنانين على أهمية جودة المنتجات وخلوها من العيوب وأتمنى من المؤسسات والمنظمات تبنّي هذا الموضوع لأهميته في تأهيل الحرفيين وتدريبهم.
في الوقت نفسه هناك نمو رهيب في سوق القروض متناهية الصغر والتي بلغ المستفيدون منها أكثر من مليونين ونصف المليون طبقًا لآخر إحصائية صادرة عن هيئة الرقابة المالية والتي قد تبدأ بمبالغ زهيدة من خمسة آلاف جنيه، وتشير الإحصاءات إلى أن كثيرًا من المستفيدين من تلك القروض من ربات البيوت ممن ضاقت أحوالهن وصرن هن العائل لأسرهن وأطفالهن وأن نسب السداد لتلك القروض نسب مذهلة مما أدى إلى تسارع المؤسسات الكبير إلى تأسيس شركات تعمل في هذا المجال بجانب مئات الجمعيات الأهلية الناشطة؟
أتمنى من هذه المؤسسات الربط بين منح القروض والتدريب على الحرف اليدوية ودراسات الجدوى والتدريب على مبادئ بسيطة لرئاسة الأعمال تمكن المقترض من استخدام القرض في تشغيل القرض في إنتاج منتجات يستهلكها السوق المحلي ويصدرها إلى الخارج والقدرة على تحويل هذه العملية إلى عملية مربحة والقدرة على حساب التكاليف وهامش الربح من خلال التدريب والتعليم الذي قد تلقوه. إذن فإن كثيرًا من الراغبين في الحصول على القروض لا يمتلكون أفكارًا أو قدرات تمكنهم من تشغيل القرض أو لا يملكون المعرفة التي تؤهلهم لإقامة نشاط إنتاجي وتجاري مربح لهم.
تبقى إشكالية البيع والتسويق لتلك المنتجات ولكثير من الموهوبين والموهوبات من خريجي الكليات الفنية والذين لديهم المعرفة ويمكن أن يحصلوا علي التمويل اللازم للإنتاج ثم ينتهي الأمر بمنتجات في منتهى الإبداع والجمال لا يعرف عنها الكثيرون ولا يوجد سوق لها إلا في المعارض التي يجد الكثيرون مشقة في إيجاد الوقت للذهاب إليها لشراء تلك المنتجات.
هنا يأتي دور التجارة الإلكترونية وإقامة متاجر تعرض هذه البضائع بصورة جذابة وربطها بوسائل الدفع الإلكتروني الحديثة وربطها أيضًا بشركات البريد التي تقوم بالتوصيل والتحصيل أيضًا. تحتاج هذه المتاجر للتسويق والإعلان والتي قد تقف عقبة في طريق الكثيرين وهنا دور آخر للمسؤولية المجتمعية للشركات يمكن أن تساهم به في إنجاح تلك المبادرة ودعم اصحاب الحرف. أما التصدير فيتطلب دراسة لأذواق تلك الدول وإنتاج ما يروق لأهلها من بضائع وتوجيه الدعاية الإلكترونية لأهلها والمشاركة في المعارض الدولية لتعريف العالم بمنتجاتنا.
إذا نجحنا في إعطاء الفقير قرضًا وتدريبه على حرفة وعلى المهارات الأخرى التي تنقصه واستطعنا بناء سوق والترويج له فنجح في بيع منتجاته ودارت العجلة نكون قد نجحنا في القضاء على الفقر وزيادة الإنتاج والمساهمة في زيادة الناتج المحلي والصادرات والتدفقات الواردة بالعملة الصعبة وهذا يحتاج لمجهودات من الدولة بمختلف أجهزتها ومؤسسات المجتمع المدني وللمسؤولية المجتمعية ويسهل تحقيقه وتشجعنا النجاحات التي تحققت على أرض الواقع فماذا ننتظر؟