الجدل حول سعر الصرف.. لماذا؟!
بقلم مجدي سرحان ـ رئيس مجلس إدارة جريدة حابي
هل كان من الضروري أن يتحدث محافظ البنك المركزي الآن عن احتمالات حدوث تحركات في سعر صرف الجنيه خلال الفترة المقبلة؟.. وهل صحيح أن هناك علاقة بين هذه التصريحات وبين تصريح آخر تلاها لكريستين لاجارد المدير العام لصندوق النقد الدولي عن انتهاء الصندوق من وضع التفاصيل اللازمة لتقديم ملف المراجعة الرابعة لأداء الاقتصاد المصري من أجل الحصول على الشريحة الخامسة من قرض الـ 9 مليارات بقيمة 2 مليار دولار.. وإعلانها أنها ستوصي بالموافقة على هذه المراجعة.. وبالتالي قرب صرف هذه الشريحة التي تأخر موعد صرفها عن المقرر له.. وسط تحليلات ترجع هذا التأخير الى ملاحظات أبداها الصندوق حول «الالتزامات المصرية»..؟.
●● بداية
نسجل أن تصريحات المحافظ طارق عامر لوكالة بلومبرج لم تتضمن حديثا صريحا عن توقعات بانخفاض مرتقب للجنيه.. إنما هو تحدث نصا عن «ان سعر صرف الجنيه قد يشهد تحركًا بشكل أكبر في الفترة المقبلة، وذلك بعد إنهاء العمل بآلية ضمان تحويل أموال الأجانب» و»أن البنك المركزي ملتزم بضمان وجود سوق صرف حر خاضع لقوى العرض والطلب».
لكن ما أوحى ضمنا بأن كلام المحافظ يعني التحسب لانخفاض الجنيه.. هو اقترانه بإيضاحات من عامر عما لديه من آليات تمكنه من ضبط السوق في حالات حدوث ممارسات غير منظمة أو مضاربات على العملة، أو غيرها.. ومن أهم هذه الأدوات أسعار الفائدة والاحتياطي القوي من النقد الأجنبي.
وبالطبع فإنه يبدو منطقيا استنتاج أن المقصود هو حدوث انخفاض للجنيه.. إذ تنشط عمليات المضاربة على العملات الأجنبية عادة في حال انخفاض سعر صرف العملة المحلية.. ولهذا تحفظ البعض على تصريحات محافظ البنك المركزي.. وتحدثوا عن اثرها السلبي على السوق وعلى حركة الاستثمار.
●● في المقابل
كانت هناك رؤية مختلفة.. ترى في تصريحات عامر جانبا إيجابيا.. وهو أن الحديث عن مرونة أسعار الصرف وإلغاء آلية خروج أموال المستثمرين يمثل رسالة طمأنة للسوق باستقرار الأوضاع.. وإن المستثمرين يستطيعون دخول السوق المصري والخروج منه في أي وقت بسعر مناسب.. وهذه إشكالية مهمة للغاية بالنسبة للمستثمر.. وكذلك أن في حديث طارق عامر «تأكيد على التزام مصر بتطبيق سياسة التعويم الحر، والتي تخضع فيها أسعار الصرف للعرض والطلب، وان التقلبات البسيطة في أسعار العملة صعودا وهبوطا لا تعكس مشكلات اقتصادية بل قد تعكس استقرارا في ظل هذه السياسة».. كما أنها تعبر عن أن آليات السوق هي المتحكم الوحيد في تحديد سعر الصرف.. كنتيجة طبيعية لخروج ودخول المستثمرين الأجانب من خلال البنوك عبر آلية «الإنتربنك».. وهذا يمثل «مظهرا صحيا يعكس روح تحرير سعر الصرف».. لكنه سينعكس على سعر الصرف على مدار اليوم بحيث تحدث تقلبات لم تكن السوق تشهدها من قبل.. وذلك نظرا لأن سوق الإنتربنك يخضع للعرض والطلب بشكل لحظي على مدار اليوم بين البنوك.. وبذلك فإن تحرك سعر الصرف يعني أنه سيكون متذبذبا.. ولا يعني بالضرورة أن قيمة الجنيه ستنخفض.. ولكن الارتفاع والانخفاض سيتوقف على الطلب على شراء أو بيع الدولار في البنوك وفقا لحركة المستثمرين في الأسواق.
●● هنا نعود الى السؤال:
هل كان ضروريا أن يدلى محافظ البنك المركزي بهذا التصريح؟
في رأينا المتواضع إنه لم يكن في حاجة الى ذلك.. إذ أن احتمال انخفاض سعر الصرف هو الأضعف.. في ظل تحوطات البنك المركزي وما يمتلكه من أدوات للسيطرة على هذا الوضع.. وأهمها “صندوق تمويل خروج الأجانب» الذي مازال البنك يحتفظ بنحو بنحو 5.5 مليار دولار.. حسب بيانات رسمية معلنة.. بينما يقدر عامر في تصريحاته محفظة استثمارات الأجانب في أدوات الدين بنحو 10 مليارات دولار حاليا.. وهذا يعني أنه بفرض خروج كل هذه الأموال فإن التأثير السلبي على سعر الصرف سيكون ضعيفا.. وخصوصا في ظل ما يؤكده المحافظ نفسه بأن هناك اتجاها تصاعديا لمؤشر التدفقات الأجنبية .. حيث شهد يناير الجاري تحقيق أول صافي إيجابي للتدفقات الأجنبية منذ مايو 2018.. وفقا لطارق عامر.. وكان الأفضل هو عدم الحديث علنا عن هذه المسألة تجنبا لأي تأثيرات سلبية لها.. أقلها ما أثير من جدل حول التصريحات نفسها.
●● أما مسألة ارتباط تصريحات محافظ البنك المركزي بتصريحات «لاجارد».. فنعتبرها غير واقعية.. خاصة إذا كنا نعلم أنه ليس من بين شروط أو ملاحظات صندوق النقد إجراء تخفيض لسعر صرف الجنيه بطرق إدارية.. كما أن تصريحات لاجارد نفسها ترصد تقدما في تحقيق مصر للاستقرار الاقتصادي الكلي.. ويتمثل ذلك في أن معدل النمو أصبح من أعلى المعدلات المسجلة في المنطقة.. كما يسير عجز الميزانية في اتجاه هبوطي.. وكذلك يتجه التضخم الى بلوغ الهدف الذي حدده البنك المركزي مع نهاية 2019.. وأيضا انخفضت البطالة إلى 10% تقريبًا.. وهو أدنى معدل بلغته منذ عام 2011.. أي أنه ليس هناك أي داع لتوجيه رسائل من أي نوع من البنك المركزي الى صندوق النقد حول مسألة سعر الصرف.