ماذا بعد أبراج؟
إيكونوميست ترصد كواليس وانعكاسات الأزمة تحت عنوان “الانهيار الأكبر في تاريخ الاستثمار المباشر سيكون له تأثير دائم”
رصدت صحيفة إيكونوميست في تقرير واسع أمس تحت عنوان “الانهيار الأكبر في تاريخ الاستثمار المباشر سيكون له تأثير دائم”، محطات مختلفة في أزمة شركة أبراج الإماراتية وما ترتب عليها من تداعيات على شهية المستثمرين وعلاقاتهم بشركات إدارة الصناديق، قائلة “في الوقت الذي تحصل فيه صناديق أبراج على مديرين جدد.. يشعر المستثمرون بالآثار المترتبة على الانهيار”.
وقالت إيكونوميست في بداية التقرير إنه في سبتمبر 2017، تلقى المديرون التنفيذيون في شركة هاميلتون لان Hamilton Lane- – لإدارة الأصول، رسالة بريد إلكتروني تحت عنوان “تحذير من صندوق أبراج السادس” اتهمت فيه مجموعة أبراج بتضخيم قيمة استثماراتها لجذب رؤوس الأموال إلى أحدث صناديقها.
وكان البريد الإلكتروني مجهولًا ومملوءًا بالأخطاء المطبعية والأخطاء النحوية، لكن لهجته كانت شريرة. وقالت: “إن الحوكمة ليست كما تبدو، لكن الموظفين يخشون الكلام”.
وقد أحالت شركة هاميلتون لان الرسالة إلى مجموعة أبراج، وطلبت منها مستندات تدحض هذه الادعاءات، وبالفعل قدمت أبراج أدلة هدأت مخاوف هاميلتون، ودعمت الأخيرة صندوق أبراج السادس بأكثر من 100 مليون دولار.
وقالت صحيفة إيكونوميست إن رسائل بريد إلكتروني مماثلة ذهبت إلى عملاء أبراج الآخرين، ولكن لم يكن لها تأثير يذكر، وبعد أسابيع، جذب الصندوق السادس 3 مليارات دولار، أي نصف هدفه البالغ 6 مليارات دولار، وكانت مشاكل الشركة حقيقية.
التعسر منذ العام الماضي استهلك ملايين الدولارات من المستثمرين.. ونال من سمعة الرقابة المالية
وأكدت أن انهيار مجموعة أبراج العام الماضي استهلك ملايين الدولارات من أموال المستثمرين، كما نال من سمعة هيئة الرقابة المالية في دبي، وقالت “على الرغم من أن المنافسين يقسمون الإمبراطورية إلا أن تداعيات الانهيار تهدد بإحداث المزيد من الضرر”.
استغرق الأمر 16 عامًا حتى أصبحت أبراج أفضل شركة استثمار مباشر في الأسواق الناشئة، ولديها أكثر من 30 صندوقًا تغطي إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية وتركيا، وتمكنت من إدارة أصول بقيمة بلغت 14 مليار دولار.
كما كان رئيسها الباكستاني عارف نقفي، عضوًا منتظمًا بفاعليات دافوس وراعي الفنون، وقدم وجهًا لطيفًا وكريمًا للاستثمار المباشر، ونجح صندوق أبراج الصحي الذي تبلغ تكلفته مليار دولار وسجل إغلاقه في عام 2016، في الحصول على دعم بنوك تنموية وفاعلي الخير.
وأوضحت الصحيفة أن مجموعة أبراج واجهت مشكلة مزمنة، وهي تراكم خسائر تشغيل بملايين الدولارات عامًا بعد عام.
ووفقًا لمصادر مطلعة على دفاتر المجموعة الإماراتية، فإن الإيرادات المؤلفة من رسوم الإدارة والأداء، تفوقها التكاليف المتضخمة، ولسد هذه الفجوة كانت المجموعة تقترض، وفي الأشهر التسعة حتى مارس 2018، وصلت تكاليف التمويل إلى 41 مليون دولار، وفقًا لتقرير سري صادر عن مصفييها.
وطوال عام 2016، كانت مجموعة أبراج تأمل في بيع الأصول لتتجنب حدوث أزمة مالية، بما في ذلك حصة بقيمة 1.8 مليار دولار في شركة مرافق باكستانية، لكن الصفقات تأخرت مرارًا وتكرارًا.
في شكوى تم تقديمها الشهر الماضي ضد أبراج ومؤسسها عارف نقفي، زعمت هيئة الأوراق المالية والبورصة –SEC- وهي الجهة الرقابية المالية الرئيسية في أمريكا، أنه بين أواخر عام 2016 ومنتصف عام 2018، قامت شركة أبراج بتحويل ما يزيد عن 230 مليون دولار من صندوق الصحة قالت إنها مخصصة لعمليات استحواذ إلى حسابها المصرفي.
وعندما فشلت عدة استثمارات في أن تتحقق، بدأ العملاء في طرح الأسئلة، ووفقًا للادعاء فإن نقفي عزى التأخر إلى “أسباب خارجة عن إرادتنا”، وكذب بشأن مكان وجود النقود.
في نهاية عام 2017، قام أربعة مستثمرين، من بينهم بيل وميليندا جيتس ومؤسسة IFCالتابعة للبنك الدولي، بتعيين محققين لتعقب الملايين المفقودة، وعندما اندلعت الأخبار في فبراير 2018، قام الدائنون بإيقاف صنابير الأموال والسعي لإغلاق الشركة، ما دفع مجموعة أبراج للتقدم للتصفية المؤقتة في جزر كايمان، حيث تم تأسيسها، أملًا في الحصول على مساحة أكبر لإعادة هيكلتها.
وخلال الأسابيع القليلة الماضية، كان نقفي في سجن بريطاني بانتظار قرار لتسليمه إلى أمريكا، كما تم القبض على اثنين من المديرين التنفيذيين، ولكن مؤسس أبراج يعلن دائمًا تمسكه بالبراءة ويقول إنه يتوقع تبرئته من أي تهم.
ويبحث المصفون عن مدراء جدد لصناديق أبراج -وهي مهمة شاقة، نظرًا لوجوب الموافقة على مثل هذه الصفقات من قبل نسبة متفق عليها مسبقًا من الشركاء المحدودين، حيث يتم استدعاء المستثمرين في الصناديق بالكامل- ولأبراج أكثر من 500 مستثمر، ويقول مستشار العملية “إنها مثل قيادة قطيع قطط”.
لكن هناك تقدم. ففي التاسع من مايو الجاري، قالت شركة TPG الأمريكية، إنها ستصبح أمين الصندوق الصحي، وفي الشهر الماضي، اشترت كولوني كابيتال، ومقرها كاليفورنيا، أعمال مجموعة أبراج في أمريكا اللاتينية، كما تجري شركتا أكتس وفرانكلين تيمبلتون محادثات للاستحواذ على الوحدات الإفريقية والتركية.
وفي العام الماضي، أعادت أبراج الأموال المستحقة عليها بالإضافة إلى الفوائد، إلى صندوق الصحة، وتم الإفراج عن الالتزامات المضمونة للصندوق السادس.
وجمعت صفقات شركتي TPG وكولوني دعمًا كافيًا من المستثمرين، حيث قدم جميعهم تقريبًا الدعم.
وتقول صحيفة إيكونوميست إنه يبدو أن الكثيرين يعتقدون أن أبراج هي المشكلة وليس الأسواق التي تعمل فيها، لذا يمكن استئناف العمل كالمعتاد.
مسؤول بصندوق المعاشات التقاعدية الحكومي بجنوب إفريقيا المستثمر لدى أبراج: “لا يمكننا تحمل عدم الاستثمار في الأسهم الخاصة بسبب عوائدها العالية المحتملة”
وتقول ليندا ماتزا من صندوق المعاشات التقاعدية لموظفي الحكومة في جنوب إفريقيا، وهو مستثمر لدى أبراج: “لا يمكننا تحمل عدم الاستثمار في الأسهم الخاصة بسبب العائدات العالية المحتملة”.
المجموعة الإماراتية ما زالت مدينة بأكثر من 1.2 مليار دولار.. 300 مليون دولار على الأقل ذهبت نحو “معاملات غير مشروعة” وما زالت مفقودة
إلا أن تقرير إيكونوميست أكد في الوقت نفسه أن ظهور بوادر لتسوية أزمة أبراج مضلل، لكون المجموعة الإماراتية ما زالت مدينة بأكثر من 1.2 مليار دولار، ورجح مصدر مطلع على دفاتر أبراج أن “أي شيء قريب” من ذلك سيتم سداده.
وفي رسالة اطلعت عليها صحيفة إيكونوميست من محامين لمستثمرين في صندوق أبراج الرابع البالغ قيمته 1.6 مليار دولار، تزعم أن 300 مليون دولار “على الأقل جدًّا” ذهبت نحو “معاملات غير مشروعة” وما زالت مفقودة.
بالنسبة للصناديق التي تم جمع أموالها قبل عام 2013، لم يكن لدى أبراج مسؤول خارجي، وفقًا لملاحظة شريك سابق بالمجموعة، كما يعتقد أن مؤسسة أخرى من نفس الحقبة محملة أيضًا بمستحقات تقدر بعشرات الملايين، فيما يقول أحد المتحدثين إنه منذ بدء عمليات التصفية المؤقتة، ظل مؤسسها نقفي يعمل بلا كلل لزيادة عوائد دائني أبراج إلى أقصى الحدود.
وقال تقرير إيكونوميست أن انهيار أبراج أحدث تأثيرًا ملموسًا في جميع أرجاء الصناعة، وتوقفت العديد من المؤسسات الكبيرة عن الاستثمار في إفريقيا والشرق الأوسط، أرضها الأصلية.
وفي العام الذي تلا الإعلان رسميًّا عن الأزمة، جمعت صناديق الاستثمار المباشر التي تركز على المنطقة مليار دولار فقط، أي ثلث متوسطها السنوي في السنوات الخمس السابقة، وفقًا لشركة Private Equity International المتخصصة في المعلومات المالية، منذرة من أن هذا الحذر قد يلوث الأسواق الناشئة الأخرى.
كما جعلت هذه الفضيحة المستثمرين أكثر حذرًا من التكتيكات الأقل تقليدية لشركات الاستثمار المباشر، ففي السنوات الأخيرة، استخدم المديرون بشكل متزايد الأموال التي وعد بها المستثمرون بالصناديق كضمان للقروض المصرفية قصيرة الأجل، ويتيح لهم هذا الإجراء استثمارات دون سحب رؤوس أموال المستثمرين.
مديرو الصناديق توسعوا في الاقتراض بضمان تعهدات الاستثمار بقيم تجاوزت 400 مليار دولار.. وبعد تعسر أبراج البنوك حثت المستثمرين على دفع الفاتورة
وارتفع الرصيد العالمي لمثل هذه الديون إلى 400 مليار دولار بحسب الخبراء، ولكن بعد تعثر أبراج في العديد من التسهيلات، حثت البنوك المستثمرين –الشركاء المحدودين- على دفع الفاتورة، ويقول كيلي ديبونتي من شركة بروبيتاس بارتنرز، التي تقدم المشورة للشركات حول زيادة رأس المال: “لم يكونوا سعداء”.
الشركاء المحدودون بالصناديق يطلبون حاليًا قدرًا كبيرًا من التقارير.. وصفحات وثائق المطالب الموجهة لمديري الصناديق ارتفع عشرة أضعاف
ووفقًا لصحيفة إيكونوميسكت، يسعى الآن العديد من الشركاء المحدودين إلى الحصول على مزيد من الراحة من خلال المطالبة بقدر كبير من التقارير، وارتفع عدد الصفحات بوثائق متطلبات الشركاء المحدودين من مديري الصناديق إلى 100 صفحة، أي عشرة أضعاف ما كانت عليه.
وقالت إن الشركات الكبرى يمكنها استيعاب تكاليف الامتثال للمتطلبات الأثقل التي بات يفرضها المستثمرون، ولكن الشركات الأصغر ستواجه صعوبات.
واختتمت تقريرها قائلة: “قد يكون إرث عملاق الأسهم الخاصة المعيب ذبحًا للناشئين الابتكاريين”.