بقلم صالح ناصر رئيس قسم التحليل الفني في بايونيرز
إحدى أهم النصائح التي نحب أن نسديها هو أن تكون أحلامنا معقولة ويمكن الوصول إليها. هذه النصيحة تنطبق على الاستثمار في أسواق المال ولكن لا تنطبق على الحياة عامة، فعندما نحلم بأشياء عظيمة ونعمل جاهدين على الوصول إليها فخبراء التنمية البشرية يقولون لنا إن هذه الأحلام سوف تتحقق في المستقبل، وبما أني لست خبيرًا في التنمية البشرية فلن أناقش هذه المسألة رغم أني أعتقد أن هذا الكلام صحيح إلى حد كبير، فكلما كبر الحلم وكلما صممنا على تحقيقه أصبح هذا الحلم واقعًا وحقيقة.
أما بالنسبة للاستثمار في البورصة فهذا الكلام غير صحيح على الإطلاق، فكلما كانت طموحاتنا كبيرة في الاستثمار في مجال البورصة زادت خسائرنا. والسبب في ذلك هو أنه كلما كانت طموحاتنا كبيرة فيما يتعلق باستثماراتنا اتخذنا تدابير تتسم بجزء كبير من المخاطرة غير المحسوبة مما سيؤدي حتمًا إلى نتائج عكسية.
وعلى العكس من ذلك، فكلما كانت خسائرنا صغيرة (صغيرة حجمًا وليس عددًا) كانت أرباحنا كبيرة. هذا معناه أن تركيزنا ونحن نستثمر يجب أن ينصب على تقليل الخسائر وليس تعظيم المكاسب حيث إن نجاحنا في تطبيق الأولى يؤدي بنا حتمًا إلى الثانية.
بمعنى آخر، الطموحات الكبيرة ستؤدي بنا إلى التفكير في تعظيم الأرباح بدلًا من التفكير في تقليل الخسائر مما سيؤدي إلى نتائج غير مرجوة. وعلى الجانب الآخر فالتفكير في الخسائر وكيفية التحكم فبها هو ما سيؤدي بنا إلى تعظيم الأرباح. قد يقول القارئ الآن ”طب ليه مانفكرش في تعظيم الأرباح وفي نفس الوقت نقلل الخسائر برده“، الحقيقة أن الواقع والعلم يقولان إننا لا نستطيع أن نطبق الشيئين معًا وبنفس النجاح، فالتفكير في تعظيم الأرباح يؤدي بنا إلى قرارات تتعارض مع تقليل المخاطرة للتحكم في الخسائر.
المهم في هذا الموضوع أن طموحاتنا الكبيرة سوف تتحقق إذا لم نفكر فيها بطريقة مباشرة. أي أن التفكير في جعل خسائرنا صغيرة هو سر النجاح، فالخسائر الصغيرة هي أساس تحقيق أرباج كبيرة، فكلما كانت خسائرنا محدودة (حجمًا وليس عددًا) زادت الأرباح.
الكثير من المستثمرين يقعون في هذا الخطأ الكبير حيث إنهم يبدأون بالتحدث عن أرباحهم المتوقعة من شراء سهم معين كأن هذه الأرباح تم تحقيقها فعلًا. هذا التفكير يشغلنا عن التركيز في كيفية التصرف في السهم الذي بحوزتنا خاصة إذا تحرك عكس التوقعات. لا يمكن لطبيب جراح أن يعد النقود خلال قيامه بالعملية لأن هذا سيشتته عن عمله، وبنفس المنطق لا يقوم المحامي بعد أتعابه خلال مرافعاته في المحكمة. بنفس المنطق ليس من المعقول أن يحسب المستثمر أرباحه المتوقعة بدلًا من التركيز على كيفية التعامل مع الأسهم التي بحوزته.
من ضمن الأسباب الرئيسية التي تؤدي إلى الخسائر عندما نبحث فقط عن الأرباح وهو ما يسمي بالعقل الجمعي “brain of the crowd” حيث إن هذا العقل هو ما يجعلنا نتصرق تصرفات غير منطقية في أوقات كثيرة، ومن المهم أن نفهم ماهية هذا العقل وكيف يتكون وحجم تأثيره على المشتغلين في مجال الأوراق المالية، وسيكون العقل الجمعي هو موضوعنا القادم بإذن الله تعالي.