بين العراقيل والتسهيل

بقلم د. ماهر عشم رئيس شركة مصر لنشر المعلومات سابقا

هناك دائمًا صراع دائر بين الصح والخطأ بين القانوني والمخالف وكثيرًا ما يكون الدافع هو قناعة الإنسان بأن القانون لا ينصفه بل وأحيانًا تذهب القناعة بأن محتوى القانون غير عادل أصلًا فيحاول الإنسان التحايل على القانون وأخذ حقه بيده وبأقل الأضرار الممكنة.

E-Bank

وهذا الجدل أو الصراع هو مكون لأي ثقافة وحضارة وإن اختلفت النسب.

وعندنا في مصر تدعم تلك السلوكياتت ثقافة الزحام وما طرأ على المجتمع والشارع من تغيرات انعكست على السلوكيات بصورة تدعم اتجاه المخالفات وكبرت المساحة الرمادية بين الحقوق من وجهة نظر الدولة والبعض من المواطنين هناك على سبيل المثال أحياء بنيت بالكامل في هذه المنطقة الرمادية مثل مدينة نصر وجوانب المريوطية والمنصورية في للقاهرة وأمثلة المباني هي فقط على سبيل المثال ولكن الموضوع أشمل وأوسع بكثير.

في مواجهة هذه المنطقة ظهرت ثقافة أدعوها ثقافة العراقيل وتجسد هذه الثقافة مظاهر بسيطة نمر عليها يوميًّا مثل المطبات الصناعية في كل الطرق الرئيسي منها كالشوارع الكبرى في المدن الجديدة.

الفرعي والهادئ منها أيضًا، الغرض من المطب الصناعي غرض نبيل بلا شك وهو إجبار قائد السيارة على تهدئة سرعته لتجنب وتفادي الحوادث على الطرق والتي لدينا مراكز متقدمة على مستوى العالم في عدد ضحاياها.

ولا يريد المجتمع من ناحية والقائمون على الطرق من ناحية أخرى الاحتكام إلى أو الاعتماد على القانون في الحصول على النتيجة لعدم ثقة الطرفين في قدرته أو قدرة القائمين على إنقاذه على الحسم العادل.

مثال آخر أي مبنى ممنوع اصطفاف السيارات أمامه يقوم المسؤولون عليه بدق الأعمدة الحديدية في الأرض وإتلاف الأسفلت الذي كلف الدولة الأموال الطائلة ونتيجة اصطفاف السيارات بعد الأعمدة الحديدية يتم دق أعمدة أخرى إبعد منها وتكون النتيجة اختزال حرم الشارع إلى مجرى ضيق جدًّا لإجبار الجميع على عدم الانتظار.

أمثلة أخرى كثيرة مشابهة في مجالات متعددة تعكس الصراع الدائر على تلك المنطقة الرمادية وإقامة العراقيل لإجبار السائق على الالتزام هي مقصدي من المقالة فهي صورة محسوسة لظاهرة عامة تشمل الكثير من القوانين واللوائح والتعامل مع العامة في مناحٍ كثيرة الضرائب والرقابة ولها مضار كثيرة وأسرد هنا بعضًا منها من وحي أمثلة المرور:

أولًا: نزيف اقتصادي، فالمطبات الصناعية تزيد استهلاك الوقود بنسبة ثلاثين بالمئة على الأقل وإن كان الوقود مدعومًا حتى يومنا هذا فذلك يزيد من الأعباء على الموازنة والمواطن معًا وإن رفعنا الدعم يدفع المواطن وحده ثمن تلك المطبات البغيضة.

هذا بالإضافة إلى التلفيات التي تحدث بالسيارات واستهلاك قطع الغيار وبالتالي إهدار مبالغ رهيبة من العملة الصعبة دون فائدة حقيقية لأننا نقيم العراقيل ولا نحل المشكلة وما زالت الأرقام تشير لتفوقنا في ضحايا حوادث الطرق بالرغم من تلك المطبات.

ثانيًا: إهدار الوقت فتلك المتطلبات والمعوقات تستهلك كثيرًا من الوقت في التعامل معها وإذا أخذنا مثال منع الانتظار فالتكدس المروري في تلك الشوارع التي تم الاعتداء على حرمها بحجة إقامة الموانع الخاصة بالانتظار هو مضيعة للوقت وكل محاولة في إضافة عراقيل تدس في قوانين ولوائح لإجبار من يريد المخالفة هي مضيعة للوقت.

ثالثًا: العراقيل ظالمة إذ إنها تجبر الجميع على دفع الثمن لمنع المخالف فقط فإن أي شخص من الملتزمين بالسرعة والانتظار في الأماكن المخصصة يخسر تمامًا كغيره من المخالفين نتيجة الموانع المقامة لإجباره هو الملتزم أصلًا على الالتزام.

وتكون النتيجة هي تغير سلوك الملتزم نتيجة إحساسه بضياع حقوقه تمامًا كغير الملتزم.

رابعًا: العراقيل تقلل من الشعور بالانتماء وتقلل من الإحساس بالمسؤولية تجاه المنافع العامة فتدريجيًّا يتزايد ويتنامى الشعور بالضيق من كل العراقيل الموجودة بمناحٍ كثيرة من التعاملات اليومية ويحارب الضيق الشعور بالانتماء إلى المنافع العامة والرغبة في المحافظة عليها وبالتالي في الانتماء لها ويزيد ذلك الشعور عند الأصغر سنًّا وهم الأكثر عددًا في بلدنا الشابة.

تغيير تلك الثقافة من العراقيل إلى التسهيل يحتاج إلى جهود خارقة من المشرع والمنفذ والتعليم والثقافة والإعلام والبيت وهو ليس مستحيلًا وبث روح إيجابية مبادرة له وقع أقوى مليون مرة من العراقيل ووجود مدير أمين يحب عمله ويقدسه أقوى في نتائجه ملايين المرات وعن تجربة من وجود رقيب ولوائح خانقة ومقيدة لم تنجح في القضاء على الأضرار أو الإقلال منها.

أنا لا أدعو هنا إلى التسيب لكن إلى ثقافة التسهيل المصحوبة بقانون واضح رادع ينير تلك المنطقة الرمادية ويختزلها فتكون فوائده الاجتماعية والاقتصادية أفيد وأنجح كثيرًا لرفعة وطننا الغالي وراحة ورفاهية أبنائه.

الرابط المختصر