بقلم مجدي سرحان ـ رئيس مجلس إدارة جريدة حابي
الصناعة والتصدير.. هما عمودا الخيمة لاقتصاد أية دولة قوية.. وبغيرهما لا تستطيع الخيمة الثبات في الأرض.. هما أهم مصادر الدخل القومي والتدفقات المالية الأجنبية اللازمة لضبط الأداء الاقتصادي وتلبية الاحتياجات التمويلية والحفاظ على قوة العملة المحلية.. لذلك تتسابق الدول من أجل استغلال كل إمكانياتها التصنيعية المتاحة.. من مواد خام وأدوات انتاج وتكنولوجيا وعمالة…إلخ .. لتنتج وتصدر وتجني العوائد.
هذه حقائق بسيطة يدركها الجميع.. إلا أن مدى الاهتمام بها يختلف من دولة لدولة.. ومن إدارة لإدارة.. ومن زمان لزمان.
•• نظرة الى مصر
تعكس غياب الاهتمام الجاد طوال العقود المتوالية الماضية بالصناعة والتصدير كأحد مصادر الإيرادات العامة للدولة.. فلا يعقل مثلا أن يتخطى إجمالى موارد الدولة فى الموازنة العامة لعام 2017/2018 ما يزيد على تريليون و488 مليار جنيه.
بينما لا تتعدى تقديرات أرباح الشركات من هذا المبلغ أكثر من 11 مليارا و628 مليون جنيه.. تتضمن أرباح شركات القطاع العام وقطاع الأعمال العام.. التي يبلغ عددها ـ حسب احصائيات رسمية حديثة ـ 124 شركة تابعة لـ 9 شركات قابضة.. بينها الشركة القابضة للقطن والغزل والنسيج والملابس التي تتبعها وحدها 24 شركة غزل ونسيج بجانب 7 شركات حليج وتجارة أقطان.
الرقم ضئيل الى حد مفزع ومخيف.. إذ لا يزيد حجم مساهمة هذه الشركات في الإيرادات العامة للدولة نسبة 0.78 % .. وهو يكشف بالتالي حجم الانفاق الضئيل جدا من جانب الدولة على إصلاح هذه المنظومة الصناعية «المُهمَلَة».. مقارنة بحجم الانفاق والانجاز الضخم على قطاعات أخرى.. كمشروعات البنية الأساسية وفي مقدمتها توليد الكهرباء وإنشاء المدن والطرق والكباري واستصلاح الأراضي وغيرها.
•• من أجل ذلك
كان الخبر مفرحا ومبشرا للغاية.. عندما أعلن رئيس الدولة الرئيس عبد الفتاح السيسي بنفسه عن بدء تنفيذ أكبر عملية تطوير وتحديث وهيكلة فى تاريخ قطاع الغزل والنسيج بتكلفة 21 مليار جنيه.. وهو القطاع الصناعي الأهم في مصر.. بالإضافي الى الصناعات الدوائية والبتروكيماوية والغذائية والسماد والسيارات وغيرها من الصناعات الواعدة.
وبحسب ما أعلنته وزارة قطاع الأعمال العام.. فإن خطة التطوير التي وضعها مكتب وارنر الاستشاري الأمريكى تتضمن نقل شركات كاملة من أماكنها وبناء مصانع جديدة فى صورة مجمعات.. كما تم الاستقرار على تحديث المحالج عن طريق شركة هندية وسيتم بناء 11 محلجا جديدًا.
ويتم تمويل الخطة من حصيلة بيع الأصول غير المستغلة التي تمتلكها القابضة وشركاتها التابعة.. وتتمثل في 3.6 مليون متر مربع من الأراضى قيمتها 43 مليار جنيه.. أي أكثر من ضِعف تكلفة خطة التطوير التي تمت أولى خطواتها بعد الاتفاق النهائى على توريد ماكينات للمصانع بقيمة 10 مليارات جنيه.
كما تم الاتفاق على إنشاء 3 مجمعات فى المحلة وحلوان وكفر الدوار ودمج الشركات فيها.. و سيتم تنفيذ برنامج تدريب واسع للعمالة مع فتح باب المعاش المبكر لخفض النفقات.
كما تشارك في تنفيذ الخطة 20 وزارة بحسب أدوارها في مراحل الإنتاج.. بدءاً بزراعة القطن حتى خروج الإنتاج تام الصنع سواء للأسواق المحلية أو للتصدير.. بالإضافة الى تحديث إدارة الشركات ودراسة احتياجات التسويق وتطبيق أساليب الجودة العالمية.
والهدف من ذلك كله وفقا لما يؤكده هشام توفيق وزير قطاع الأعمال العام هشام توفيق هو أن يعود القطن المصرى إلى الأسواق العالمية من جديد ليستعيد مكانته التاريخية الطبيعية.. وليصبح قادرا على المنافسة.
•• وهنا نسأل:
ما نصيب شركات الصناعات النسيجية التابعة للقطاع الخاص من هذه الاستراتيجية الطموح لتحديث وتطوير هذا القطاع الحيوي المهم؟.. وما نصيب قلاع الصناعات النسيجية الخاصة في المحلة الكبرى ودمياط وكفر الدوار وشبرا الخيمة وغيرها من اهتمام الدولة.
صحيح أن مهمة تطوير شركات قطاع الأعمال العام يتوفر لها العامل الأهم للنجاح وهو التمويل الذاتي عن طريق بيع أصولها غير المستغلة.. إلا أن الوضع سيكون أصعب ولا شك بالنسبة لشركات القطاع الخاص.. ونتمنى أن تسارع البنوك من جانبها باستحداث أدوات وتقديم المزيد من التسهيلات من أجل المساهمة في تمويل خطة تطوير هذه الشركات لتلحق بركب نظيراتها التابعة لقطاع الأعمال.
أيضا.. تظل هناك اشكاليتان مرتبطتان بجهود تحديث الصناعات النسيجية.. أولاهما تتمثل في ضرورة إعادة النظر في قرار فتح باب استيراد الغزول.. والذي يضر بالغزول المحلية نظرا لأنها تأتي الى أسواقنا بأسعار أرخص بسبب الدعم الذي تقدمه الدول المصدرة لها.. وهذا يتطلب وضع ضوابط جديدة للاستيراد.. أو فرض رسم وارد على هذه الغزول.
أما الإشكالية الثانية فتتعلق بظاهرة تهريب الغزول من مصانع المناطق الحرة الى السوق المحلية.. وهو ما يفرض ضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة لوقف هذا التهريب.. وذلك ضمن خطة شاملة تهدف الى تشخيص كل مشاكل الصناعات النسيجية قبل المضي قدما في وضع الحلول لها.
مع الأخذ في الاعتبار أن هناك من المتربصين والكارهين وأعضاء «الطابور الخامس» من بدأوا بالفعل محاولة إفشال هذه الجهود وإعاقتها.. بزعم أن صناعة الغزل والنسيج تعاني مصاعب أسرع وأكبر بكثير من الخطط والجهود المبذولة لإنقاذ هذه الصناعة من الانهيار.. وخاصة في ظل توقف نحو 50% من الطاقة الإنتاجية للمصانع.. ونتمنى أن تخيب ظنون هؤلاء.