الخبر السيئ.. والشفافية الغائبة
بقلم مجدي سرحان ـ رئيس مجلس إدارة جريدة حابي
«خبر سيئ للجنيه المصري أمام الدولار في الميزانية».. تحت هذا العنوان نشر موقع إخباري ذائع الصيت نبأ قيام وزارة المالية المصرية برفع تقديراتها المبدئية لسعر صرف الدولار مقابل الجنيه في ميزانية السنة المالية الحالية 2018-2019.. ليصل متوسط سعر صرف العملة المحلية الى 18 جنيها للدولار.. بدلا من 17.25 جنيه في تقدير العام المالي السابق.
•• لماذا هو خبر سيئ؟
الإجابة ببساطة هي: لأن توقيته غريب جدا.. حيث جاء متزامنا مع تغيرات «غير مفهومة» في أسواق الصرف لصالح الجنيه الذي حقق أكبر زيادة له مقابل العملة الخضراء منذ تعويمه فى 3 نوفمبر 2016.. وهو ما أشاع مناخا من التفاؤل و»التغني» ببدء جني حصاد إجراءات الإصلاح الاقتصادي.. بينما كان الكثيرون من المختصين يشككون في أسباب ودوافع هذا التغيير الذي لم تبرره جهات الاختصاص تبريرا فنيا مقبولا.. فإذا بوزارة المالية تلقي بقنبلتها.. وتعلن عن «خبرها السيئ».. وهو ما أثار التساؤلات حول الآلية التي تحدد بها الوزارة سعر الصرف في الموازنة؟.. وحول حقيقة ما يحدث في أسعار الصرف؟.. وما إذا كان هذا الارتفاع الحادث للجنيه هو «إرتفاع مدار» كان المقصود به التمهيد لانخفاض أكبر قادم للجنيه.. ليصل سعر الدولار رسميا الى 18 جنيها؟.. وأيضا أثير التساؤل حول ما يمكن أن ينعكس على أسواق الصرف.. وأيضا أسواق السلع.. من تأثيرات سلبية نتيجة لتقدير وزارة المالية لسعر صرف الدولار في الموازنة بأقل من سعره المتداول في الأسواق بنحو 40 قرشا..؟.
•• كالعادة
حاولت وزارة المالية تبرير ما يحدث.. وبادرت بإصدار بيان اقتصر على شرح آلية تحديد سعر الصرف في الموازنة.. وقالت: «إن الموازنة العامة للدولة وبنودها التفصيلية على جانب الإيرادات والمصروفات يتم اعدادها وفقا لمتوسط سعر صرف الدولار السائد فى السوق وقت الانتهاء من إعداد الموازنة قبل تسليمها لمجلس النواب في نهاية مارس».
معنى ذلك أن الوزارة.. وبالتشاور مع البنك المركزي طبعا.. تتوقع أن يرتفع سعر الدولار الى 18 جنيها في مارس القادم.
تصوروا ماذا يمكن أن يحدث بعد هذا الإعلان؟.. الطبيعى أن تضرب أسواق الصرف من الآن وحتى مارس حمى مضاربات قد ترفع قيمة العملة الأمريكية.. ربما لاكثر من 18 جنيها.
•• بالطبع
لا ننكر حق وزارة المالية في أن تحدد أسعارها التقديرية لاستخداماتها الداخلية.. أي تقديرات الموازنة.. وندرك أن خفض قيمة العملة المحلية تدريجياً لتصل الى قيمتها الحقيقية هو إجراء مقصود به السيطرة على التضخم والحفاظ على القدرة التنافسية للمنتجات المحلية والحد من الاستيراد وتحفز الصناعات المحلية التصديرية.. ويستهدف كذلك ـ وهذا مهم جدا ـ الحد من تدفق «الأموال الساخنة» التي تودع في البنوك للاستفادة بفارق السعر الناتج عن تثبيت سعر الصرف.. ليتم توجيه هذه الأموال الى مجالات استثمار منتجة ومفيدة للاقتصاد الكلي.
لكن من المؤكد أن الوزارة تعلم أيضا أن مثل هذا الاجراء يجب ألا يستمر طويلًا.. إذ أن ذلك يجب أن ينعكس بشكل حقيقي وإيجابي على معدلات الانتاج و التشغيل والتصدير والتدفق السياحي.. وصولا لانخفاض معدل التضخم وارتفاع قيمة العملة المحلية.. بما يحقق الإصلاح الاقتصادي المنشود.
•• نتذكر هنا
ما قاله وزير المالية السابق الدكتور عمرو الجارحي قبل موازنة العام الماضي بشأن تحديد سعر الدولار بالموازنة عند 17.25 جنيه. وهو سعر يقل عن سعر الصرف بالأسواق.. أي عكس ما يحدث الآن .. مؤكدا أن التحسن المرتقب فى مؤشرات أداء الاقتصاد الكلية خلال العام المالى 2018/ 2019 هو ما دفع وزارة المالية لتحديد السعر بأقل من المتوسط فى البنوك بنحو 30 قرشا.
وعلى ذلك.. فإذا كانت الحكومة تؤكد أن مؤشرات الاقتصاد الكلي قد تحسنت بالفعل فلماذا تحدد الآن سعرا للدولار في الموازنة باكثر من سعر السوق؟.. وهل كان ما فعله الوزير الجارحي في العام السابق خاطئا..؟.
•• ما نريد تأكيده
هو أننا نتحفظ ـ بشكل شخصي ـ على توقيت إعلان هذا «الخبر السيئ» من جانب وزارة المالية.. لأنه سيؤدي إلى تأثير عكسي يترتب عليه التكالب على شراء الدولار بهدف المضاربة.. ويرفع سعره الى مستويات غير حقيقية.. كما نرى أن الوزارة جانبها الصواب في عدم إصدار بيان توضيحي.. يبرر توقعاتها انخفاض الجنيه بهذه النسبة الكبيرة بينما كان خلال الفترة الأخيرة يمر بأفضل انتعاشة له تحققت منذ سنوات.. وهذا يتعلق بما تحدثنا عنه سابقا حول غياب القدر الكافي من الشفافية الخاصة بالسياسات النقدية.