بقلم د. ماهر عشم رئيس شركة مصر لنشر المعلومات
دار حديث بيني وبين مجموعة من الأصدقاء الأسبوع الماضي كلهم من رجال الأعمال ولديهم مصانع متوسطة الحجم وتجارة على الأقل في ثلاثة مجالات مختلفة.
بدأ الحديث بالتعبير عن قلقهم عن فهم خاطئ أن الدولة ستجبر الجميع على استخدام المدفوعات الإلكترونية مما سيقلل حجم المبيعات ويحمل المستهلك تكلفة إضافية وهي مصاريف التحصيلات الإلكترونية وهذا يزيد من موجة التضخم إلى آخره من حديث شيق مليء بالحقائق والمغالطات ومناقشة حاولت فيها أن أشرح فوائد التحول لمجتمع لانقدي وأنه ليس هناك أي إجبار لأي أحد على تلقي مدفوعاته عبر الوسائط الإلكترونية.
فكرت بعدها في ما دار في الحديث من ناس هم من صفوة المجتمع ومن الممكن أن يقوم اقتصاد بلدنا على أكتافهم وأكتاف أمثالهم واستنتجت منه الآتي:
أولًا: تحتاج الحكومة بمختلف وزاراتها إلى كيان محترف يدير الجانب الإعلامي على الوسائط المختلفة من مرئية ومسموعة ومتداولة عبر التواصل الاجتماعي لإرسال رسائل واضحة غير ممتزجة بالشائعات والمغالطات والاستنتاجات الخاطئة لأن الكثير من الجهد الخارق المبذول لا يشق طريقه بصورة تحظى بالقبول لفئات المجتمع مثل فوائد التحول من مجتمع نقدي هو الأكبر في العالم تدريجيًّا إلى لانقدي وقد أفردت مقالًا سابقًا لها. فكم من الخطط والمجهودات لا تلقى القبول المتوقع والإيجابي من العامة لغياب ذلك الكيان وكم من المشروعات النبيلة لم تخرج إلى الأضواء اللائقة بها لعدم احترافية من يدير الجانب الإعلاني لكثير من الجهات.
ثانيًا: هناك نقص بصفة عامة في ثقافات التمويل وما يتعلق بالمعرفة العامة عن ريادة الأعمال والتكنولوجيا المالية وتأثير منتجاتها على مختلف الأعمال وهذا فراغ خطير في المعرفة يحتاج إلى مناهج تعليم لم تعد هامشية ولا مكملة لكن أهميتها في أهمية مختلف العلوم الأساسية وهي عماد للنمو والنجاح والانطلاق، كما يجب على الصحف والإذاعة والتلفزيون تناول تلك المعرفة في برامج تفرد لها بمحتوى بسيط وعرض شيق لنشر هذه الثقافة التي لن تتقدم أي دولة دونها.
ثالثًا: هناك معوقات فعلية علينا الاعتراف بها وحلها بسرعة وعلي رأسها ارتفاع تكلفة المعاملات الإلكترونية على المعاملات النقدية، فإذا افترضنا رغبة الصناع و التجار في تحصيل مدفوعاتهم عن طريق بوابات الدفع الإلكترونية والكروت الذكية وهي الأكثر شيوعًا ستتراوح تكلفتها من واحد ونصف إلى أربعة في المائة من المبيعات وبمتوسط اثنين ونصف بالمائة وهي تكلفة مرتفعة جدًّا لن يضحي بها التاجر وسيقوم بزيادتها على الأسعار المعتادة وهنا يجب أن تتدخل الدولة بقيادة البنك المركزي لتشجيع الحلول المبتكرة وللضغط على البنوك والشركات العاملة بهذا المحال لتخفيض أسعارهم علمًا بأن زيادة التحصيلات التي ستنتج عن هذا التخفيض ستعود بفارق الإيراد لتلك البنوك والشركات.
رابعًا: أزمة الثقة الرهيبة بين مصلحة الضرائب والممولين الكبار مع الصغار تمثل رغبة الغالبية بالتمسك بالمعاملات النقدية غير المسجلة خوفًا من التقديرات الجزافية الخرافية أحيانًا من مصلحة الضرائب وتدفع الكثيرين إلى التهرب منها ومن تعقيداتها، ولا أعلم لماذا لم تكمل مصلحة الضرائب في الطريق الذي بدأ في عهد الدكتور يوسف بطرس غالي والذي كان قد بنى جسورًا لا بأس بها في ذلك الاتجاه. نحتاج إلى إقناع موظف الضرائب أن الممول أمين حتى يثبت العكس.
كما نحتاج إلى إقناع الممول بأنه لن يدفع أكثر من المفروض على أرباحه ونحتاج معاقبة المخطئ من الطرفين بعقوبات رادعة مع وضع آلية واضحة منصفة وسريعة للتظلم. بالإضافة إلى ما سبق نحتاج إلى وضع ضريبة ثابتة للأنشطة المختلفة من صغار الممولين وكل ما سبق ليس بجديد أو غائبًا عن أحد ولكن يحتاج إلى خطوات سريعة على أرض الواقع وإلى مبادرات مسؤولة لا أراها على للأولويات حتى الآن ولا تحول من الاقتصاد غير الرسمي إلى الاقتصاد الرسمي دونها.
أخيرًا: هناك حاجة إلى ترميم الفجوة بين أصحاب الحلول والابتكارات في مجال التكنولوجيا المالية والبنوك فحتى الآن معظم البنوك تتكلم عن تلك المصطلحات بإعجاب شديد وتفرد للابتكار أقسامًا ونواب رؤساء دون تقدم ملموس على أرض الواقع كمن يجري في محله ولا تثق في تلك الشركات الناشئة وإن حاولت يتم إجهاض تلك المحاولات عن طريق الخوف الزائد بواسطة المسؤولين عن نظم المعلومات بتلك البنوك من اتصال الأنظمة الرئيسية الخاصة بالبنك بأي أنظمة ناشئة وهو خوف في محله ولكن له طرق للتعامل مع تلك الشركات الناشئة وفي الوقت نفسه تجنب أي من الخاطر التي قد تنشأ من تلك الاتصالات.
علينا الاستفادة من تجارب من كانت ظروفهم مشابهة وسبقونا وأحرزوا تقدمًا كبيرًا بدلًا من محاولات إعادة اختراع العجلة أو النظر إلى تجارب دول مختلفة في ظروفها عنا ولن نتمكن من تطبيق تجاربها.