العِمَّة الأمريكانية..!!

بقلم مجدي سرحان ـ رئيس مجلس إدارة جريدة حابي

أراد وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو.. ومن خلفه طبعا رئيسه دونالد ترامب.. أن «يلبسنا العِمَّة الأمريكانية» في الخطاب الذي ألقاه مؤخرا من داخل الجامعة الأمريكية بالقاهرة.. على غرار ما فعله أيضا الرئيس السابق باراك أوباما في الخطاب الذي القاه من داخل جامعة القاهرة منتصف عام 2009.. ودغدغ به مشاعر البسطاء وهو يستشهد بآيات من القرآن الكريم تحض على السلام والتعايش السلمي.. ويتحدث عن» بداية جديدة بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي».. حتى ظن المخدوعون أن «الشيخ أوباما» عاد الى دين والديه الكينيين المسلمين «حسين» و»حبيبة».. ثم ما لبث أن انكشف أمره.. وافتضحت سياساته الشريرة تجاه كل ما هو عربي.. وإسلامي.. وغزا بجيوشه دولا شقيقة صارت الآن أطلال دول وشعوبها مشردة في سائر بقاع الأرض.

E-Bank

●● وما أشبه الليلة بالبارحة
جاء بومبيو ليعلن من قلب القاهرة.. وبلا أدنى شعور من الخجل أو الحياء.. أن بلاده «أمريكا قوة للخير في الشرق الأوسط».. وياللعجب..!!

هذا الحديث الأبله.. ما هو الا إمتداد لسياسات شاذة انتهجها الرئيس ترامب منذ بداية ولايته الرئاسية.. يتسم بالتناقض الشداد بين ما يقوله في خطابه الإعلامي و»تغريداته التويترية» التي يحترفها ولا نعلم من أين يأتي بالقوت لتدوينها وبين مايفعله ويتخذه من سياسات وقرارات على أرض الواقع.

فهو.. ترامب.. الذي كان يتحدث عن معارضته التدخل العسكري الأمريكي في سوريا.. ثم أصدر أوامره لجيشه بالتدخل في سوريا وقصفت طائراته الأهداف العسكرية والمدنية أيضا في عمق الأراضي السورية.. ثم عاد ليصدر قرارا بسحب قواته من سوريا.. وبعدها بأيام يتحدث عن أن الجيش الأمريكي سيواصل حربه ضد الإرهاب في سوريا..!!

تابعنا على | Linkedin | instagram

هو أيضا.. ترامب.. الذي تعهد في حملاته الانتخابية باتباع سياسة محايدة فيما يتعلق باسرائيل والصراع العربي الإسرائيلي.. ثم ما لبث أن أعلن انحيازه التام لدولة الاحتلال بعد وصوله الى البيت الأبيض.. وهو الذي تصدى بـ «الفيتو» الأمريكي لأي قرار أممي يحمل أي لهجة إدانة لاسرائيل.. وهو الذي قلب كل موازين هذا الصراع رأسا على عقب ومسح بجرة قلم كل ما بُذل من جهود سابقة لمحاولة حل هذه الأزمة الرئيسية بمنطقة الشرق الأوسط الأكثر اشتعالا في العالم.. عندما أعلن إعتراف دولته بالقدس المحتلة عاصمة لإسرائيل وقرر نقل سفارته الى القدس بدلا من تل أبيب.. ليسقط القناع الزائف الذي كانت تبديه الإدارات الأمريكية المتعاقبة التي وصفت نفسها بانها راع محايد للسلام.

●● أيضا
في قضية الحرب ضد الإرهاب التي التزمت بها إدارات أمريكية متعاقبة.. لا نعرف على وجه التحديد أين تقف إدارة ترامب من هذه الحرب؟.. فمؤخرا تحدث ترامب خلال برنامج تليفزيوني عن أن التدخل الأمريكي في العراق وسوريا وليبيا كان خاطئا.. وأنه لم يكن هناك إرهاب في هذه الدول.. وأن بلاده ضخت تريليونات الدولارات لإسقاط أنظمة حكم في هذه الدول لكنها لم تكن متاكدة من أن أموالها هذه ستذهب الى إرهابيين.. ومؤكدا أن أحوال شعوب هذه الدول.. وخاصة في العراق وليبيا.. كانت أفضل قبل إسقاط أنظمتها.. وحتى فيما يتعلق بملف حقوق الإنسان كانت أفضل من الآن حيث يجري قتل وذبح وحرق البشر على ايدي جماعات الإرهاب.

الذي يقول ذلك هو نفسه ترامب الذي يتحدث أيضا عن استمرار بلاده في الحرب ضد الإرهاب في سوريا.. والذي يعني به الحرب ضد «داعش» تحديدا في منطقة شمال شرق سوريا.. ثم هو أيضا الذي يرسل الآن وزير خارجيته بومبيو الى دول المنطقة.. ليقنع حكامها وشعوبها بان إيران هي الخطر الأكبر عليهم.. وداعيا إياهم الى «ضرورة التصدي للنظام الإيراني بدلا من إقامة العلاقات معه».. ومطالبا «كل دولة محبة للسلام في الشرق الأوسط بتحمل مسؤوليات جديدة لهزيمة التطرف الإسلامي».. الذي يعني به إيران الآن..!!

هذه الدعوة وهذا الخطاب هو دليل آخر على تناقضات السياسات الأمريكية في عهد «ترامب» تجاه قضايا الشرق الأوسط.. وهي بالمناسبة نفس تناقضات إدارة أوباما السابقة.. إذ يصعب تصور أن الولايات المتحدة تريد أن تقضي على داعش وعلى النفوذ الإيراني بالمنطقة.. في نفس الوقت.. لأن هزيمة أي من الطرفين هو في حقيقته تقوية للطرف الآخر.

●● السؤال هو:
مالذي يريده بومبيو والإدارة الأمريكية بهذا الخطاب الآن..؟
قالها الوزير الأمريكي: «الآن تأتي البداية الجديدة الحقيقية».. وليست التي تحدث عنها أوباما من قبل في جامعة القاهرة.. وهذه البداية وفقا لما قاله بومبيو تتمثل في أن «تتحمل كل دولة محبة للسلام في الشرق الأوسط مسؤوليات جديدة لهزيمة التطرف الإسلامي».. بينما تقوم بلاده «بالمساعدة».. هذا هو لب الموضوع.. واشنطن تصب المزيد من الزيت فوق نيران الصراع المذهبي والحروب بين دول المنطقة.. مستخدمة جيوش وأموال نفس هذه الدول.. لأن «التاجر ترامب» يرى أن بلاده لم تكسب شيئا من صرف أموالها على هذه الحروب.. بينما ترتدي هي «عِمَّة قوة الخير» التي لم ولن تليق بها مهما حاولت الكذب او التصنع أو التمثيل.

الرابط المختصر