فى مسح حابي: قرارات البنوك المركزية فى دول العملات المستقرة تكشف تشجيع النمو

اتجاهات الفيدرالي الأمريكي والمركزي الأوروبي تبشر بتخفيف الائتمان وليس تشديده

aiBANK

إعداد ـ حابي

كشف مسح أجرته جريدة “حابي” على آخر قرارات البنوك المركزية حول العالم، عن اتجاه 17 بنكًا مركزيًّا إلى إقرار خفض في أسعار الفائدة تراوح بين 1.5 نقطة مئوية، و0.01 نقطة مئوية منذ نهاية ديسمبر الماضي وحتى أمس.

E-Bank

17 بنكًا مركزيًّا يقررون خفض أسعار الفائدة بين 1.5 و0.01 نقطة مئوية

15 دولة ترفع العائد بين 8.78 نقطة مئوية و0.01 نقطة مئوية

في حين، اتجهت البنوك المركزية في 15 دولة بقيادة الأرجنتين إلى رفع أسعار الفائدة بنسب بين 8.78 نقطة مئوية و0.01 نقطة المئوية، وسبب اتساع الفجوة بين الرقمين هو ما أقدم عليه البنك المركزي الأرجنتيني أمس السبت بإقرار رفع قياسي جديد في سعر العائد اقترب من 9 نقاط مئوية دفعة واحدة في محاولة لإنقاذ البيزو من الانهيار عبر رفع الطلب عليه وتقديم سعر فائدة مرتفع للأموال الساخنة.

136 بنكًا مركزيًّا يقرر تثبيت أسعار الفائدة في آخر اجتماعات

أما بقية الدول التي شملها المسح وعددها 136 دولة، فقررت بنوكها المركزية تثبيت أسعار الفائدة في آخر اجتماعاتها.

بنظرة سريعة في الإفصاحات الصادرة عن البنوك المركزية التي قررت خفض أسعار الفائدة وبقراءة بسيطة في حركة عملاتها، سنجد مجموعة من السمات المشتركة التي تكشف إلى حد كبير عن فلسفة قرارتها في هذا التوقيت.

أحد هذه السمات وربما يكون الأهم هو مرور عملات غالبية الأسواق التي قررت خفض الفائدة بفترة استقرار واضحة جاءت عقب موجات من الاهتزاز الذي كان قد دفعها في شهور ماضية إلى رفع سعر الفائدة لتحقيق الاستقرار اللازم في سوق صرفها.

السمة الثانية وهي وثيقة الارتباط بالأولى، هو مرور اقتصادات بعض هذه الدول بموجات تضخم نتجت تأثرًا بالأساس بمتغيرات عالمية ومن بينها سرعة حركة الأموال الأجنبية قصيرة الأجل بحثًا عن سعر الفائدة الأعلى للاستثمار به، وكذلك الارتباك الذي مرت به التجارة العالمية خاصة مع تصارع أكبر دولتين مؤثرتين في حركة التجارة العالمية (أمريكا والصين) إلى فرض إجراءات حمائية وروسوم على الكثير من وارداتهما بصورة رفعت تكلفة الكثير من السلع الاستراتيجية.

أما السمة الثالثة التي تشاركت بها بعض الدول التي قررت المضي في خفض أسعار العائد على عملاتها، فهو سعيها إلى الحد من البطالة بالأساس عبر تحفيز الشركات والاستثمارات على التوسع والنمو، وذلك من خلال خفض تكلفة التمويل اللازم لهذه التوسعات.

وبناء على هذه السمات ظهر لأول مرة من شهور ميل واضح نحو تحفيز النمو والحد من السياسات المتشددة التي تبناها صانعو السياسات النقدية على مدار غالبية عام 2018.

وكان تقرير نشرته وكالة رويترز الأسبوع الماضي قد أشار إلى تحول عدد من البنوك المركزية بالأسواق الناشئة تحديدًا إلى التخلي عن سياسة التشديد بدعم من قرب انتهاء سياسة رفع الفائدة على الدولار الأمريكي التي انتهجها بنك الاحتياط الفيدرالي منذ ما يقرب من عام ونصف، وهي السياسة التي أضعفت عملات الكثير من الأسواق وزادت من التحديات على البنوك المركزية ودفعتها للسعي إلى الحفاظ على سوق صرف منتظم ولو على حساب أهداف النمو والرواج.

وقالت رويترز في تقريرها أن صناع السياسة النقدية كانوا يصارعون على مدار 2018 تداعيات الدولار القوي، وارتفاع التضخم والعملات الأكثر مرونة.

ولكن اتجاه بنك الاحتياط الفيدرالي الأمريكي لا يكشف وحده عن مسالك واتجاهات البنوك المركزية الكبرى، فالخميس الماضي ووفقًا لما نقلته وكالة بلومبرج، أعلن البنك المركزي الأوروبي أنه سيحافظ على أسعار الفائدة عند مستويات قياسية، لكنه سيعيد تشغيل برنامج قروض رخيص للبنوك.

ويرى لاري سامرز وزير الخزانة السابق، والخبير الاقتصادي البارز في بنك إنجلترا لوكاش وفقًا لمقالة الخميس الماضي، أن العالم المتقدم معرض لخطر انعكاس تجربة اليابان حيث يبدو أن معدل الفائدة المتوازن المنخفض جدًّا هو سمة شبه دائمة.

ووفقًا لبلومبرج، فإن الإجراءات التي اتخذها البنك المركزي الأوروبي والبنك الاحتياطي الفيدرالي تزيد التكهنات بأن جهود البنوك المركزية لإعادة السياسة إلى ما كانت عليه في السابق ستنتهي، وستكون الخطوة التالية هي تخفيف الائتمان وليس تشديده.

الولايات المتحدة تعاني من انخفاض التضخم عن المتوقع على مدار 7 سنوات

وتؤكد بلومبرج أن صانعي السياسة في الولايات المتحدة وأوروبا يواجهون نفس المشكلات التي عصفت بها اليابان على مدى عقود والمتثملة في الاقتصادات بطيئة النمو والتضخم المنخفض العنيد، وبالفعل، غاب التضخم في الولايات المتحدة عن هدف بنك الاحتياطي الفدرالي عند 2٪ لمدة 7 سنوات.

ومما يضاعف التحديات على المدى الطويل هو التحدي الفوري الخاص بانخفاض النمو العالمي الذي يتركز بالأساس في الصناعة التحويلية، وتدفعه المخاوف من الحروب التجارية والتخلص من الروافع المالية في الصين.

تزايد بوادر استئناف التحفيز النقدي.. وخبرات اليابان في مواجهة الركود تسيطر على العقول

ويأمل محافظو البنوك المركزية أن يكون هذا النمو المتباطئ مؤقتًا، مثلما كانت الحال عدة مرات منذ انتهاء الأزمة المالية في عام 2009. وهذا سيسمح لهم باستئناف التحفيز النقدي، وإذا لم يكن الأمر كذلك، فسيتم دفع ثمن كبير لمحاربة الركود القادم؛ لأن أسعار الفائدة ستظل منخفضة جدًّا والميزانيات كبيرة جدًّا.

وقال أندرو بوسوموور، مدير الأموال في شركة باسيفيك إنفيستمنت مانجمنت كومباني لبلومبرج: “هناك احتمال قوي بأن ما حدث في اليابان منذ عقدين من الزمن يتكشف حاليًا في منطقة اليورو. ويعني ذلك على الأرجح تعايش أسواق رأس المال مع انخفاض العوائد لوقت أطول. ربما للأبد’’.

البنك المركزي الأوروبي توقع تراجع النمو الاقتصادي هذا العام إلى 1.1٪ من 1.7%

البنك المركزي الأوروبي لم يرجح فقط تثبيت الفائدة لكنه توقع أيضًا تراجع النمو الاقتصادي هذا العام إلى 1.1٪ من 1.7٪، وأشار إلى أنه لن يحقق هدفه المتمثل في انخفاض التضخم إلى أقل من 2٪ حتى بعد عام 2021.

محللون: البنك المركزي الأوروبي لا يستطيع أن يتصرف بمفرده وحكوماته بحاجة إلى اتخاذ إجراءات لتعزيز الاقتصاد

لا يستطيع البنك المركزي الأوروبي أن يتصرف بمفرده، وحكوماته بحاجة إلى اتخاذ إجراءات في الميزانية لتعزيز الاقتصاد، وفقًا لما قاله أنجل أوبيدي، رئيس قسم أبحاث الاقتصاد في قسم الدخل الثابت العالمي التابع لشركة Citadel LLC. والذي أكد في مؤتمر في واشنطن يوم 5 مارس “منطقة اليورو تحتاج إلى الكثير من الحوافز المالية”.

وفقًا لتقرير بلومبرج، هناك اعتقاد بأن مسؤولي بنك الاحتياطي الفيدرالي في وضع أفضل بكثير من نظرائهم في أوروبا واليابان. خاصة أن الفيدرالي الأمريكي تمكن وتجاوز بالفعل على مدار الشهور الماضية رفع أسعار الفائدة على الدولار من أدنى مستوياتها القياسية.

جون ويليامز: هناك حاجة للتكيف مع عالم يكون فيه النمو الاقتصادي أبطأ وتكون أسعار الفائدة أقل من ذلك

كما أنهم مضطرون للتكيف مع ما وصفه رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك جون ويليامز هذا الأسبوع بـ “الوضع الطبيعي الجديد”، وهو عالم يكون فيه النمو الاقتصادي في الاتجاه أبطأ، وتكون أسعار الفائدة أقل من ذلك.

في المقابل، أعلن بنك كندا هذا الأسبوع عن قناعته بضرورة رفع أسعار الفائدة، حيث أعرب المسؤولون عن المزيد من عدم اليقين بشأن التوقعات. أما في أستراليا، يتعرض البنك المركزي لضغوط متزايدة لتخفيف السياسة في مواجهة أزمة الائتمان وانخفاض أسعار العقارات.

وقال محافظ البنك المركزي الأسترالي فيليب لو في الخامس من مارس “ستحتاج أسعار الفائدة إلى الارتفاع هذا العام”.

وسط هذا العالم الذي يتحرك بين أربعة سيناريوهات، أولها ببساطة هو خفض الفائدة لتشجيع النمو، والثاني رفع الفائدة لمواجهة التضخم، والثالث هو تثبيت الفائدة بحثًا عن استقرار الأوضاع، والرابع وهو الأكثر ميلًا في الولايات المتحدة على سبيل المثال والخاص بسعر الفائدة المحايد الذي لا يستهدف تحفيز النمو أو تقييده، هناك مخاوف من أن يؤدي الرهان على السياسة النقدية في تقييد أو تشجيع النمو إلى تشويه حركة أسعار الأصول.

فمنذ ديسمبر 2018، ضخت البنوك المركزية مجتمعة ما يصل إلى 500 مليار دولار من السيولة لتحقيق الاستقرار في الظروف الاقتصادية. وقام الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي برفع تدريجي لسعر الفائدة ما دفع البنوك المركزية الأخرى إلى إجراءات مماثلة، مما غذى وفقًا لمحللين مرحلة جديدة من “فقاعة كل شيء”، ودفع الأسواق من البيع العشوائي إلى الشراء العشوائي. هذا الوضع أظهر مناقشات جديدة حول إذا ما كان ينبغي استخدام برامج التيسير الكمي في حالات الطوارئ فقط أم بشكل روتيني.

ووفقًا لتقرير آخر نشرته بلومبرج آواخر فبراير الماضي، أصبح الاقتصاد العالمي يعتمد بشكل كبير على الميزانيات العمومية الضخمة للبنوك المركزية والسياسة النقدية التيسيرية، والبعض يرى أن هذا الاعتماد خطير لأسباب مختلفة، وقد يأتي بنتائج عكسية.

فبينما تعزز التدابير النقدية أسعار الأصول أيضًا، فإن تأثيرها على الاستهلاك والاستثمار غير واضح. على عكس المبادرات المالية أو المالية الجزئية، لا يمكنها استهداف قطاعات محددة أو أهداف محددة. فعندما تقوم البنوك المركزية بتمويل الحكومات، فإنها تمحو التمييز بين السياسة المالية والسياسة النقدية.

ووفقًا لتقرير بلومبرج، وعلى عكس كلاسيكيات الاقتصاد، فقد يؤدي خفض تكلفة المال وزيادة السيولة إلى تقليل النشاط الاقتصادي بدلًا من تعزيزه؛ لأن انخفاض تكاليف رأس المال يساعد على زيادة الرهان علي التكنولوجيا والتشغيل الآلي ومن ثم تشريد العمال والحد من القدرة على المساومة من أجل زيادة الأجور، وتتفاقم هذه المشكلة عندما تشجع أسعار الفائدة المنخفضة المستثمرين على السعي بصورة أكبر لزيادة الأرباح أو إعادة شراء الأسهم، ويحدث ذلك في كثير من الأحيان عن طريق خفض القوى العاملة لتحسين الأرباح والتدفقات النقدية.

كما يؤدي خفض الفائدة إلى تراجع دخل ذوي المعاشات وبالتالي قوتهم الشرائية، وأيضًا مع انخفاض عائدات الاستثمار، يتعين على المستثمرين تخصيص مدخرات إضافية للاحتياجات المستقبلية، وتقليص دخلهم المتاح. إذا قام المستهلكون باقتراض المزيد من الأموال لتمويل الاستهلاك الروتيني، فإن مستويات الديون سترتفع.

كما أن الشروط النقدية السهلة تعمل على إدامة مشكلات الشركات الضعيفة التي تبقى على قيد الحياة فقط لأن التدفقات النقدية تغطي فوائد القروض بأسعار منخفضة.

اضغط للاطلاع على قرارات البنوك المركزية فى العالم بشأن أسعار الفائدة فى آخر اجتماعات

الرابط المختصر