التكنولوجيا ورضا المواطن

بقلم د. ماهر عشم رئيس شركة مصر لنشر المعلومات

مصر بها ستة ملايين موظف حكومي تقريبًا يثقلون كاهل الدولة وميزانيتها إذ في أقل تقدير هم ستة أضعاف ما تحتاجه الدولة بالفعل للقيام بنفس المهام.

E-Bank

أي أن كل ستة موظفين بالحكومة يقومون بعمل موظف واحد في دول أخرى. يتسابق المواطنون في الحصول على وظيفة ميري (حكومية) حتى ضرب بهذا السباق المثل القائل «إن فاتك الميري اتمرغ في ترابه» إذ إنه راسخ في وجدان المصريين أن الوظيفة الحكومية هي وظيفة مستقرة لها مزايا وساعات العمل بها قليلة لذا يمكن لمن يخدم بها العمل بوظائف أخرى.

بالإضافة لذلك وفي بعض الأماكن قد لا يذهب الموظف للعمل أصلًا وينوب عنه أحد الزملاء بالتوقيع في كشوف الحضور والانصراف والناس لبعضها وقدم السبت تلاقي الحد… إلخ.

مؤخرا انتبهت الحكومة إلى هذا العبء وأصدرت قرارًا بوقف التعيينات وفتح باب المعاش المبكر حتى تتمكن من خفض الأعداد المهولة الموجودة بها والتي صارت أجور البعض منهم متدنية وتضاعفت المشكلة بالتعينات التي تمت بعد يناير2011 في أعقاب التظاهرات وفترة عدم الاستقرار التي مرت بها البلاد. قرار الحكومة قرار سليم تمامًا لأنه يحدها من هذه البطالة المقنعة ويخفف العبء على موازنة الدولة بالتأكيد .

تابعنا على | Linkedin | instagram

لكن هناك جانب آخر للصورة لا أعلم إذا كان قد لفت أنظار الحكومة وهو أن معظم هؤلاء الموظفين يقدمون خدمات للمواطنين. وإذا اعتبرنا أن تعداد السكان مائة مليون نسمة فهناك أربعة وتسعين مليون مواطن ممن يتلقون الخدمات التي تقدم من الدولة بواسطة الملايين الستة. هؤلاء المواطنون يعانون معاناة رهيبة يوميًّا في تلقي خدمات رديئة وسيئة من الموظفين تارة لعدم تواجدهم وتارة أخرى لعدم رغبتهم في العمل وتتعدد الأسباب والنتيجة طاقة هائلة من عدم الرضا نتيجة تعطيل المصالح تولد كمية رهيبة من الدعوات التي تنصب على هؤلاء الموظفين.

وحتى نكون منصفين فإن سوء الخدمات وتعطيل المصالح مرتبط أيضًا بضعف الإمكانيات إذ إنه في بعض الدوائر لا تتوفر للموظفين أقل القليل من احتياجاتهم لتنفيذ الأعمال المطلوبة منهم، كما أن بيئة العمل لا تصلح أو تشكل الحد الأدنى مما تتطلبه الأعمال المطلوبة من الموظف والنتيجة ملموسة لكل مصري أو كل شخص يتعامل مع هذه الكوادر.

وأنا لا أنكر هنا الجهود الضخمة المبذولة من البعض خاصة في المناطق الأكثر حظًّا في المدن الكبري لتحسين الخدمات. وأيضًا أعترف وأقدر كثيرًا من المسؤولين الذين دشنوا صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي لإعلام المواطنين عن أخبار دوائرهم التي تهم العامة. وأتوج ملاحظاتي بالبوابات والتطبيقات الإلكترونية لتقديم الخدمات وأتمنى من كل قلبي تعميمها حتى نحد من التعطيل والمشاكل.

بناء على ما سبق وبين إشكالية تردي الخدمات والجهود المبذولة للإصلاح الإداري وقوانين الخدمة المدنية الجديدة ومحاولات الحكومة لتحسين الخدمات للمواطنين أقترح على الحكومة إنشاء نظام لقياس رضا المواطن على الخدمات والمحليات بل والموظفين وربط مكافآت وحوافز المسؤولين والموظفين بنتيجة هذا النظام فالمواطن هو العميل أو «الزبون» والزبون دائمًا على حق والزبون هو من يدفع من ضرائبه رواتب ومصروفات هذه الأجهزة ومن حقه أن يكون راضيًا عليها وقياس رضا المواطن ليس هدفه جلد المقصر ولكن الهدف منه تحفيزه على تقديم خدمات جيدة والوقوف على أسباب عدم الرضا أن وجد ومعالجته بطريقة علمية مبنية على أرقام وإحصاءات. وأيضًا الحد من المكون الإنساني الذي قد يميز أو يفرق بين المواطنين لأي سبب من أسباب ويحقق العدالة في الحصول على الخدمات.

وحتى نتجنب إساءة بعض المواطنين في استخدام هذه الأدوات لإيقاع الضرر بشخص معين تُبنى أنظمة قياس رضا المواطنين بطريقة علمية عبر تطبيقات على الهواتف الذكية أو مواقع التواصل الاجتماعي بأسئلة محددة واختيارات محددة للإجابات قد ينتج عنها كمية ضخمة من المعلومات. تبنى على هذه المعلومات نظم لتحليل البيانات تقدم صورة واضحة عن أداء تلك الوحدات وترتبط بها حوافزهم وحتما سيؤدي ذلك إلى خدمات أفضل ويمكن تمويلها من الرسوم المقدمة من تلك الخدمات. وقتها يشعر المواطن بأهميته وملكيته ويعمق الشعور بالانتماء لديه ويشعر الموظف بمسؤوليته تجاه المواطن وتجاه عمله وتقل معاناة المصريين اليومية التي لا أجد أي داعٍ لها.

 

الرابط المختصر