رويترز
وُصفت عملية بيع حصة في شركة روسنفت الروسية العملاقة بأنها الصفقة التي تبرهن أن روسيا ما زالت منفتحة على أنشطة الأعمال.
كان سيتشن قد أعلن وقتها للتو بيع حصة نسبتها 19.5 بالمئة في شركة النفط الروسية الحكومية التي يديرها إلى صندوق الثروة السيادي القطري وشركة تجارة السلع الأولية العملاقة جلينكور.
وكانت صفقة الخصخصة البالغة قيمتها 10.2 مليار يورو (11.57 مليار دولار) تهدف إلى إعادة ملء خزائن روسيا، التي استنزفها انخفاض أسعار الطاقة والعقوبات الغربية.
وأشاد بعض المسؤولين الروس بالصفقة باعتبارها برهانا على أن البلاد ما زالت قادرة على جذب المستثمرين العالميين بالرغم من تنامي العزلة السياسة التي يفرضها الغرب.
لكن الآن وبعد مرور نحو عامين على الإعلان عن عملية البيع لأول مرة، قالت تسعة مصادر مطلعة على الصفقة لرويترز إن بنك في.تي.بي الروسي المملوك للدولة مول جزءا كبيرا من صفقة الاستحواذ، مما يقوض الهدف المعلن للصفقة المتمثل في جذب أموال أجنبية إلى البلاد.
واستنادا إلى رواية خمسة من المصادر، تبلغ قيمة القرض الروسي لصندوق الثروة السيادي القطري نحو ستة مليارات دولار.
ونفى بنك في.تي.بي تقديم قرض إلى جهاز قطر للاستثمار، صندوق الثروة السيادي القطري.
وقال متحدث باسم البنك ”في.تي.بي لم يقدم ولا يخطط لتقديم قرض إلى جهاز قطر للاستثمار لتمويل عملية الاستحواذ“.
وتظهر بيانات في.تي.بي لشهر سبتمبر التي نشرها البنك المركزي الروسي أن في.تي.بي أقرض 434 مليار روبل (6.7 مليار دولار) لآجال تصل إلى ثلاث سنوات لمقترضين أجانب لم يسمهم بعد أن جمع 350 مليار روبل عبر قروض من البنك المركزي ذاته.
وتظهر النتائج المالية لبنك في.تي.بي، المنشورة في الثامن من نوفمبر، أنه خلال الربع الثالث من العام ارتفع حجم القروض المقدمة إلى أكبر عشرة مقترضين من البنك بمقدار 403 مليارات روبل أو نحو ستة مليارات دولار.
وأحجم في.تي.بي عن التعليق على المعاملات، ولم يرد البنك المركزي على أسئلة وُجهت إليه.
كما امتنع جهاز قطر للاستثمار عن التعقيب، ولم يعلق الكرملين، في حين لم ترد روسنفت على أسئلة بشأن قرض في.تي.بي إلى قطر.
تمثل روسنفت، أكبر شركة نفط مدرجة في العالم من حيث الإنتاج، جوهرة التاج لروسيا بين شركاتها.
لكن مع خضوع روسيا للعقوبات، ومواجهة احتمال فرض المزيد منها، واجه سيتشن مهمة شاقة في العثور على مشترين أو مقرضين على استعداد للمخاطرة بأموالهم الخاصة لشراء حصة في روسنفت.
كانت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي فرضا العقوبات في أعقاب ضم روسيا شبه جزيرة القرم الأوكرانية عام 2014، وهي عقوبات تحد من دخول الشركات الروسية لأسواق الدين العالمية.
وفي النهاية، اضطرت روسيا إلى إقراض مستثمرين أجانب المليارات لجذبهم، وفقا لما قالته المصادر. وقال مصدران مطلعان على الصفقة إن الحصول على تمويل من طرف ثالث لجزء كبير من عملية الاستحواذ كان شرط قطر لشراء الحصة.
وفي ظل أسعار النفط الحالية التي تزيد كثيرا عن مستواها في أواخر 2016، تقلصت حاجة روسيا إلى الأموال الأجنبية.
غير أنه إذا احتاجت لدخول الأسواق العالمية من جديد، فإن قصة بيع روسنفت تشير إلى تحديات قد تواجهها في جذب مستثمرين، خصوصا مع فرض الولايات المتحدة مزيدا من العقوبات على روسيا.
وتشمل المصادر التسعة التي أبلغت رويترز عن قرض في.تي.بي إلى قطر مصدرا مقربا من إدارة في.تي.بي ومسؤولا بالبنك المركزي الروسي ومصدرا حكوميا روسيا مطلعا على الاستثمارات الأجنبية في روسيا.
وانخرط ما لا يقل عن أربعة من المصادر انخراطا مباشرا في ترتيبات القرض. وطلبت جميع المصادر عدم الكشف عن أسمائها لأنها غير مخولة بمناقشة الصفقة.
وردا على أسئلة بشأن كيفية تنفيذ خصخصة الحصة بصفة عامة، قالت روسنفت إن الصفقة استندت إلى السوق واتسمت بالشفافية وتصب في مصلحة جميع المساهمين.
وأشارت إلى أن جميع القرارات المرتبطة بالصفقة خضعت للإجراءات ذات الصلة بالموافقة، وإن الصفقة حصلت على الدعم من حكومات الدول التي توجد بها مقرات الأطراف المشاركة، وخضعت لإجراءات الامتثال في البلاد المعنية.
وقالت روسنفت في بيان ”هذا مثال فريد على الخصخصة الناجعة“.
مع اقتراب نهاية عام 2016، كان سيتشن، أحد أقرب مساعدي بوتين، يتعرض لضغوط. وأعلنت الحكومة أنها ستبيع حصة نسبتها 19.5 بالمئة في روسنفت بحلول نهاية العام.
وبحلول الخريف، اعتقد سيتشن البالغ من العمر 58 عاما حاليا أن لديه مشتريا، وهو صندوق الاستثمار السيادي الإماراتي مبادلة.
ووفقا لمصدرين مطلعين على التطورات، وافقت مبادلة على شراء الحصة. لكن المصدرين قالا إن المفاوضات تعثرت بعد أن غيرت روسنفت مرتين سعر الصفقة مما دفع الإماراتيين إلى الانسحاب منها.
وامتنعت مبادلة عن التعقيب. ولم ترد روسنفت على أسئلة بخصوص المناقشات مع مبادلة.
وولى سيتشن وجهه شطر الشرق وبدأ محادثات مع مسؤولين يابانيين وفقا لما ذكره مسؤول حكومي روسي ومصدر مقرب من روسنفت وتسجيل لمحادثة شارك فيها سيتشن وتبين أنها في إطار قضية منظورة أمام محكمة غير ذات صلة يدلي فيها سيتشن بشهادته.
وأجريت المحادثات في الأساس مع وزير الاقتصاد والتجارة والصناعة الياباني هوريشيجي سيكو.
ولو كان قد تم الاتفاق على الصفقة، لصار مالك الحصة صندوق استثمار ياباني حكومي كبير مثل صندوق جي.بي.آي.إف الحكومي لاستثمار معاشات التقاعد، أو شركة اليابان الوطنية للنفط والغاز والمعادن التي تديرها الدولة، وفقا لما ذكرته ثلاثة مصادر مطلعة لرويترز.
لكن وفقا لرواية سيتشن في المقطع المسجل بالمحكمة، واجهت الصفقة صعوبات عندما أصرت اليابان على ربطها بالتقدم المحرز في النزاع على أراض مع روسيا يرجع تاريخه إلى نهاية الحرب العالمية الثانية.
وانهارت تلك الصفقة في نهاية المطاف.
ولم ترد وزارة الاقتصاد والتجارة والصناعة اليابانية على أسئلة، ولم تجب روسنفت على أسئلة بخصوص المناقشات مع اليابان. وقالت شركة اليابان الوطنية للنفط والغاز والمعادن إنها لا يمكنها التعليق على مناقشة بين الحكومات لأنها ليست طرفا مباشرا في المسألة.
في ظل استمرار افتقار الشركة إلى مشتر، ركز سيتشن على مشترين محتملين جديدين هما جهاز قطر للاستثمار وشركة تجارة السلع الأولية العالمية جلينكور.
وقالت ثلاثة مصادر إن أيا منهما لم يكن مستعدا لدفع كامل السعر المطلوب.
وفي السابق، كانت روسنفت تلجأ إلى بنوك غربية كبيرة مثل دويتشه بنك وجيه بي مورجان لتمويل الصفقات، لكن المقرضين الدوليين الكبار لم يعلنوا عن أي اتفاقات قروض جديدة كبيرة مع روسنفت منذ فرض العقوبات في 2014.
وتدخل انتيسا سان باولو، وهو بنك إيطالي متوسط الحجم خبرته محدودة بصفقات الشركات الروسية الكبيرة.
وحتى مطلع ديسمبر 2016، كان تمويل الصفقة يمضي على ما يرام. ودفع المشتريان بعضا من أموالهم، إذ قدمت قطر 2.5 مليار يورو وقدمت جلينكور 300 مليون يورو.
أما المبلغ المتبقي فكان في صورة دين، قدم منه انتيسا 5.2 مليار يورو. وقالت جلينكور آنذاك إن الباقي سيأتي من بنوك روسية لم تسمها.
واقترب المبلغ الذي ستقدمه بنوك روسية من 2.5 مليار يورو. وقال مصدران مصرفيان قريبان من روسنفت لرويترز إن في.تي.بي كان أحد البنوك التي قدمت فيما بينها قروضا بقيمة 2.5 مليار دولار في 2016.
وكان إسهام في.تي.بي في التمويل البالغ 2.5 مليار دولار منفصلا عن ذلك البالغ نحو ستة مليارات دولار الذي قدمه البنك إلى قطر هذا العام، بحسب ما ذكرته المصادر التسعة.
وردا على أسئلة بشأن القروض الأولية البالغة 2.5 مليار دولار، قال في.تي.بي إنه لم يقدم تمويلا، لكنه كان البنك المنسق نيابة عن روسنفت.
في وقت الإعلان الصادر في ديسمبر 2016 وفي الأسابيع التي تلته، تحدث مسؤولون روس عن شراكة طويلة الأجل مع مساهمي روسنفت الجديدين، قطر وجلينكور.
لكن بات من الواضح أن الصفقة ظلت تتعرض لتغيرات حين قال سيتشن في سبتمبر2017 إنه جرى توقيع اتفاق تشتري بموجبه شركة الطاقة الصينية سي.إي.إف.سي حصة نسبتها 14.2 بالمئة في روسنفت من قطر وجلينكور.
وفي معرض تفسيره لسبب عدم المضي في الصفقة الأصلية، قال سيتشن للتلفزيون الرسمي الروسي إن المساهمين الجدد يرون أن تكلفة خدمة الدين مرتفعة للغاية.
لكن الصفقة الصينية لم تُغلق. وقبل إبرامها، خضع يه جيان مينغ مؤسس ورئيس مجلس إدارة سي.إي.إف.سي للاستجواب والتحقيق من السلطات الصينية للاشتباه في ارتكاب جرائم اقتصادية.
ومنذ ذلك الحين لم تصدر أي تصريحات بشأن الوضع الذي آل إليه التحقيق أو ما إذا كان تم توجيه اتهامات إلى يه.
ولم يرد يه وكذلك سي.إي.إف.سي على مكالمات من رويترز طلبا للتعليق.
وفي نهاية المطاف، اتفقت قطر في مايو 2018 على الحصول على الجزء الذي غطاه انتيسا من الحصة.
ولم يتحدث أحد رسميا عن كيفية تمويل الصفقة الجديدة مع قطر، أو من يتولى تقديم التمويل.
وقد أصبح من الواضح أن دور انتيسا انتهى.
وتقول وثيقة بتاريخ السادس من سبتمبر 2018 جرى تقديمها في سنغافورة، المسجلة فيها الشركة التي تملك الحصة نيابة عن قطر وجلينكور، إن انتيسا لم يعد ممول الحصة ولم يعد يحوز أسهما كضمان.
ولم تذكر الوثيقة من الممول الجديد. ووفقا للمصادر التسعة المطلعة فإن الدائن الجديد هو في.تي.بي.
وفي حفل استقبال في السفارة الإيطالية بموسكو في نوفمبر الماضي، أمسك سيتشن بكأس من الشمبانيا في يده، وتأبط بذراعه رجلا روسيا شعره رمادي اللون يرتدي نظارة من أحدث صيحات الموضة.
كان هذا الرجل أندريه كوستين الرئيس التنفيذي للبنك الذي ساهم في تمويل الخصخصة، بنك في.تي.بي الروسي.