تحالف مات قبل أن يولد

aiBANK

بقلم مجدي سرحان ـ رئيس مجلس إدارة جريدة حابي

منذ صباح الخميس الماضي وحتى وقت كتابة هذه السطور.. لم يصدر عن أية جهة رسمية مصرية نفي أو تأكيد لما تتداوله جميع وسائل الإعلام العالمية.. نقلا عن وكالة «رويترز».. من أنباء حول إنسحاب مصر من مشروع «الناتو العربي» أو «تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي» الذي تتبنى إدارة الرئيس الأمريكي ترامب فكرة إنشائه.

E-Bank

●● وفي إعتقادنا
ان مصر لن تحسم هذه الأنباء في المستقبل القريب بشكل علني.. نظرا لحساسية القرار بالنسبة للعلاقات مع باقي أطراف المشروع.. وعلى وجه الخصوص الأطراف العربية.. وأيضا لأن الإعلان عن الانسحاب المصري من هذا التحالف بشكل رسمي ونهائي هو في حقيقة الأمر يمثل «إعلان وفاة» للمشروع نفسه.. باعتبار أن مصر تمتلك أكبر جيش كان معولا على إندماجه ضمن هذا الحلف تكوين أضخم قوة ردع عسكرية عربية في مواجهة إيران وفقا للأهداف المعلنة من جانب الولايات المتحدة.

إلا أنه من المؤكد أن القاهرة لم ترسل الى الرياض يوم الأحد الماضي وفدا يمثلها في الاجتماع الذي جرى عقده بحضور أمريكي بغرض دفع جهود إنشاء هذا التحالف.

●● وفي ظل هذا الغياب
الى جانب تجاهل القاهرة إصدار بيان رسمي توضيحي لحقيقة الأمر.. سيكون علينا أن نتعامل مع نبأ الانسحاب باعتباره مؤكدا.. ما لم يثبت العكس.. خاصة وأن «رويترز» نسبت الى 4 مصادر لم تحدد أسماءها.. وصفتها بأنها «مُطلعة».. أن مصر أبلغت واشنطن بهذا القرار قبل أيام من الزيارة التي قام بها مؤخرا الرئيس عبد الفتاح السيسي الى الولايات المتحدة.. ولقائه مع الرئيس ترامب الذي أعلنت الإدارة الأمريكية أنه يشمل إجراء مباحثات «عسكرية مهمة».. وإن لم تذكر صراحة أن هذه المباحثات تتعلق بهذا الحلف.

غير أن هذا الموقف ربما يمثل من وجهة نظرنا تفسيرا لما أعلنه رسميا مايك بومبيو وزير الخارجية الأمريكي أثناء وجود الرئيس السيسي في واشنطن.. عن أن بلاده ستفرض عقوبات على مصر إذا ما أصرت على إتمام صفقة شراء 20 طائرة «سو ـ 35» مقاتلة من روسيا التي تستهدفها واشنطن أيضا بفكرة «الناتو العربي» باعتبارها حليفا للإيرانيين والسوريين.. بينما ترتبط مصر بعلاقات عسكرية واستراتيجية وسياسية وثيقة مع موسكو..

وترغب في نفس الوقت في الاحتفاظ بعلاقات قوية مع الولايات المتحدة ومع باقي الأطراف العربية في التحالف المزمع إنشاؤه.. ومع القيادة السورية أيضا.. وهذه معادلة غاية في التشابك والتعقيد.

●● من قبل
ومنذ أكثر من عامين حذرنا من «فخ الناتو العربي».. وقلنا: إن واشنطن بتبنيها لهذا المشروع إنما تصب المزيد من الزيت فوق نيران الصراع المذهبي بين دول المنطقة.. مستخدمة جيوش وأموال نفس هذه الدول..

بينما ترتدي هي ثياب «قوة الخير» التي تسعى لمواجهة قوى «التطرف الإسلامي» في المنطقة.. والتي تحصرها في إيران تحديدا وأطماعها التوسعية.. ومن يوالونها من «شيعة» بعض الدول العربية.. وبشكل خاص في سوريا ولبنان والعراق.. وعلى رأسهم بالطبع «حزب الله».. بينما يتخطى التصور الأمريكي الخفي حدود هذه الرؤية المخادعة.. ليصبح الهدف ليس «حماية الأمن القومي العربي».. ولكن توريط دول التحالف في فخ حرب مذهبية (سنية ـ شيعية) لا تحقق الا حماية أمن ومصالح إسرائيل.

●● والآن
يجتهد المحللون في تفسير قرار مصر الإنسحاب من المشروع الأمريكي.. إن كان ذلك حقيقيا.. ومن بين ما يسوقونه من أسباب «تشككها في جدية المبادرة وأنها لم تر بعد خطة أولية تحدد ملامح هذا التحالف ولأن وضع خطة مثل هذه ينطوي عليه خطر زيادة التوتر مع إيران».. وأن «القاهرة تخشى الانقياد إلى حرب ترهق مواردها».

لكننا بدورنا نرى أن قرار مصر ينبع من تقييم موضوعي وواقعي لمصالحها.. ولحقيقة أن فكرة هذا التحالف وفقا للتصور الأمريكي قد ولدت ميته أصلا.. ولن ترى النور.. لأنه ليس هناك توافق عربي تجاه الهدف المعلن من إنشاء التحالف.. وهو الخطر الإيراني.. وأيضا نظرا للتفاوت الكبير بين الدول الأعضاء المفترضه فيه.. من ناحية المصالح والتشابكات الاستراتيجية مع القوى الكبرى غير المتحمسة لمشروع إنشاء «الناتو العربي».. ذلك الذي سيكون مصيره التجميد مثل جميع مشاريع التحالفات العسكرية السابقة.

الرابط المختصر