بقلم مجدي سرحان ـ رئيس مجلس إدارة جريدة حابي
مع بداية شهر رمضان.. أصدر الرئيس عبد الفتاح السيسي قرارا إنسانيا بالإفراج عن جميع المصريات السجينات تنفيذا لأحكام إدانة في القضايا المعروفة باسم «قضايا الغارمات».. على أن يتحمل صندوق «تحيا مصر» سداد ديون المفرج عنهن من هؤلاء النساء ضحايا الظروف الصعبة التي يتحمل مسئوليتها المجتمع كله.. لأنهن وقعن في المحظور نتيجة لعجزهن عن التعايش مع الأزمات الاقتصادية الطاحنة التي يعانيها المجتمع.. في ظل غياب «العدالة» واجراءات الحماية التي تحصنهن ضد هذه الأزمات.. همن ضحايا الفقر والظلم.. ويمثلن «عورة إجتماعية» مخجلة.
●● في اعتقادنا
ان الأهم من هذا القرار.. ولا نقلل من قدر أهميته الكبرى.. هو إيجاد آلية دائمة تضمن القضاء على هذه الظاهرة.. وتزيل عارها نهائيا عن الجسد الاجتماعي.. فلا يعقل أبدا تصور أن يستمر حبس المزيد من المدانين في مثل هذه القضايا.. ويتكدسون في السجون.. وتتحمل الدولة أعباء إعاشتهم في السجن التي تتجاوز كثرا قيمة ديونهم.. انتظارا لقرار رئاسي جديد بالعفو عنهم أو سداد ديونهم من الصندوق الذي أنشئ اصلا للمساهمة في مشروعات الخدمات والتنمية الإجتماعية.
وإن كنا نسمع عن مبادرات اجتماعية كثيرة من البنوك.. لا ننكر أنها تساهم بشكل إيجابي ومشكور في مواجهة الكثير من المشاكل التي تحتاج تضافر الجهود مع الدولة من أجل حلها .. ومنها مثلا التبرع لبرامج العلاج وإنشاء المدارس ودعم التعليم وخدمات النقل والمساعادات الاجتماعية وغيرها.
لكن نرى أن البنوك مازالت غائبة عن التفاعل مع قضية «الغارمات».. هذه الظاهرة الخطيرة التي تتفاقم وتستفحل وتزداد تعقيدا مع تراكم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تعانيها البلاد.. حيث الآلاف من النساء السجينات «الغارمات» المدانات في قضايا الامتناع عن سداد ديون لصالح تجار.. أوقعتهن ظروفهن الصعبة في توقيع إيصالات أمانة لهم للحصول على أموال ربما يستخدمنها في علاج مريض أو زواج أو تعليم أو إطعام أبناء.
●● رسميا
لا توجد احصائيات دقيقة لعدد هؤلاء الغارمات.. وإن كان مسئولون أمنيون يؤكدون أن عددهن الكبير أصبح يمثل عبئًا على الدولة.. نظرا لأن تكلفة إعاشة معظمهن داخل السجون أثناء قضاء العقوبة تزيد كثيرا على قيمة المديونية التي صدرت بسببها الأحكام بسجنهن..!!
ومعظم من يقضون عقوبات السجن في مثل هذه القضايا نساء.. لماذا؟ لأن التاجر صاحب المال والبضاعة يشترط على المدين أن توقع زوجته أو أمه أو بنته على إيصال الأمانة.. أو بالأصح يأخذها رهينة ضمانا للسداد.. ويضطر المدين للقبول تحت ضغط الحاجة والعوز والجهل القانوني.. إلى أن تقع الفأس في الرأس.. وتجد الغارمة نفسها وراء القضبان بعد عجزها عن السداد.. وللاسف فإن القانون المصري لا يفرق بين المتهمات في مثل هذه القضايا وغيرهن من المتهمات في القضايا الجنائية.. مثل القتل و السرقة و المخدرات والدعارة.. عقوبة الحبس تشمل الجميع.. ولا يوجد في القانون عقوبات مدنية يتم تنفيذها تحت رقابة وإشراف أجهزة أمنية متخصصة.. مثلما يوجد في دول عديدة أخرى.. حيث يقضي المدين في مثل هذه القضايا فترة عقوبته في عمل عام يتقاضى مقابله أجرا يخصص لسداد مديونيته .
●● دعونا نسأل:
أين دور البنوك تحديدا من هذه القضية الاجتماعية الخطيرة.. ولماذا لا يتبنى اتحاد البنوك إنشاء ما يمكن تسميته «صندوق الغارمات»؟.. ويكون هذا الصندوق عبارة عن حساب خاص يودع فيه جزء من أرباح البنوك بالإضافة الى «فكة البنوك» أي كسور الجنيهات التي يتركها العملاء في تعاملاتهم.. وأيضا فوائد الودائع والحسابات التي لا يرغب أصحابها في التنازل عنها لاعتبارات دينية.. وهم ليسوا بقليلين.. على أن يستخدم جزء من هذه الأموال في سداد ديون الغارمات.. وجزء آخر يتاح للمحتاجين والمعوزين الحصول منه على قروض حسنة بلا فوائد وبمدد وأقساط سداد ميسرة حسب مقدرة طالب القرض وبناء على بحوث اجتماعية دقيقة.. وفي حالة التعثر التام يمكن إسقاط أصل المديونية دون خسائر يتكبدها البنك.
●● هذه دعوة نوجهها الى البنوك والى اتحاد البنوك بمناسبة شهر رمضان.. شهر البر والاحسان.. لأنها تمثل حلا جذريا لهذه الظاهرة الاجتماعية المشينة.. ظاهرة النساء الغارمات.