بقلم مجدي سرحان ـ رئيس مجلس إدارة جريدة حابي
المعضلة في ظل تعويم الجنيه المصري.. وما تبعه من ركود تضخمي وكساد سوقي وانفجار في أسعار السلع.. هي: كيف يمكن أن نجني ثمار هذا التعويم.. متمثلة في نمو الاستثمارات والصادرات.. وفي نفس الوقت نستطيع «ترويض” الأسعار المنفلتة وإعادتها الى حظيرة المستهلكين؟.
من هنا نشأت دعوات «التخلي» أي مقاومة المستهلك لإرتفاع سعر السلعة عن طريق مقاطعتها.. على غرار حملة «خليها تصدي» التي يواجهها تجار السيارات الآن.. لكن هل بمثل هذه الحملات وحدها يمكن فعلا ترويض الأسعار؟
•• بداية
دعنا نقول: إن ما حدث من تطورات مؤخرا في أسعار الصرف بات يؤكد بما يدع مجالا للشك أن صعود الجنيه المصري أمام العملات الأجنبية يمثل ظاهرة مؤقتة.. وغير مبررة.. لأن ذلك لم ينتج عن زيادة حقيقية في موارد النقد الأجنبي.. من حصيلة الناتج القومي وليس من ودائع وقروض “الأصدقاء”.
هذا يعني بالمنطق الاقتصادي أن هناك شيئاً وحيداً قد حدث.. وهو تدخل الدولة “إدارياً لتصحيح مسار “التعويم”.. وتحويله إلى «تعويم مدار».. وليس مطلقاً.
وهذا التدخل الإداري يتمثل إما في ضخ البنك المركزي لمليارات من الدولارات بالأسواق.. أو بطرح الأذون والسندات الدولارية مثلما حدث في منتصف الأسبوع الماضي تحديدا.. مما يخلق سيولة نقدية تجبر العملات الأجنبية على التراجع.
وربما يكون الدليل أيضا على هذا التدخل الإداري هو ما أثرناه السبوع الماضي حو ما تردد عن قيام وزارة المالية باحتساب موازنة العام المالي الجديد على أساس سعر صرف 18 جنيها للدولار.. أي بزيادة نحو 50 قرشا عن السعر الحالي.. وذلك بخلاف الاتجاه الصعودي الحالي للجنيه.
•• إذن
الدولة تتدخل لإدارة التعويم.. وتدرك ما سبق أن حذر منه الخبراء.. وهو أن التعويم المطلق أو الحر يؤدي إلى “فوضى مطلقة” في أسعار السلع إذا لم يكن هناك احتياطي نقدي وموارد للنقد الأجنبي قادرة على تغطية طلبات الاستيراد.
وهذا يعني أيضا أننا سرنا في الطريق المعاكس.. وبدأنا بالتعويم الحر في ظروف غير مناسبة.. ثم تحولنا إلى التعويم المدار في ظروف أفضل.. فجنينا ركوداً تضخمياً وكساداً سوقياً وانفجاراً في أسعار السلع.
•• نعود للسؤالين:
كيف نجني ثمار التعويم في ظل الوضع القائم؟.. الإجابة: الدولة هي المسئولة عن ذلك.. ولن يتحقق النمو في الاستثمار والتصدير إلا عن طريق جهد عاجل وفوري من أجل تهيئة المناخ والبيئة التشريعية المناسبين لجذب الاستثمار.. والأهم هو تبني “ثورة إنتاجية” قائمة على تدشين مشروعات قومية لاستغلال كل عناصر الإنتاج المتاحة.. للصناعة والزراعة بهدف التصدير.
وكيف «نروض الأسعار».. فهذه هي المهمة الأعقد.. وهي مسئولية مشتركة بين الدولة والمستهلكين.. ولا نقول التجار.. ولا يمكن التعويل في إعادة ضبط الأسواق على الدولة وحدها .. لأن النظم والقوانين التجارية والرقابية القائمة لا تسمح للدولة بالتدخل في التسعير.. ولن يتغير هذا الوضع.. في ظل وجود “لوبي الاحتكارات التجارية” الذي يجهض أي محاولات للتغيير.
ويظل الأكثر فاعلية وتأثيراً.. هو خلق قوة ضغط مضادة من جانب المستهلكين.. لخفض الطلب على السلع وكبح جماح “الحمى الشرائية” التي افتعلها التجار في فترة الانهيار الجنوني للجنيه.. وهنا يبرز دور المبادرات الشعبية من أجل المقاطعة أو الاستغناء أو ترشيد الاستهلاك.
•• وهنا
نأتي الى السؤال الثالث: هل المقاطعة وحدها تكفي لخفض الأسعار؟.
الإجابة قدمتها إحدى الشركات ـ لا أعرف أي تفاصيل عن مؤسسيها ـ في شكل مبادرة رائدة طرحتها لتأسيس أو شركة مصرية لاستيراد السيارات.. بهامش ربح يبلغ 6% فقط.. وليست 30% أو أكثر التي يحصل عليها الوكلاء حاليا.. فكرة الشركة تقوم على أنك تختار السيارة التي تريد شراءها.. وهم يتولون مهمة الشراء من الخارج والنقل الى مصر وتخليص الجمارك ويسلونها لك بأقل كثيرا من سعر السوق.
•• هذا الفكر نراه نموذجا للحلول الذكية في مواجهة الاحتكارات يمكن أن يحتزى به في جميع المجالات.. وفي تسويق كل السلع.. المستوردة والمحلية أيضا.. على أن يجرى تسهيل تأسيس مثل هذه الشركات.. وبمساهمة الدولة نفسها.. والبنوك أيضا.. وتنشأ إدارات خاصة لمتابعة عملها ومساعدتها بالدعم الفني والمالي المطلوب.. وهو ما يحقق فائدة المستهلك من جانب.. وفائدة الدولة أيضا متمثلة في تحقيق قدر كبير من الاستقرار المالي والاقتصادي.