بقلم د. ماهر عشم رئيس شركة مصر لنشر المعلومات
عادة ما أبدأ يوم السبت في الصباح الباكر بالتفكير في موضوع المقال الأسبوعي الذي يمثل تجربة متجددة لا أزال أتعلم منها وتحديًا أسبوعيًّا أحاول كل مرة أن أتجاوزه واليوم يصادف أنه الذكري السنوية لانتقال أبي إلى المكان الأفضل وأيام قليلة قبل الاحتفالات بعيد الأم مما دفع بخاطري أفكارًا وذكريات لا أستطيع حصرها. تلك الذكريات الجميلة أستند عليها دائمًا في مواجهة الصعاب والتحديات.
ولكن الفكرة الثابتة في ذهني هي ما قدمه والدي لي من تعليم وخبرات أعانتني على أن أشق طريقي وأكوّن شخصيتي وثقافتي وذهبت أفكاري إلى التعليم اليوم فوصلت إلى حتمية التعرض إلى بعض من المواد الناقصة من مناهج التعليم والتي قد تصبح أجدى وأنفع لنا ولمجتمعنا من الحشو الموجود حاليًا فكم منا يعي أنه درس مواد وتفاصيل لم ولن يستخدمها في حياته وأنه احتاج إلى تعلم ما لم يقدم له في مراحل الدراسة المختلفة وهذه دعوة لأولي الأمر بحذف ما لم يحتاجوا إليه بالمواد التالية:
أولًا: ريادة الأعمال وهي مادة يجب أن تدرس من نهاية المرحلة الابتدائية لإعداد أمة شابة غالبية سكانها لم تتجاوز أعمارهم خمسة وعشرين عامًا وتخطط للنهوض الاقتصادي استنادًا إلى المشروعات الصغيرة والمتوسطة. لذلك يحتاج الأطفال من سن صغيرة إلى تعلم كيفية التخطيط والإدارة للمشروعات الصغيرة.
أتذكر تجربة ناجحة جدًّا شاركت فيها في كتابة منهج لريادة الأعمال وتجربته في مدارس حكومية بالأقاليم منذ سنوات عديدة وكانت نتائجه مبهرة لم أتوقعها عندما قدم هؤلاء الصغار من محافظات مصر من الوجهين البحري والقبلي عرضًا لتجاربهم وما تعلموه لنا في أحد فنادق القاهرة.
لم يستفِد أحد من تلك التجربة الناجحة ودفنت ولم تتكرر وكم أتمنى إحياءها والاستفادة بالمحتويات مع تجديده طبعًا. تجددت تلك الذكريات من أسبوعين وأنا أزور إحدى القرى الفقيرة والصغيرة بصعيد مصر لأجد سيدات فاضلات هن رؤوس العائلات وتقع على عاتقهن مع كل مسؤوليات الأمومة وكسب الرزق ووجدت لديهن ماكينات خياطة قدمتها لهن إحدى منظمات المجتمع المدني ولجهلهم بريادة الأعمال يتم استغلالهن من تجار بتفصيل ملابس أطفال مقابل قروش قليلة.. نعم قروش وليس جنيهات قليلة.
لذلك تيقنت أن تلك المعرفة يحتاجها الصغير قبل الكبير والفقير قبل الغني. يحتاجها البسطاء للارتقاء بظروف حياتهم وعائلاتهم وتحتاجها بلادنا للنهوض الاقتصادي والاجتماعي مسودة على سواعد أبنائها وبناتها.
ثانيًا: التاريخ المصري القديم والسياحة وهي الأمل وأهم الموارد في المستقبل في الحصول على العملة الصعبة. كنت في طريقي عابرًا لميدان التحرير بسيارتي بجانب المتحف المصري المحاط بترسانة من شرطة السياحة ووجدت سائق سيارة يطارد السياح ويعكر عليهم متعتهم وأمانهم لفرض خدماته عليهم على مرأى ومسمع من رجال الشرطة والمرور.
نحتاج إلى مراجعة مناهج التاريخ والنظر إلى آثارنا وحضارتنا بتلك العين التي ينظر إليها بها المثقفون في الغرب عندما يذهبون إلى أي متحف في العالم ويجدوا الآثار المصرية هي المكون الأعظم لمتاحفهم ونحن لمن تربى في مدارسنا على رحلات المتاحف والآثار والأهرام وهي منتشرة تقريبًا في كل محافظات مصر لذلك فلا نقدرها ولا نقدر قيمة السياحة ويجب أن تحتوي مناهجنا على مبادئ حسن معاملة السائحين،أولًا: لأنهم ضيوف كرام وجب علينا الترحيب بهم وهذا مكون أصيل بثقافتنا، وثانيًا: لأهمية السياحة كمكون أساسي للاقتصاد والنمو في إجمالي الناتج المحلي.
هذه المعرفة يحتاجها التاجر والمرشد السياحي والسائق ورجل الأمن والصغير والكبير لتصبح مصر مقصدًا ممتعًا وتجربة جميلة تحث السائح على تكرارها وليس النفور منها وليكون كل سائح جاء إلى مصر دعاية حية ومتحركة لآخرين أيضًا. يا سادة علمنا المثل القديم أن من فات قديمه تاه ونحن تاهت هويتنا من مدخلات مندسة مدفوعة الأجر شوهت الهوية المصرية والمكونات الأصيلة لها وغير من تحيتنا وزينا وحان الآن استرجاعها من سارقيها.
ثالثًا: الأخلاق والثقافة والذوق العام، وكنت أعيد ترتيب مكتبتي فوجدت كتابًا قديمًا من مناهج المدارس الخاصة بوالدي عن الأخلاق وكان يدرس لطلاب الثانوي بقلم الأديب الراحل أحمد أمين. فهمت عند رؤية هذا الكتاب لماذا تفوقت علينا الأجيال السابقة في أخلاقها بالرغم من تفوقنا عليهم في التدين الظاهر.
كم نحتاج إلى إعادة تدريس الأخلاق واحترام الآخرين واحترام القانون. نحتاج بجانب ذلك الاهتمام بالجمال والثقافة والذوق العام فلو قارنا جمهور الست أم كلثوم بجمهور أي حفل معاصر أو حتى جماهير الكرة في المباريات القديمة أو الفلاحين في القري ومنازلهم سنجد أن هناك هوة واسعة لن نعبرها إلا بتعليم أولادنا أهمية الثقافة والجمال والذوق العام وتغيير القبح المعاصر أملًا في غد جميل ومنير ومبهج وأكثر إشراقًا.