بقلم د. ماهر عشم رئيس شركة مصر لنشر المعلومات سابقا
تكون الدقائق الأولى في أي لقاء انطباعًا أوليًّا قد يفتح أبوابًا أو يغلقها على مصراعيها دون أن تتكرر فرص أخرى لفتحها فالانطباعات الأولى لدى البشر تدوم.
إذا كان لدى أي شخص منا فرصة مهمة لعمل أو اتفاقية جديدة فعادة ما تحدد الدقائق الأولى مصير تلك الاتفاقية وإذا ما كان المتلقي سيهتم ويستمع إلى المزيد أو سترسل الانطباعات الأولى إشارات سلبية إلى ذهنه مقنعة إياه بأن يكمل اللقاء وهو متسلح بقرار الرفض.
لذلك ندرب طلابنا في الجامعة على عرض كيفية مشاريعهم ونهتم بمظهرهم وأدوات العرض وكيفية التواصل ولغة الجسد لندربهم على المهارات التي يحتاجون إليها في بداية حياتهم لجذب الانتباه في أي لقاء لاختيار موظفين أو أي لقاءات لعقد صفقات.
ولا ينطبق هذا على الأعمال فقط بل على العلاقات الإنسانية والبرامج التلفزيونية والمسلسلات والأفلام فكم من مرة تلاقيت بإنسان وكان الانطباع الأول قابلًا أو رافضًا لما يقوله هذا الشخص دون معرفة كافية به وكم من مرة أمسكت بالريموت وقررت تغيير القناة بعد دقائق من مشاهدة برنامج ما فالمثل يقول إن «الجواب بيبان من عنوانه» وقد صدق هذا المثل في التعبير عن تلك اللحظات الأولى المفتاحية.
ومطار القاهرة يا سادة هو عنوان من العناوين الرئيسية لمصر ومعظم زائري مصر دخلوها من مطار القاهرة كما يضطر مواطنوها لاستخدامه في سفرهم الدائم ولذا وجب الاهتمام به لأنه جزء مفتاحي في انطباع ضيوف مصر وخبرتهم,
وهو مدخل رئيسي ومهم للاقتصاد ورجال الأعمال وسياحة المؤتمرات والبضائع لذا وجب على المسؤولين الاهتمام بجمال وسهولة ونظام المطار نظرًا لدوره المحوري في تكوين الانطباع الأول والمطار به جوانب عديدة تحتاج لإعادة النظر ولكن سأتناول في مقالي اليوم متغيرًا واحدًا جديدًا لمطار القاهرة وأهم الدروس المستفادة.
من سنوات طويلة جدًّا تم تركيب بوابات لتنظيم دخول وخروج السيارات إلى المطار وظلت تلك البوابات الآلية ديكورًا لطيفًا بجانبه موظف يقوم بإعطاء كل سيارة تدخل المطار تذكرة دخول يتم ختمها بساعة الدخول يدويًّا.
عند الخروج من المطار كانت هناك بوابات بجانبها أكشاك بها موظفون لتحصيل الرسوم عند الخروج. كانت تلك البوابات تتسبب في تكدس السيارات في مواسم الذروة أو الأوقات المزدحمة بوصول الطائرات المختلفة مما دفع -على أغلب الظن- المسؤولين إلى استبدال تلك الأكشاك لبوابات آلية وربطها ببوابات الدخول وتفعيلها أخيرًا في محاولة منهم لحل المشكلة.
فعلى من يدخل المطار الترجل ودفع الرسوم بأحد تلك الأكشاك قبل الخروج وإلا اضطر إلى المرور عبر كشك واحد باقٍ عند الخروج ودفع رسوم مضاعفة وعندي هنا عدة ملاحظات واقتراحات:
أولًا: كثيرًا ما يجتهد المسؤولون في مصر في تجنب المواصفات القياسية والأعراف المتبعة في العالم ويضيفون إلى الأنظمة ما يزيدها تعقيدًا وتكلفة دون داعٍ.
بمطارات العالم لا تحصل رسوم دخول وخروج للمطار إلا إذا انتظرت السيارة داخل المطار.
فكم سيارة تدخل المطار لإنزال الراكبين وبدلًا من خروجها فورًا يضطر صاحب السيارة البحث عن أحد تلك الأكشاك وصف السيارة والترجل لدفع الرسوم حتى يتجنب الغرامة ويتمكن من الخروج ولم أرَ هذا في أي مطار في العالم وهو رسم دون وجه حق مصاحب بإضافة المعاناة ومضيعة وقت قائد السيارة.
غالبًا لن يتم تغيير النظام نظرًا للتكاليف الباهظة التي صرفت عليه ولكن يمكن تعديله وخروج السيارات مجانًا إذا قضت زمنًا أقل من نصف ساعة ما بين دخولها وخروجها وهو زمن كافٍ لإنزال أي مسافر وغير كافٍ لانتظار أي سيارة وبذلك نتجنب مضيعة الوقت والجهد وتكدس السيارات على الأكشاك وفي أماكن الانتظار غير المنظمة والمحدودة.
ثانيًا: كثيرًا ما يجتهد المسؤلون فينتهي بهم الأمر إلى شراء أنظمة صارت قديمة ولا تستعمل في الدول الأخرى بدلًا من اللحاق بقطار التكنولوجيا والبدء بما انتهى به الآخرون من خدمات وتطبيقات.
فكان من الممكن إضافة تطبيق والدفع الإلكتروني من التطبيق على الهاتف المحمول الخاص بقائد السيارة والحصول على الباركود أو ال كيو أر كود الذي تقرأه بوابات الخروج من التليفون دون الحاجة إلى تذاكر ورقية ومعاملات نقدية مثل المتبع بتحصيل الرسوم وخدمات انتظار السيارات بكثير من دول العالم ومما يصب في تغيير ثقافة المعاملات النقدية، والتحول لمجتمع لانقدي.
وما زالت هناك إمكانية لإضافة تطبيق خاص بالمطار من وجهة نظري وتركيب أجهزة قراءة الكود بوابات الخروج دون الحاجة لتغيير النظام الحالي وبتكلفة إضافية بسيطة بالمقارنة بتكلفة المشروع الأصلي.
ثالثًا: كثيرًا ما يجتهد المسؤولون في إعلاء مصلحة الكيان الذي يقومون بإدارته وتعظيم موارده دون النظر إلى المصلحة العامة أو مصلحة المواطن الذي يقوم ذلك المكان بخدمته فإضافة أي نظام جديد بمطار القاهرة وقبل دوره في مصلحة المطار من وجهة نظر القائمين عليه هو موجود أولًا لإعلاء وتعظيم المصلحة العامة من خبرة إيجابية للسائحين والزائر والضيف لتعظيم موارد السياحة وخدمة اقتصاد الوطن وثانيًا لخدمة المواطنين والزائرين وراحتهم والتيسير عليهم ثم يأتي بعد ذلك أي هدف مؤسسي آخر.
أخيرًا تلك الملاحظات لا تخص الدخول والخروج من المطار فقط لكنها ملاحظات عامة قد تساهم في رسم صورة أكثر إشراقًا.