بقلم د. ماهر عشم رئيس شركة مصر لنشر المعلومات
لا شك أن اقتصاديات العالم تدار الآن بالمعلومات وأن الاقتصاد الرقمي يتربع على عرش البورصات فأكبر قيمة سوقية لشركات كبري البورصات العالمية لم تعد شركات البترول أو السيارات في السنوات الأخيرة لأن شركات التكنولوجيا كأمازون وأبل احتلت أماكنها باقتدار.
وإذا أخذنا أي ثانية كعينة عشوائية للزمن في عام 2018 المنقضي نجد أنه في تلك الثانية حوالي 2.7 مليون رسالة بريد إلكتروني قد أرسلت واستقبلت و74.860 فيديو تم مشاهدته على يوتيوب وحوالي 60.000 جيجابايت من المعلومات عبرت المسارات المختلفة عبر الإنترنت حسب التقرير الصادر عن البنك الدولي.
كما ورد أيضًا في نفس التقرير نقلًا عن شركة سيسكو إحدى أكبر الشركات المصنعة لأجهزة الشبكات أن حجم المعلومات العابر لشبكة الإنترنت في عام 2020 سيمثل 127 ضعفًا لتلك التي عبرت في عام 2005 أي أن حجم المعلومات يتضاعف حسب متواليات هندسية بسرعات وأحجام رهيبة.
هذه المعلومات تحمل قيمة اقتصادية كبيرة جدًّا قدرتها ماكينزي في عام 2014 ب 2.8 تريليون دولار. وليس سرًّا أن الهواتف الذكية المربوطة بشبكة الإنترنت ساهمت في سرعة مضاعفة تلك الأرقام في السنوات الأخيرة.
وحين نعيد صياغة ما ورد في التقرير بصورة مبسطة فمن سنوات قليلة لم توجد كبرى شركات التجارة في العالم كأمازون وعلي بابا وجوجل ولم توجد في مصر سوق دوت كوم ولا جوميا ولا أوبر أو كريم. تلك الشركات التي بنيت على تكنولوجيا المعلومات الحديثة وساهمت في زيادة التبادل التجاري وتنشيط الاقتصاد بصورة مباشرة وغير مباشرة وتعتمد تلك الشركات تمامًا على المعلومات التي نساهم بها جميعًا كأفراد وشركات ودول في إدارة نشاطها. فإذا رغبت في الحصول على خدمة التوصيل مثلًا من خلال التطبيق الخاص بأوبر فما عليك إلا أن ترسل الموقع الخاص بك والمكان الذي ترغب الوصول إليه وهذه تعتبر مساهمتك الشخصية في المعلومات الموجودة لدى أوبر ثم يرسل السائق الموقع الخاص به وإذا كان متاحًا فدون الإشارات الصادرة من تليفون سائق أوبر لن تستطيع الشركة معرفة أماكن السيارات المتاحة ولن تستطيع مساعدتك. تقوم الشركة بإرسال السائق المتاح لموقعك وتوصيلك. بعد ذلك يصلك استطلاع الرأي الخاص بالخدمة حتى يمكن الحفاظ على الجودة من الخدمات المقدمة بواسطة السائقين وسياراتهم. ثم يتم تحليل تلك المعلومات لمعرفة المسارات الأكثر شهرة وتقديم عروض عليها وحوافز لتكرار الخدمة وبالتالي زيادة المبيعات المقدمة.
ومع زيادة اعتماد اقتصاديات الدول الكبرى على البيانات للأسف هناك معلومات كثيرة في مصر في غاية الأهمية وغير متاحة ولا توجد لها قواعد بيانات منظمة ومنها على سبيل المثال لا الحصر المعلومات الخاصة بالأمراض والملف الرقمي الطبي الخاص بكل مواطن والذي يسهل على المواطن معاناته في متابعة حالته الطبية ويمثل قيمة جبارة للبحث العلمي في هذا المجال ومتفرع منه البيانات الخاصة بالأدوية واستهلاكها والذي تدفع فيه شركات الأدوية مبالغ باهظة لأنه عماد الإنتاج والتوزيع فيها.
أيضًا باستثناء الشركات المدرجة في البورصة المصرية لا توجد في مصر قاعدة بيانات للشركات المؤسسة فيها في عصر نعتبر فيه الشركات الصغيرة والمتوسطة قاطرة الاقتصاد دون أن نبني ونوفر قاعدة بيانات لتلك الشركات. لا يمكن لأي شركة أن تكبر دون تمويل ولا يمكن لأي ممول المخاطرة برأس المال دون تصنيف ائتماني ولا يمكن القيام بهذا التصنيف دون الحصول على تلك البيانات والتي تمثل صعوبة في أي دراسة وهي موجودة لدى جهات كثيرة في الدولة لكن ورقيًّا فقط. بل أكثر من ذلك كيف يمكن للمستثمر الأجنبي الاستثمار دون معلومات عن القطاعات والأنشطة المختلفة ودون معرفة الشركات العاملة بتلك الأنشطة وأحجامها؟ وهذا أيضًا صعب وغير متاح في عصر يحتاج فيه اقتصادنا لمضاعفة الاستثمارات المالية المباشرة وغير المباشرة.
كثير من المعلومات المقدمة لتلك الشركات هي معلومات شخصية مقدمة مجانًا بواسطة المستخدمين لتلك التطبيقات والخدمات والتي لها قيمة اقتصادية جبارة تتحول بدورها إلى قيمة مالية لشركات الإعلان مثلًا فإذا بحثت عن منتج معين على أمازون أو سوق تجد إعلانات هذا المنتج والمنتجات المشابهة تطاردك أينما ذهبت على فيسبوك أو يوتيوب أو جوجل وهذه الإعلانات تقتحم عالمك دون اختيارك ولا تشارك في القيمة التي أنت أوجدتها ولكن قد تفيدك المعلومة الموجودة بها.
هنا ظهرت أهمية دور الدولة في إصدار تشريعات خاصة بحماية سرية البيانات وإتاحة المعلومات لتلك المنظومة لحماية حقوق الأفراد في إتاحة أو حجب مساهماتهم من المعلومات حسب رغباتهم وتنظيم تداول تلك المعلومات للشركات والقيمة المولدة منها. معظم دول العالم مع استثناءات قليلة معظمها في إفريقيا أصدرت تشريعات وقوانين تنظم تلك العلاقة وتشجع مركز المعلومات وتمكنها من استضافة تلك المعلومات إذن فكبرى الشركات لا تستخدم مراكز المعلومات الموجودة بالدول التي لا توجد بها تلك التشريعات. مع الأسف مصر من تلك الدول القليلة في العالم الغائب عنها قوانين حماية البيانات وحرية تداول المعلومات.
صدرت تشريعات كثيرة في السنوات الماضية أقل أهمية وفائدة للاقتصاد ولم تصدر التشريعات الخاصة بأكبر محرك لاقتصاد العالم فماذا ننتظر.