د.هيكل: العالم يراهن على إفريقيا كجزء من حل أزماته الاقتصادية
إفريقيا وجنوب شرق آسيا المناطق الوحيدة القادرة على النمو الكبير لأنها بدأت من نقطة متأخرة جدًا
ياسمين منير ورضوى إبراهيم
توقع الدكتور أحمد هيكل المؤسس ورئيس مجلس إدارة شركة القلعة للاستشارات المالية أن تستقطب دول إفريقيا استثمارات متنوعة ومتزايدة من كل أسواق العالم، معتبرها أحد روافد الرهان الرئيسي أمام التحديات الاقتصادية العنيفة التي تهدد نمو اقتصادات أغلب الدول المتقدمة والناشئة.
وأكد أن إفريقيا و جنوب شرق آسيا أحد المناطق القادرة على تحقيق معدلات نمو كبيرة، في حين تقبل أغلب دول العالم على موجة من الإصلاحات الاقتصادية العنيفة بسبب مشاكل هيكلية تتطلب في المقابل تحقيق معدلات نمو قوية وهو أمر يصعب تحقيقه وفقًا للمعطيات الحالية سوى بالتوسع في تنمية أسواق إفريقيا وجنوب شرق آسيا.
العالم في مرحلة صعبة بسبب توسع جميع حكومات العالم في الاقتراض على مدار 30 عامًا
وقال د.هيكل: “العالم في مرحلة صعبة ، لأن الحكومات على مدار 30 عامًا اقترضت أكثر بكثير من المستويات المنضبطة، وارتفعت قروض كل البلاد حول العالم”.
وعدد رئيس مجلس إدارة شركة القلعة الاقتصادات الكبرى التي تعاني من ارتفاع معدلات الديون حاليًا، ومنها اليابان حيث يصل الدين إلى نحو 275% من الدخل القومي، وكذلك الصين بنسبة 270%، كما اقتربت أمريكا من الوصول إلى 100% من دخلها القومي، و123% لإيطاليا، وتتجاوز حاجز 100% في فرنسا والبرتغال.
كما أن العجوزات الإكتوارية في صناديق المعاشات وصناديق الضمان الخاصة سوف تضع ضغطُا إضافيًّا على شعوب العالم، بسبب ضعف العوائد الاستثمارية المتوقعة في المستقبل وبالتالي سوف تؤدي إلى حتمية مراجعة امتيازات ما بعد سن المعاش، لأن الناس تعيش لسن أطول ولا يوجد فرص عمل بالقدر الكافي، وكل هذا خلال حقبة زمنية قادمة سوف يكون معها الحصول على فرصة عمل أصعب لأن التقدم التكنولوجى سوف يجعل الكثير من الوظائف النمطية المتكررة تختفي.
وقال هيكل: “نحن أمام لحظة الحقيقة لعالم عاش على الديون لفترة 30 سنة على الأقل وسوف يلجأ لفرض ضرائب إضافية مع تقليل الامتيازات التي تحصل عليها الشعوب، خاصة أن ذلك يتزامن مع لحظة يصعب معها تحقيق معدلات نمو مرتفعة، وسوف يجعل ذلك من فرص العمل احتمالًا وليس حقًّا”.
كما لفت إلى أن أسواق أوربا تحقق معدلات نمو بين 1 إلى 2 % على الأكثر وأمريكا مرشحة للتراجع عن تحقيق معدل النمو الحالي الذي يصل إلى 3%، كما أن الصين التي تحقق معدل نمو في حدود 6.3%، بالنظر إلى مكونات النمو يتضح ثبات نمو القطاع الصناعي مقابل زيادة مطردة في القطاع الخدمي، دون وجود أفق لنمو جديد بالناتج الصناعي.
وأوضح أن الزيادة في معدل نمو القطاع الخدمي بالصين يرجع إلى زيادة الإنفاق الناتجة عن ارتفاع مستويات الدخول خلال السنوات الأخيرة، ما سمح بزيادة الإنفاق على التعليم والترفيه والصحة وغيرها من الخدمات.
ارتفاع اسعار الفائدة علي الدولار في محطاته النهائية ..ورجوع الأموال للأسواق الناشئة خلال 2019
وأرجع السبب في الوصول إلى لحظة الحقيقة إلي أن حجم الاقتراض كبير من جانب الاقتصاديات الكبيرة، والنمو في البلاد المتقدمة محدود ، كما ارتفعت أسعار الفائدة قليلًا لأن طباعة النقد لها حدود، والتقدم التكنولوجي يخلق نوعًا جديدًا من البطالة.
معدل الزيادة في المرتبات أقل من الزيادة في التضخم لعقود
وقال هيكل: “تسبب كل ذلك في أن معدل الزيادة في المرتبات خلال الثلاثين عامًا الماضية كان أقل من معدلات الزيادة في التضخم، وبالتالي الشعوب وصلت بصورة تدريجية هادئة إلى درجة الاحتقان”.
أضاف:وكل هذه الأسباب وراء ظهور مشهد القمصان الصفراء الذي شاهدناه في باريس بما يحتم تحرك من نوع جديد لهذه البلدان تجاه بدائل قادرة على تحقيق النمو وأهمها إفريقيا.
وقال هيكل: “لذلك تعتبر إفريقيا وجنوب شرق آسيا المناطق الوحيدة التي ما زال أمامها فرصة للنمو لأنها بدأت من نقطة متأخرة جدًّا، ما جعل السباق يحتدم على إفريقيا وشرق آسيا لسببين، الأول هو قدرة هذه المنطقة على رفع معدلات النمو في الدول التي تعاني من أزمات هيكلية عبر فتح أسواق جديدة، والثاني يتمثل في عدم الرغبة في استمرار الهجرة غير الشرعية التي تهدد التجربة الأوربية في أصلها”.
وقف الهجرة غير الشرعية ضمن دوافع أوربا للاهتمام بإفريقيا.. والصين تحتمي من الحرب التجارية
وأوضح هيكل أن الكثير من المشكلات السياسية الحالية في أوروبا ناتج عن الهجرة غير الشرعية، وهو ما يتضح من نمو الحركات اليمينية المتطرفة في دول مثل ألمانيا وإيطاليا والمجر وسيربيا وبولندا مما يجعل من مصلحة دول أوربا الاستثمار في إفريقيا، بهدف تنميتها وخلق فرص عمل فيها، وبالتالي إيقاف عمليات الهجرة غير الشرعية علاوة على الاستفادة منها كأسواق.
وأشار هيكل إلى أن العقد الاجتماعى الجديد في إفريقيا حوض البحر المتوسط يتلخص في هذه الجملة: “هانحاول نساعدكوا في تظبيط القعدة عندكم في إفريقيا بس مش عايزين نشوف وشكم عندنا”.
وأشار إلى أن الصين على الجانب الآخر تهتم بإفريقيا لدوافع مختلفة، تتعلق بخوفها من الحرب التجارية مع أمريكا والغرب بشكل عام، مما يدفعها للاستثمار في موضع قدم لشركاتها أو وضع أجزاء من شركاتها عند الدول التي لديها اتفاقيات تجارة حرة، ومصر تعد من أكثر الدول التي تتمتع بعدد كبير من الاتفاقيات الدولية بإفريقيا وأوربا ودول كثيرة باستثناء أمريكا.
وتوقع هيكل أن يتزايد عدد الشركات الصينية التي ستتخد من مصر مقرًّا إضافيًّا لنشاطها للتوجه نحو التصدير بصورة مباشرة دون التركيز بشكل أساسي على السوق المحلية، لافتًا إلى أن هناك بالفعل نماذج بدأت في تصنيع منتجاتها في مصر وتصديرها للخارج بشكل رئيسي، رغم أنها غير معروفة على المستوي المحلي.
وأضاف أن إفريقيا تعد أيضًا مستوردًا جيدًا للمعدات، لافتًا إلى أن خط سكة حديد كينيا بكامله من المعدات الصينية، ما يشجع الدول على تقديم قروض مشروطة بالاعتماد على البلد المقرضة في المكونات، وهو ما تم أيضًا في مشروع المصرية للتكرير الذي اعتمد على قروض تنموية مماثلة من كوريا واليابان .
وأضاف أن كل الهيئات التنموية حول العالم تشجع شركة القلعة والشركات المثيلة لها لعمل مشروعات كبرى مماثلة للمصرية للتكرير.
وقال إن الحروب الاقتصادية بين الدول الكبرى هي الشكل الجديد لحروب عسكرية لم تعد ممكنة.
وعلى ضوء المتغيرات التي يشهدها الاقتصاد العالمي، أكد هيكل أن شركته قرأت المشهد مبكرًا وقامت بالتخارج من القطاعات الاقتصادية التي تأثرت في مقابل زيادة استثماراتها بعدد من القطاعات المرشحة للاستفادة من هذه الأوضاع مثل الطاقة والنقل والتعدين والأغذية، في مقابل التخارج الكلي من قطاع مثل الأسمنت.
ويستعرض الدكتور أحمد هيكل، على هامش فعاليات منتدى الاستثمار في إفريقيا 2018 ، تطورات مشروع شركة المصرية للتكرير كأكبر مشروع تعاون بين القطاعين العام والخاص، ومن أكبر مشاريع صفقات تمويل البنية الأساسية في إفريقيا.
ووصل مشروع المصرية للتكرير إلى %98.44 من الإجمالي الكلي للتنفيذ وبنسبة 99.84% إجمالي استكمال الأعمال الميكانيكية وفقًا لأحدث بيانات الشركة.
وتتوقع القلعة أن يوفر مشروع المصرية للتكرير منتجات الوقود عالية الجودة لتغطية الاستهلاك المتنامي بالسوق المحلية، بالإضافة إلى خفض واردات مصر من السولار بنسبة تتراوح بين 30%- 40%.
وتعتبر القلعة من أقدم الشركات المصرية التي اتجهت للاستثمار في إفريقيا بعدد من القطاعات الاساسية، منها الطاقة والنقل والأسمنت والتعدين.