كيف ننمي متناهية الصغر؟

aiBANK

بقلم د. ماهر عشم رئيس شركة مصر لنشر المعلومات سابقا

تصدر هيئة الرقابة المالية في السنوات الأخيرة بيانات دورية قيمة وغنية عن التمويل متناهي الصغر ومن يتابع تلك التقارير يجد أن قطاع التمويل متناهي الصغر هو من أكبر قطاعات التمويل نموًّا من حيث عدد المستفيدين وعدد المؤسسات التي تدخل في ذلك النشاط.

E-Bank

تبدأ القروض من خمسة آلاف جنيه وتقدم عن طريق أكثر من ثمانمئة جمعية أهلية غير هادفة للربح تمول حوالي سبعين بالمئة من تلك القروض وأقل من عشر شركات تمول باقي النسبة.

الجدير بالذكر أن حوالي سبعين بالمئة من المستفيدين من السيدات وحصلوا على خمسين بالمئة من القروض في مقابل ثلاثين بالمئة من الرجال حصلوا على النصف الآخر.

تبرز الأرقام نسبة السيدات اللائي يؤسسن مشروعات متناهية الصغر بتمويل في نصف متوسط حجم القرض الذي يؤسس به الرجال مشروعاتهم مما يعكس اختلاف حجم المشروعات أو تقدم الرجال عن السيدات في عدد دورات التمويل التي حصلوا عليها إذ إن كل دورة تمكن العميل من اقتراض مبلغ أكبر من الدورة السابقة للتوسع في مشروعه إن كان ناجحًا وقام بالسداد في المواعيد المحددة.

والملفت أيضًا في التقارير أن ستة وستين بالمئة من التمويل يستخدم في مشروعات تجارية وثلاثة عشر بالمئة مشروعات خدمية ومثلها إنتاجية والباقي والأقل حظًّا مشروعات زراعية.

والجدير بالذكر أن العميل المتناهي الصغر مع اعتباره الأكثر تعرضا لمخاطر الائتمان من قبل المؤسسات المالية إلا أنه الأكثر التزامًا وسدادًا في شرائح الائتمان المختلفة.

بلغ عدد المستفيدين من تلك القروض اثنين مليون وسبعمئة ألف مواطن أي أن تلك المشروعات مولت مليونين وسبعمئة ألف مشروع ولو افترضنا أربعة أفراد متوسط عدد الأفراد للأسرة التي تستفيد من المشروع نجد أن التمويل متناهي الصغر مسؤول عن إعالة أكثر من عشرة مليون مواطن وتوفير حياة كريمة لهم سبعين بالمئة منهم تعيلهم ربة البيت.

والأكثر من ذلك أن المستهدف هو مضاعفة تلك النسبة في عام. هذه نبذة مختصرة جدًّا توضح أهمية ذلك القطاع ودوره في توفير حياة كريمة ومصدر رزق لنسبة ليست بقليلة من المصريين والهدف من مقالي هذا هو تسليط الضوء على أهم وأبرز التحديات أمام ذلك القطاع واقتراحات لتجاوز تلك العقبات.

أولًا ارتفاع تكلفة التمويل التي تتراوح بين 18 إلى 45 بالمئة وهي تكلفة مرتفعة جدًّا بالمقارنة بباقي أنواع التمويل والائتمان وأسبابها كالآتي: معظم المؤسسات العاملة في التمويل متناهي الصغر تقوم باقتراض رؤوس الأموال من البنوك ثم إقراضها وهذا يجعل تكلفة الأموال القابلة للإقراص مرتفعة.

فوق التكلفة يضاف هامش كبير للمخاطر الائتمانية ويتناسب الهامش تناسبًا طرديًّا مع المخاطر المرتفعة من وجهة نظر المؤسسات المالية وهي وجهة نظر كذبها الواقع وتاريخ المعاملات المتناهية الصغر إذ إنها الأفضل سدادًا أكثر من القروض العقارية أو الصناعية أو التجارية أو قروض الأفراد لذلك وجب مراجعة تلك الهوامش بناء على الأرقام وعدد المتعثرين في كل قطاع وأعتقد أن ذلك يمكن أن يخفض من هامش المخاطر الائتمانية.

أما تكلفة رؤوس الأموال فإن أتحنا لتلك المؤسسات أو على الأقل الأكبر منها والأكثر جدارة قبول مدخرات متناهية الصغر لوصلنا لتكلفة أقل من تلك التي تحصل عليها المؤسسات من البنوك.

ثانيًا: نقص خبرة المستفيدين من تلك القروض في جوانب إدارة المشروعات ومناحي ريادة الأعمال المختلفة من عمل دراسات مبسطة للمشروعات قبل البدء فيها وحسابات الربح والخسارة ومهارات التسويق والإعلان والجودة إلى آخره من معارف مطلوبة تزيد من نجاح تلك المشروعات وتسرع بها.

لذا وجب الاهتمام بتقديم التدريب اللازم مع تلك القروض ومتابعة المشروعات ومساعدة أصحابها على تعظيم الفائدة. أيضًا يمكن تقديم أفكار إنتاجية وزراعية مدروسة للمشروعات وتدريب من يرغب في الاستفادة من تلك الأفكار قبل الحصول على التمويل اللازم لزيادة المشروعات الإنتاجية والزراعية مقابل النشاط التجاري.

ثالثًا: صعوبة تسويق المنتجات لتلك المشروعات المتناهية الصغر أو ضعف الأسعار التي يتم البيع بها مقابل قيمتها فمثلًا مرت بي منذ شهرين سيدة فاضلة في إحدى قرى المنيا تقوم بتفصيل البنطلونات للأطفال وتبيع الدستة بأربعة جنيهات للتجار بخلاف ثمن القماش. إن تم توفير سوق لتلك السيدة لا أتخيل أنها ستقوم ببيع منتجاتها بتلك الأسعار المتدنية.

رابعًا: معظم تلك المشروعات تقع تحت تصنيف الاقتصاد غير الرسمي لأسباب عديدة منها مخاوف من البيروقراطية وتكاليف التحول للاقتصاد الرسمي وعلى رأسها الخوف من الضرائب خاصة مع ضيق هامش الربح لتلك المشروعات ولهذه التحديات كلها حلول وتجارب إيجابية وناجحة طبقتها دول كثيرة قبلًا فلنستفِد منها ومن نجاحاتها بدلًا من إعادة اختراع العجلة.

التمويل المتناهي الصغر قاطرة جبارة تسد فجوة كبيرة إنسانية واجتماعية وتنموية وهي بديل أقل تكلفة لتوفير فرص العمل في مجتمع يزيد سكانه بنسبة 2.3 بالمئة وهي نسبة جبارة تطلب ملايين فرص العمل الجديدة وأتمنى أن نزيد النجاح الكبير الذي حققناه في زيادة حجم القطاع بإزالة كل العقبات أمام تلك المشروعات والقائمين عليها.

الرابط المختصر