عمرو الألفي: دور البنوك المركزية في النمو.. هل هي المايسترو أم عازف؟
الأزمة المالية العالمية سبب رئيسي في لفت الأنظار نحو السياسات النقدية
أعدها للنشر: بكر بهجت
عرض عمرو الألفي، مدير إدارة البحوث بشركة شعاع، خلال مؤتمر “حابي” الثاني دراسة بحثية بعنوان “اتجاهات قرارات البنوك المركزية واستهداف النمو”.
وركز خلالها على الارتباط بين سياسات البنوك المركزية وتحقيق النمو، وتوضيح دور البنوك وما إذا كانت مسؤولة بمفردها عن ذلك أم أن هناك عوامل أخرى تؤدي إلى حدوث تغيرات في المعدلات، وإلى تفاصيل ذلك في السطور الآتية..
“بداية وبما أن المؤتمر يقام تحت عنوان “النمو المؤثر” فإن أحد أهم اللاعبين في الاقتصاد بصورة عامة وفي النمو هي البنوك المركزية، وخلال الفترة الأخيرة وعلى وجه التحديد بعد الأزمة المالية العالمية كان هناك اهتمام كبير جدًّا بقرارات البنوك المركزية لأنها وفق خبراء ومتعاملين فإنها لا تؤثر فقط في الاقتصاد وإنما هي محط أنظار المستثمرين”.
“.. قبل الحديث عن موضوع الدراسة أود أن أُشير إلى قصة “الديك والشمس” والتي تحكي أنه كان هناك ديك في إحدى المزارع يستيقظ من نومه ليصيح ومن ثم تبدأ الشمس في الإشراق، وتكرر ذلك لسنوات عديدة مما دفع قاطني تلك البلدة إلى الاعتقاد بأن ذلك الديك هو أقوى المخلوقات وأنه القادر على إشراق الشمس، وحتى جاء يوم لم يستيقظ الديك من نومه وإذ بالشمس تُشرق كعادتها، ومن هنا بدأ الناس في التفكير بأن الديك ليس هو المتحكم في شروق الشمس وأن هناك عوامل أخرى هي التي تؤدي إلى حدوث ذلك”.
“.. هذه القصة مرتبطة بعمل البنوك المركزية، من خلالها كونها ترتكز على السبب والنتيجة، وما إذا كانت البنوك المركزية هي التي تتسبب في النمو، أو أن النمو يتحقق ومن ثم تتكيف البنوك مثل أي أداة أخرى، والمتعاملون في السوق المصرية اتجهت أنظارهم إلى البنك المركزي بعد تحرير سعر الصرف في نوفمبر 2016 لمراقبة تحركاته وقراراته الخاصة برفع أسعار الفائدة أو خفضها.
“.. الاهتمام زاد مع إقدام البنك المركزي على خفض سعر الفائدة ضمن سياسات التيسير على المستثمرين والتي بدأها العام الماضي والعام الجاري واصل المركزي تلك السياسة، وظهرت العديد من التوقعات على مدار الأشهر الماضية، وما إذا كان المركزي سيخفض الفائدة أو يُثبتها، ونحن في شعاع نجحنا في توقع اتجاه المركزي خلال اجتماعي يناير وفبراير، والتأكيد على أن هناك عوامل وأسبابًا أخرى تؤدي إلى ذلك”.
“.. بما أننا أشرنا إلى الأزمة المالية العالمية فأود أن أُشير إلى رئيس الاحتياطي الفيدرالي السابق بن برنانكي والذي قال: «معظم السياسات التي تدعم النمو الاقتصادي القوي على المدى الطويل تقع خارج نطاق البنك المركزي»، مما يعني أن البنك المركزي دوره هو إصدار قرارات تُحدث تغييرًا على المدى القصير، ولكن هناك عوامل أخرى مثل القطاع الخاص والثقة في الاقتصاد هي التي تؤثر على المدى الطويل”.
“.. هناك تساؤل يفرض نفسه ألا وهو هل كل الدول لديها بنوك مركزية؟ والإجابة تكمن في أنه ليس كذلك فالولايات المتحدة الأمريكية لم يكن لها بنك مركزي لفترات طويلة، وسبب أن المركزي الأمريكي وهو الاحتياطي الفيدرالي لم يتضمن مصطلح بنك لأن الناس دائمًا ما تتخوف من ذلك المسمى.
“.. بدأ البنك المركزي الأول في أمريكا عام 1791 واستمر حتى 1811، والمركزي الثاني كان في الفترة بين 1816 و1836، ومن بعده وعلى مدار 77 عامًا حتى عام 1913 لم يكن هناك بنك مركزي لأمريكا، مما يعني أنهم لم يكونوا في حاجة إلى بنك مركزي وخلال تلك الفترة كان هناك رواج كبير في الاقتصاد، بينما في مصر تأسس البنك المركزي عام 1961، وقبل ذلك كان البنك الأهلي هو الذي يقوم بدوره”.
“.. وعلى صعيد موازٍ فإن بنك البنوك العالمي ليس في اسمه مصطلح بنك، ألا وهو صندوق النقد الدولي على اعتبار أنه السند لأي من البنوك المركزية وقت حدوث أي أزمة لديها”.
“.. التساؤل الذي نطرحه هو: هل البنوك المركزية هي المايسترو أم أنها أحد العازفين في الأوركسترا؟ البنوك المركزية لها أهداف كثيرة ولكن يمكن تلخيصها في 3 أهداف كلاسيكية الأول هو الحفاظ على استقرار الأسعار للسلع والخدمات في السوق، والثاني تحقيق استقرار الاقتصاد الكلي، والثالث أن يكون الملاذ الأخير للبنوك الأخرى، فعند حدوث مشكلات أو اندماجات لا بدَّ أن يتدخل”.
التناغم بين السياسات النقدية والمالية والقطاع الخاص أصبح ضرورة حتمية
“.. البنك المركزي لا يعمل بمعزل عن الآخرين وخاصة السياسات المالية للحكومة والقطاع الخاص، ودوره هو التنسيق بين النشاط الاقتصادي عبر تحريك أو توجيه أسعار الفائدة قصيرة الأجل وممكن طويلة الأجل، ولكن معظم البنوك لدينا تُركز على قصيرة الأجل”.
“.. وفيما يتعلق بأسباب رفع أو خفض الفائدة فإنه يرجع إلى أهداف البنك، فإما يكون الهدف هو رفع النمو، وبالتالي يلجأ لخفض الفائدة، وإذا كان الهدف هو خفض الأسعار وكبح التضخم فيلجأ إلى رفع الفائدة، وتوقيت اتخاذ تلك القرارات يرتبط بباقي العوامل”.
“.. الأزمة المالية العالمية أجبرت البنوك على اللجوء لآليات وتوجهات جديدة، وليس فقط رفع أو خفض الفائدة، بل ظهرت على الساحة الفائدة السلبية أو الصفرية لتحفيز النمو”.
“.. وباعتبار أن مصر ضمن الأسواق الناشئة فإن السياسة النقدية يكون لها دور في تحفيز النمو والحفاظ على الاستقرار الاقتصادي وفقًا للتغيرات المحلية والمتمثلة في التضخم والنمو، والتغيرات العالمية المتمثلة في أسعار النفط على سبيل المثال والتي من المحتمل أن تؤدي إلى زيادة التضخم المحلي، ولذا فإن البنك المركزي يعمل على مواءمة الظروف الخارجية والداخلية والخروج بقرار يتناسب مع الوضع”.
وتابع: “التساؤل الآخر يكمن في أداة سعر الفائدة وما إذا كانت لتعزيز النمو أم لدعم العملة المحلية؟ مشيرًا إلى أن الأسواق الناشئة حاولت في عام 2018 الحفاظ على أسعار الفائدة طبيعية لكن الأمور كانت صعبة مع تشديد السياسة النقدية الأمريكية والمخاوف من الحرب التجارية والسياسات الحمائية المصحوبة بمشاكل خاصة بكل بلد إلى عدة ارتفاعات في محاولة للتخفيف من مشكلات العملة”.
“.. ومشكلة الأسواق الناشئة قوة العملة فيها مرتبطة بالاحتياطي النقدي وثقة المستثمرين بها، ومن هنا تأتي أهمية التناغم بين القرارات النقدية والسياسات المالية للحكومة، وفي النصف الثاني من 2018 ظهرت تحديات الأسواق الناشئة على أسعار الأسهم والعملات التي انخفضت بصورة كبيرة، وبدءًا من العام الجاري تغيرت الصورة”.
“.. أما بالنسبة للنظرة المستقبلية والتوجه نحو تحديد النمو كأولوية يستوجب الإشارة إلى أن الاستثمار الخاص ظل ضعيفًا إلى حد كبير في العديد من الاقتصادات الناشئة، بما في ذلك مصر، حيث يجب أن تكون السياسة النقدية مؤيدة للنمو على المدى المتوسط، ولذا نرى أن تطبيع سعر الفائدة ضروري في غضون عامين إلى ثلاثة أعوام”.
“.. وفيما يتعلق بفاعلية سياسات البنوك المركزية وكونها محل اختبار فإننا نرى في المتوسط القريب إلى المتوسط أن دور السياسة النقدية في دعم النمو بالاقتصادات الناشئة والتي سوف يكون مقيدًا بسرعة التشديد عالميًّا؛ لأن الظروف المالية العالمية تؤدي إلى تداعيات كبيرة في الأسواق المالية المحلية ومن المحتمل أن تؤدي أيضًا إلى تعطيل جهود السياسة النقدية المحلية”.
“.. أما بالنسبة للشمول المالي فإنه أصبح أمرًا ضروريًّا حيث تعاني الأسواق الناشئة عادة من ضعف آليات التمرير النقدي، مما يجعل الشمول المالي أمرًا لا بدَّ منه نحو سياسة نقدية أكثر فاعلية في الاقتصاد، كما أن الأسواق الناشئة تحتاج إلى زيادة للحد من النمو المفرط للائتمان ولتجنب خطر عدم التطابق في العملة وتشجيع زيادة مماثلة في الاستثمارات المنتجة.
“.. وأخيرًا يجب التأكيد على أن ليست البنوك المركزية هي ورقة اللعب الوحيدة في أيدينا، فالأسواق الناشئة تحتاج استخدام السياسة المالية بشكل أكثر فاعلية والتقدم أكثر في الإصلاحات الهيكلية لتعزيز الطلب على الاستثمار وزيادة النمو المحتمل وتحقيق النمو الاحتوائي”.