بقلم أحمد رضوان ـ رئيس تحرير جريدة حابي
فاجأت لجنة السياسة النقدية الأسواق الخميس الماضي، بخفض سعر عائد الإيداع والإقراض لمدة ليلة بواقع نقطة مئوية كاملة (100 نقطة أساس) إلى 15.75% و17.75% على التوالي، وخفض سعر العملية الرئيسية بالبنك المركزي نقطة مئوية مماثلة إلى 16.25%، وسعر الائتمان والخصم إلى نفس النسبة الأخيرة.
عزّا بيان لجنة السياسة النقدية هذا الإجراء بالأساس إلى تحقق معدل التضخم المستهدف من البنك المركزي في الربع الرابع من 2018 والمحدد بأعلى أو أقل 3 نقاط من مستوى 13%، ثم ارتفاع معدل النمو إلى 5.5% في نفس الفترة مقابل 5.3% في الربع الثالث، وتراجع معدل البطالة من 10% إلى 8.9% في أدنى مستوياته منذ ديسمبر.
انتهى البيان بالتأكيد على أن لجنة السياسة النقدية ستستمر في متابعة التطورات الاقتصادية عن كثب ولن تتردد في تعديل سياستها للحفاظ على الاستقرار النقدي، وسبقت هذه الخاتمة، الإشارة إلى أن خفض الفائدة يتسق مع تحقيق معدل تضخم أعلى أو أقل 3 نقاط مئوية من مستوى 9% خلال الربع الرابع من عام 2020.
على مدار 24 ساعة التي تلت قرار لجنة السياسة النقدية، رصدت جريدة «حابي» ردود فعل مختلف القطاعات الاقتصادية تجاه الخطوة التى أٌقدم عليها البنك المركزي، وبجانب ما تم نشره على بوابة حابي Hapijournal.com، قررت إدارة تحرير الجريدة تخصيص هذا العدد بالكامل لمناقشة قضية أسعار الفائدة بمختلف محاورها وتطوراتها وتأثيراتها مع مجتمع الأعمال، ونأمل أن يضم العدد الذى بين أيديكم أراء واتجاهات متنوعة ومفيدة لمختلف المهتمين بالشأن الاقتصادي وصناع القرار أيضًا.
أما وجهة النظر التي نناقشها في هذا المقال فترتبط بصورة رئيسية بالاجتماع المقبل للجنة السياسة النقدية والمقرر عقده في 28 مارس القادم، هذا الاجتماع نعتقد أنه لا يقل أهمية عن اجتماع الخميس الماضي لمجموعة من الأسباب، أولها هو أنه سيوضح بصورة كبيرة الاتجاه العام لتعامل السياسة النقدية مع أداة سعر الفائدة وسيجيب عن السؤال الذي يشغل بال مجتمع الأعمال بمختلف أطيافه وهو: هل هذا الخفض مؤقت أم اتجاه جديد؟
بكل تأكيد، كانت هناك حالة من البهجة تجاه قرار خفض الفائدة، وبكل تأكيد هناك رغبة واضحة بإجراء المزيد من الخفض سواء لأهداف قطاعية مثل خفض تكلفة الأموال على الشركات، أو لأغراض مرتبطة بالنظرة الكلية للموازنة خاصة فيما يتعلق ببند العجز الذي لا شك أنه تأثر بارتفاع تكلفة الاقتراض الحكومي، وما لذلك من آثار على الإنفاق العام.
السبب الثاني لأهمية اجتماع مارس المقبل، هو أن إقدام لجنة السياسة النقدية على إجراء خفض جديد في أسعار العائد ولو بنسبة أقل من المائة نقطة أساس التي تم إقرارها الخميس الماضي، سيعطى إشارة واضحة على أن معدلات التضخم تحت السيطرة ولا توجد مفاجآت مرتقبة في المدى المتوسط، وأن تحرير أسعار الوقود وزيادة تسعيرة شرائح الكهرباء، لن يكون بالصورة المخيفة التي من شأنها تكرار معدلات التضخم والغلاء القياسية التي مرت بها مصر في سنوات سابقة.
السبب الثالث، هو منح إشارة واضحة على أن الأموال الساخنة التي يزداد فاعلية عنصر سعر الفائدة في جذبها، ربما لم يعد لها التأثير البالغ على سعر الصرف، أما السبب الرابع فهو التأكيد على ما سبق وذكرته لجنة السياسة النقدية في البيانات التي تلت إقدامها على رفع الفائدة بأن هذا الإجراء كان مؤقتًا.
هل خفض سعر الفائدة له مكاسب فقط؟ بكل تأكيد لا، كل قرار له مكاسبه وخسائره، ولكن في هذه الفترة يجب خفض تكلفة الأموال بصورة تتناسب مع اقتصاد يسعي لتحقيق معدلات نمو أعلى من 5% ويعمل على تحفيز الاستثمار الأجنبي على التدفق، ويخطط لعشرات المشروعات في مدن جديدة ويسعي أيضًا إلى استعادة الطلب كعنصر مهم وفاعل من عناصر النمو ورفع المبيعات وتحقيق شيء من الرواج لقطاعات اقتصادية متنوعة ومتعددة وليس في قطاع أو اثنين فقط.
ونعتقد أن خسائر خفض سعر الفائدة ربما تنحصر فقط وبصورة محدودة للغاية في استثمارات الأجانب بأوراق الدين الحكومية، أما تأثير خفض الفائدة بالسلب على معدلات التضخم فأصبح أمرًا مستبعدًا خاصة أن التضخم القياسي الذي مرت به مصر قبل شهور، لم يكن بسبب ارتفاع القوة الشرائية للمواطنين وتكالبهم على شراء السلع، بقدر ما نشأ عن إجراءات إدارية معروفة للجميع كان منها بدء خطط ترشيد الدعم وتحرير سوق الصرف.
الخطوة التي أقدم عليها البنك المركزي مهمة وجاءت في توقيت مهم أيضًا لمجتمع الاقتصاد والأعمال والمواطنين، ونأمل أن يتم استكمالها وتأكيد اتجاه السياسة النقدية في اجتماع 28 مارس.